مقالات

الصلح الجزائي …متى ؟

يوجد ما يشبه الإجماع على أن منظومة العدالة الانتقالية التي وقع إقرارها منذ 14 جانفي 2011 قد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف التي وضعت من أجلها إذ عجزت عن المحاسبة و استرداد الأموال التي اكتسبت من خلال توظيف العلاقات التي تربط المشمولين بها بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي و عائلته و لم تلعب دورا في تكريس المصالحة الوطنية و تحولت -للأسف – الى عامل من عوامل تغذية الفرقة و التوتر . و لا شك أن العودة الى اسباب فشل منظومة العدالة الانتقالية و الى كشف العوامل الموضوعية و الذاتية التي تقف وراء هذا الفشل تعد أكثر من ضرورية و ذلك لانعكاساتها السلبية و الخطيرة على كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 و لأن تداعياتها ستبقى فاعلة لسنوات سواء من حيث التأثير على الاقتصاد الوطني أو الابتعاد عن أسس دولة القانون و المؤسسات و الحق و خاصة تغذية مشاعر الاحساس بالظلم و الاستهداف و التي تبقى فاعلة و تخترق الأجيال . دون العودة إلى التفاصيل فإن منظومة العدالة الانتقالية خضعت من خلال النصوص التي نظمتها و شخصية رئيستها المثيرة للجدل الى حسابات سياسوية افقدتها مصداقيتها ونبلها و جعلتها لا تحقق أهدافها و هو ما أدى الى نتائج عكسية إذ تضاعفت معاناة المشمولين بها اذ ظلوا محل متابعات و ملاحقات قضائية رغم ان اغلبهم قد عبر عن رغبته في أن ينخرط في مسار العدالة الانتقالية . و يبقى الاقتصاد الوطني أكبر متضرر من فشل منظومة العدالة الانتقالية إذ وقع حرمانه من سيولة هامة و ادى سوء التصرف في الاملاك المصادرة الى تحولها الى عبء على المجموعة الوطنية في ظرف كان من الضروري أن تساهم في ما يمكن إصلاحه من تدهور اقتصادي يبدو مرشحا لمزيد التعمق إذا لم تتخذ إجراءات جدية من أجل الانقاذ . 

تبدو مسؤولية رئيس الجمهورية قيس سعيد مهمة في هذا الإطار خاصة و انه يدرك حقيقة الوضع الاقتصادي و انه كان من السباقين في نقد منظومة العدالة الانتقالية واقترح بديلا عنها فكرة الصلح الجزائي وذلك على قاعدة تولي كل شخصية مشمولة بضرورة المصالحة و المحاسبة بمسالة تنمية واحدة من المعتمديات الاقل حظا في التنمية من خلال بعث مشاريع تقضي على البطالة و تحرك الدورة الاقتصادية . هذا التصور يمكن إذا ما استفاد من نقائص و سلبيات العدالة الانتقالية و انطلق ايضا من بعض ما راكمته من خلال مساهمة المشمولين بها من خلال الأملاك المصادرة في تسديد جانب من الأموال المطالبين بسدادها أن يكون الحل الأفضل لوضعية انعكست سلبيا على الجميع و لن يساهم بقاؤها على ما هي عليه إلا في خلق وضعية معاناة عبثية للجميع بدءا من المشمولين بها وصولا الى الاقتصاد الوطني 

هشام           

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى