الذكاء الاصطناعي

بقلم: الدكتور جابر غنيمي
قاضي رتبة ثالثة بمحكمة الاستئناف بقابس
شهد العالم، خلال الـ 100 عام الأخيرة، تسارعاً شديداً في التطور التكنولوجي بفضل الدفع بمزيد من الموارد نحو البحث والتطوير وإنتاج المعرفة؛ مما جعل التكنولوجيا بمفهومها العابر للجغرافيا؛ مكوناً أساسياً في قياس مدى تطور المجتمعات وتقدمها؛ لكن هذا التطور السريع حمل معه في كل مرحلة أسئلة حاسمة ومؤثرة في مسيرة البشرية.
ومع مراقبة موجات التقدم التكنولوجي؛ رأينا إصرار الدول العظمى على تطوير تطبيقات متقدمة جدا، مثل تطبيق الذكاء الاصطناعي : Artificial intelligence ، وتوظيفها في المجالين: العسكري والأمني.
– تعريف الذكاء الاصطناعي:
الذكاء الاصطناعي هو مجال علوم الكمبيوتر المخصص لحل المشكلات المعرفية المرتبطة عادةً بالذكاء البشري، مثل التعلم والإبداع والتعرف على الصور.
فالذكاء الاصطناعي أو الذكاء الصناعي ب هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. ومن أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة.
فالذكاء الاصطناعي يعرف بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، كما أنه اسم لحقل أكاديمي يعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي.
تاريخ الذكاء الاصطناعي:
إن أول عمل جوهري في مجال الذكاء الاصطناعي قام به عالم الرياضيات ورائد الحاسوب البريطاني آلان تورينج، حيث أعلن تورينج في عام 1950 أنه في يوم من الأيام سيكون هناك آلة يمكنها مضاهاة الذكاء البشري بكل طريقة وإثبات ذلك من خلال اجتياز اختبار متخصص، وفي هذا الاختبار سيتم طرح أسئلة متطابقة عشوائية على جهاز حاسوب وإنسان مخفي عن الأنظار، وإذا نجح الحاسوب فلن يتمكن السائل من تمييز الآلة عن الشخص بالإجابات.
وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، لم يقترب أي برنامَج للذكاء الاصطناعي من اجتياز اختبار تورينج، ومع ذلك فقد حققت بعض البرامج مستويات أداء الخبراء البشريين في أداء بعض المهام المحددة، ويمكن العثور على الذكاء الاصطناعي بهذا المعنى المحدود في تطبيقات متنوعة مثل التشخيص الطبي وترجمة اللغات وتصميم الحاسوب والتعرف على الصوت أو الكتابة اليدوية.
أنواع الذكاء الاصطناعي:
يوجد 3 أنواع من الذكاء الاصطناعي:
الذكاء الاصطناعي الضيق: وهو الذكاء الذي يتخصص في مجال واحد فمثلاً هناك أنظمة الذكاء الصناعي التي يمكنها التغلب على بطل العالم في لُعْبَة الشطرنج وهو الشيء الوحيد الذي تفعله.
الذكاء الاصطناعي العام: يشير هذا النوع إلى حواسيب بمستوى ذكاء الإنسان في جميع المجالات أي يمكنه تأدية أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها، ويعد تصميم هذا النوع من الذكاء أصعب بكثير من الذكاء الاصطناعي الضيق وإلى اليوم لم يصل إلى هذا المستوى بعد.
الذكاء الاصطناعي الفائق: وهو فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريبًا بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية.
أهداف الذكاء الاصطناعي:
الهدف من الذكاء الاصطناعي هو إنشاء أنظمة ذاتية التعلم تستخلص المعاني من البيانات. فيُمكن للذكاء الاصطناعي تطبيق تلك المعرفة لحل المشكلات الجديدة بطرق تشبه الإنسان. على سبيل المثال، يُمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي الاستجابة بشكل هادف للمحادثات البشرية، وإنشاء صور ونصوص أصلية، واتخاذ القرارات بناءً على مُدخلات البيانات في الوقت الفعلي.
ويتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تقديم مجموعة من المزايا لمختلف القطاعات.
– التغلب على المشكلات المعقدة:
يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي استخدام تعلّم الآلة وشبكات التعليم العميق في حل المشكلات المعقدة بذكاء يشبه ذكاء العنصر البشري. ويمكن للذكاء الاصطناعي معالجة المعلومات على نطاق واسع، عن طريق مواجهة الأنماط وتحديد المعلومات وتقديم الإجابات
– زيادة كفاءة الأعمال:
على عكس العناصر البشرية، يُمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بدون أن تنخفض معدلات الأداء. بعبارة أخرى، يمكن للذكاء الاصطناعي أداء المهام اليدوية بلا أخطاء.
– اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً:
يُمكن للذكاء الاصطناعي استخدام تعلّم الآلة في تحليل كميات كبيرة من البيانات بشكل أسرع من أي عنصر بشري. فيُمكن لمنصات الذكاء الاصطناعي تحديد الاتجاهات وتحليل البيانات وتقديم التوجيه من خلال التنبؤ بالبيانات، يساعد الذكاء الاصطناعي في اقتراح أفضل مسار للعمل في المستقبل.
– أتمتة عمليات الأعمال:
يُمكن تدريب الذكاء الاصطناعي باستخدام تعلّم الآلة حتى يتسنى له تنفيذ المهام بدقة وبسرعة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الكفاءة التشغيلية من خلال أتمتة أجزاء العمل التي يعاني الموظفون في تنفيذها أو يجدونها مملةً. وبالمثل، يُمكن استخدام أتمتة الذكاء الاصطناعي لتحرير موارد الموظفين لإجراء عمل أكثر تعقيدًا وإبداعًا.
وتضمن الذكاء الاصطناعي مجموعةً كبيرةً من الاستخدامات. على الرغم من أنها ليست قائمةً شاملةً:
– معالجة المستندات بذكاء:
تقوم المعالجة الذكية للمستند (IDP) بترجمة تنسيقات المستندات غير المهيكلة إلى بيانات قابلة للاستخدام. على سبيل المثال، تحوّل مستندات الأعمال مثل رسائل البريد الإلكتروني والصور وملفات PDF إلى معلومات مهيكلة. تستخدم المعالجة الذكية للمستند (IDP) تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP) والتعليم العميق ورؤية الكمبيوتر لاستخراج البيانات وتصنيفها والتحقق من صحتها.
– مراقبة أداء التطبيقات:
مراقبة أداء التطبيقات (APM) هي عملية استخدام أدوات برمجية وبيانات قياس عن بُعد لمراقبة أداء التطبيقات المهمة للأعمال. وتستخدم أدوات مراقبة أداء التطبيقات (APM) المستندة إلى الذكاء الاصطناعي البيانات التاريخية للتنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها. وتحافظ هذه الإستراتيجية على تشغيل التطبيقات بفعالية وتعالج العقبات.
– الصيانة التنبؤية:
الصيانة التنبؤية المحسّنة بالذكاء الاصطناعي هي عملية استخدام كميات كبيرة من البيانات في كشف المشكلات التي قد تؤدي إلى تعطل العمليات أو الأنظمة أو الخدمات. و الصيانة التنبؤية تسمح للشركات بمعالجة المشكلات المحتملة قبل حدوثها، ما يقلل من وقت التعطل ويمنع الاضطرابات.
– الأبحاث الطبية:
تستخدم الأبحاث الطبية الذكاء الاصطناعي لتبسيط العمليات وأتمتة المهام المتكررة ومعالجة كميات هائلة من البيانات. وُيمكن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الأبحاث الطبية لتيسير عملية اكتشاف الأدوية وتطويرها من البداية حتى النهاية، ونسخ السجلات الطبية، وتحسين وقت الوصول إلى السوق بالنسبة للمنتجات الجديدة.
– تحليلات الأعمال:
تستخدم تحليلات الأعمال الذكاء الاصطناعي في جمع مجموعات البيانات المعقدة ومعالجتها وتحليلها. ويُمكن استخدام تحليلات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالقيم المستقبلية، وفهم السبب الجذري للبيانات، وتقليل العمليات التي تستغرق وقتًا طويلاً.
بعض مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي:
القطاع الصناعي:
في قطاع التصنيع، تعمل الروبوتات الآلية مع الأشخاص لأداء مهام مختلفة، مثل التجميع، وفحص المعدات للتأكد من أن الجهاز يعمل بشكل جيد، حيث تتيح إضافة الذكاء الاصطناعي إلى الروبوتات التعاونية نشرها بشكل أسرع ومراقبة مساحات العمل الخاصة بهم لتغير الظروف والتكيف معها. وفيما يتعلق بالروبوتات الصناعية بشكل عام يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين دقة الروبوت وموثوقيته، بالإضافة إلى تمكين أشكال أكثر تقدماً من التنقل.
ولعل الأهم من ذلك كله أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دوراً رئيسياً في تقليل جهود البرمجة والهندسة المطلوبة لإنشاء وتنفيذ الأتمتة الصناعية. وتتنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعة من أبسطها إلى أعقدها خاصةً في ظل ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة··، حيث يكون للحاسوب دور كبير في تطور الصناعات المختلفة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي كان موجوداً باعتباره تخصصاً أكاديمياً وعلمياً منذ عقد الخمسينيات في القرن العشرين – كما ذكرنا سابقاً -، إلا أنه اكتسب الكثير من الزخم في السنوات القليلة الماضية.
– القطاع الصحي:
تعتبر الرعاية الصحية، سواء في المستشفيات أو العيادات، سلسلة معقدة ومتعدّدة الأوجه. من العمليات الداخلية مثل الموارد البشرية، إلى التعامل مع مطالبات التأمين لأخذ بيانات المريض من موفري الخدمات الآخرين. ودائماً ما تتدفق البيانات للداخل والخارج لعمليات الرعاية الصحية. ومنذ عقود مضت كان هناك الكثير من الصفحات الورقية والمكالمات الهاتفية. والآن، اندمجت في رسائل البريد الإلكتروني والملفات، وكذلك في قواعد البيانات السحابية والتطبيقات المخصصة.
وقد أدى استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الرعاية الصحية إلى إنشاء عدد من ميزات إدارة البيانات. ومن خلال تطبيق هذه الأدوات على البيانات في الوقت الفعلي، يمكن إنشاء التقارير والقياسات الخاصة باستخدام الموارد تلقائياً، مما يوفر الكثير من وقت العمليات ووقت التفاعل. كما أن النمذجة التنبؤية على كلا النطاقين الجزئي والكلي تضمن أيضاً توازناً أفضل في استخدام الموارد، فضلاً عن تحديد الحالات والمواسم عندما تحتاج المؤسسات إلى زيادة حجمها ومواردها. ومع النمذجة التنبؤية المستندة إلى البيانات، يمكن للمؤسسات التخطيط للمستقبل، وضمان حصول مجتمعاتها على رعاية أفضل.
– القطاع التعليمي:
تتيح الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي إمكانية الوصول إلى التعلّم لجميع الطلاب في أيّ وقت وفي أي مكان. ليتعلّم كل طالب وفقاً لمتطلباته الخاصة، ويسهل الوصول على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع على الطلاب استكشاف ما يناسبهم دون انتظار معلم. لكن هذا لا ينفي وجود إشكالات للذكاء الاصطناعي في مجال التعليم مثل أنّه قد يلغي الحاجة إلى التدريس وجهاً لوجه، حيث يمكن للمتعلمين اكتساب المعرفة بشكلٍ مستقل عن الزمان والمكان. ونتيجة لهذا التعلم المستقل فقد يكتسب التلاميذ المعرفة من المنزل وبالتالي يتم فقد الاتصالات الشخصية والمدرسية، وهو ما يؤدي إلى إهمال الاتصالات والعلاقات الاجتماعية والعزلة وبالتالي غياب الشعور الجمعي والتضامن في أوساط المجتمع على المدى البعيد مما يفقد الإنسان إنسانيته باعتباره كائناً اجتماعياً.
– القطاع الإعلامي:
في حال أردنا أن نتعمق أكثر في عالم المهام والتطبيقات التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي في الإعلام سنجد الكثير والكثير منها. ومن أبرز تلك التطبيقات:
– إمكانية التعلم الآلي مما يسمح بتنفيذ المهام المختلفة بشكل أسرع وأسهل مرة بعد مرة. فعلى سبيل المثال، تستخدم Bloomberg تقنية Cyborg لتحليل القصص المالية الصعبة بسرعة.
– الوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها، حيث يمكن للإعلاميين أن يقوموا بزيارة أماكن لا يمكنهم أن يقوموا بزيارتها بأنفسهم. على سبيل المثال، يمكن للأجهزة الذكية أن تمكنك من زيارة الأماكن الخطيرة وميادين الحروب لتغطية الأخبار هناك بسهولة.
إمكانية توليد ومعالجة اللغة الطبيعية (الحية) أي توليد نصوص مشابهة بشكل كبير للنصوص التي نقوم نحن كبشر بكتابتها. فضلاً عن ذلك، يمكن لهذه الآليات أيضاً أن تقوم بقراءة وفهم المحتوى المكتوب من قبل البشر بسهولة. ونذكر وكالة الصحافة “أسوشيتد برس” التي تستخدم المهارات اللغوية آلياً لتجميع 3700 تقرير إيرادات سنوية – ما يقرب من أربعة أضعاف ما كان عليه مؤخراً.
– القدرة على التلخيص التلقائي من خلال تلخيص الأفكار المفتاحية المهمة من بين مجموعة كبيرة من المعلومات والبيانات بسهولة.
– تنقيب البيانات واستخراجها وتدقيقها، بالإضافة إلى القيام بتدقيق مراجع هذه المعلومات وتدقيقها لغوياً ونحوياً أيضاً.
وتعتبر تقنية الذكاء الاصطناعي كغيرها من التقنيات الأخرى سلاحاً ذو حدين. فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة والتسهيلات الكبيرة التي يمكن أن تقدمها هذه التقنية في مجال الإعلام، لا يمكننا أن نقول بأنها تعتبر تقنية مثالية وخالية من الأخطاء. ولكن الأمر الأكيد هو أن الذكاء الاصطناعي وعملية استخدامه في الإعلام لا يزال في مرحلة تطور مستمر.
– قطاع خدمة الزبائن:
يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير طريقة العمل بشكل أساسي في العديد من الصناعات المختلفة. وشكلت خدمة العملاء جزءاً من هذه القطاعات لسنوات عديدة، حيث كانت في البيع بالتجزئة أو التمويل أو التصنيع أو القانون. ويعتقد الخبراء أنه في السنوات القادمة، قد نصل إلى نقطة سيكون من المستحيل فيها التمييز بين العامل البشري وعامل الذكاء الاصطناعي. وقد أصبحت الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل CommBox معياراً لإدارة مركز الاتصال حيث تتطلع الشركات إلى تبسيط العمليات. إنها تتيح للبشر أن يتم دعمهم بالتكنولوجيا بطريقة فعالة، من حيث التكلفة، وتعزز أفضل تجربة ممكنة للعملاء. وأظهرت التطبيقات المبكرة للذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء قدرتها على تقليل التكاليف، وتحسين الاحتفاظ بالموظفين وولائهم، وزيادة الإيرادات وزيادة رضا العملاء. وبالنظر إلى كل هذه الفوائد المذهلة، يبدو أن الاعتماد الكامل للتكنولوجيا على مستوى الصناعة أمر لا مفر منه. ويجب أن نعترف ونقر أن قطاع خدمة العملاء يمر بفترة تغيير متسارع نحو الأفضل بفضل هذه التقنية.
– قطاع التجارة الإلكترونية:
إنّ العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية تعدّ وثيقة جداً، لأن الأخيرة أصبحت اليوم تنمو بسرعة قياسية مع تطور البرمجيات والمواقع الإلكترونية. وتتعدد التقنيات المتداخلة في عمليات البيع والشراء أونلاين والدفع الإلكتروني، وذلك من خلال التنبؤ بسلوك المستخدم ليمنحك ملف شامل عن السلوك الشرائي للعميل ويقدم توقعات على أسس علمية، للمنتجات التي يهتم بها العميل بناءً على الاطلاع على تاريخه الشرائي السابق وتاريخ تصفحه وأكثر ما يبحث عنه وذلك بفضل ملفات تعريف الارتباط كوكيز cookies من أجل تطبيق إعادة الاستهداف. بالإضافة إلى ميزة جمع وتحليل البيانات تلقائياً حيث تعتبر من أهم النقاط في العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية من خلال إتاحة جمع بيانات العملاء المُحتملين والجمهور المستهدف، لبناء حملات إعلانية ناجحة لاحقاً. فتطبيقات الحملات الإعلانية سواء على فيس بوك أو إنستغرام أو جوجل تتعلم من الحملات الإعلانية السابقة وتحاول سد الثغرات والأخطاء التي حصلت وتدارك النقائص وتغيير استراتيجية الحملة وفهم أفضل للجمهور المستهدف وتحديث البيانات تلقائياً.
– آثار ومخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية:
للذكاء الاصطناعي فوائد جمّة وأهمية بالغة في الحياة البشرية لا يمكن إنكارها. لكن هذا الأمر لا ينفي وجود مجموعة من المخاطر على مستقبل السلوك الإنساني جراء الاستخدام المتزايد لمفرزاته في شتى مجالات الحياة. ولذا يرى فريق من الخبراء أن الوقت قد حان لأن يتدخل مفكرو علم الاجتماع وعلم الأخلاق وفلاسفته لضبط هذا الأمر. وفيما يلي مجموعة من الآثار والمخاطر لاستخدام الذكاء الاصطناعي:
– انتهاك الخصوصية:
تعتبر الخصوصية حق من حقوق الإنسان، فخرق الخصوصية للفرد والمجتمع، باستغلال قدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسبب ضرراً شخصياً واجتماعياً دون وعي لحجم الكارثة التي تحيط بنا. ففي معظم الأوقات نكشف عن غير قصد عن بياناتنا الخاصة مثل العمر، والموقع، والتفضيلات وما إلى ذلك. وتقوم شركات التتبّع بجمع هذه البيانات، وتحليلها ثم توظيفها لتخصيص تجربتنا عبر الإنترنت، كما يمكن لشركات التتبّع بيع بياناتنا الخاصة إلى مؤسسات وكيانات أخرى دون علمنا أو موافقتنا، حيث بات من السهل جداً معرفة جميع اهتمامات وأنشطة المستخدمين من محادثاتهم أثناء الجلوس في المنزل، أو البحث عن منتج لزيارة مطعم وما شابه ذلك. وإلى جانب هذا الكشف اللا واعي عن البيانات الشخصية، هناك نوع من البيانات التي نقوم بتحميلها بأنفسنا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم نقل هذه البيانات إلى أجهزة الحواسيب السحابية التي عززت بشكلٍ كبيرٍ احتمال تتبع هذه المعلومات الشخصية ومعالجتها، ثم بيعها للذي يدفع أكثر.
كما يمكن للتقنيات الجديدة، مثل بصمة الوجه التعرف على جميع الأشخاص في التجمعات الكبيرة، وجمع البيانات حيث تستطيع معرفة أنشطتك اليومية وميولك النفسية والاجتماعية والسياسية من خلال تصفح مواقع الويب على الانترنت. وفي سياق متصل، تعمل الصين حالياً على تطوير نظام ائتمان اجتماعي يجبر الذكاء الاصطناعي على منح جميع المواطنين الصينيين نقاطاً بناءً على سلوكهم. قد يكون ذلك من خلال: عدم دفع القروض، أو الوقوف في أماكن غير مصرح بها، أو التدخين في أماكن لغير المدخنين، أو اللعب بصوت عالٍ في القطارات، وما إلى ذلك، أو في وسائل النقل، أو المعايير الاجتماعية.
– تطوير أسلحة مستقلة:
تُعتبر الأسلحة المستقلة أو الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، المعروفة باسم ” الروبوتات القاتلة”، الثورة الثالثة في مجال الحروب بعد البارود والأسلحة النووية. وهذه الأسلحة عبارة عن روبوتات عسكرية وطائرات بدون طيار (طائرات الدرون) يمكنها دراسة الأهداف وتنفيذ مهامها بشكل مستقل وفقاً لتعليمات مبرمجة مسبقاً. كما تسعى الدول المتقدمة تقنياً في العالم إلى تطوير تلك الروبوتات لاستخدامها في حروبها ومنازعاتها السياسية. وتشير الدراسات المستقبلية إلى أن الحروب في السنوات القادمة لن يكون فيها الإنسان العامل الحاسم في حدوثها، بل إن استخدام الأسلحة المستقلة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا يحدث إذا فشل هذا السلاح في التمييز بين الهدف والرجل البريء؟
– فقدان الوظائف البشرية:
مع نمو وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات، سيتولى بالتأكيد العمل الذي يقوم به العمال والموظفين. ووفقاً لتقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي، من المحتمل أن تفقد قطاعات العمل حوالي 800 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030. ومردّ ذلك إلى أن الروبوتات لا تحتاج إلى الحصول على رواتب أو التأمين الصحي والاجتماعي، لذلك سيحصد أباطرة الذكاء الاصطناعي في العالم كل الأموال، مما قد يوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ـ- “إرهاب” الذكاء الاصطناعي:
وينحصر ذلك في احتمالات التسبّب في أضرار غير متعمدة للمدنيين، حيث يمكن للطائرات بدون طيار المستخدمة في الهجمات المميتة والمركبات المستقلة إطلاق القنابل أو الطلقات التي يمكنها اكتشاف الحركة دون تدخل بشري. وتُعد طائرة التشغيل الذاتي (بدون طيار)، أحد الأسلحة ذاتية التشغيل التي بُرمِجت للطيران إلى منطقة معينة للبحث عن أهداف محددة، ومن ثم تدميرها باستخدام رأس حربي شديد الانفجار عن طريق خاصية تسمى “أطلق وانس” (Fire & Forget)، حيث يمكن لسربٍ من الطائرات المسيرة بحجم الطيور البحث عن شخص معين وقتله. ولأن هذه الطائرات صغيرة جداً، وتتمتع بخفة وذكاء، فلا يمكن القبض عليها أو إيقافها أو تدميرها بسهولة. كما أن المشكلة الأعمق هي قدرة الهواة المتمرسين على صناعة هذه الطائرات بسهولة، وبتكلفة أقل من ألف دولار، وذلك لأن جميع أجزاء الطائرة أصبحت الآن متاحة للشراء عبر الإنترنت. وما نتحدث عنه ليس خطراً مستبعداً قد يحدث في المستقبل، وإنما هو في حقيقة الأمر خطر واضح يهددنا استقرارنا في الوقت الحالي.
– احتمالية تحليل البيانات بشكلٍ خاطئ:
كما نعلم فإنّ للذكاء الاصطناعي دور مهم في تحليل البيانات، ويعود الفضل في ذلك إلى نماذج التدريب التي طُورت لكي تُعلم الحواسيب كيف تكتشف نمطاً معيناً وسط مجموعة ضخمة من البيانات. لكن عندما يتعلم الجهاز إنجاز تلك المهمة، فإنه يوضع قيد العمل لتحليل مزيدٍ من البيانات الجديدة التي لم يعمل عليها قبل ذلك. وعندما يعطينا الحاسوب إجابة معينة، فلن نكون قادرين في العادة على معرفة كيفية وصوله إلى تلك الإجابة أو الاستنتاج على وجه التحديد. وهنا تظهر بعض المشكلات الجلية. إذ تقاس جودة أي جهاز أو نظام إلكتروني بجودة البيانات التي تُقدَّم له ليتعلم منها. لكن هناك تجربة مختلفة يمكن أن نتعلم منها درساً مهماً. فقد كان هناك نظام إلكتروني في أحد المستشفيات يعمل بشكلٍ آلي بهدف تحديد المرضى المصابين بمرض الالتهاب الرئوي ليعرف مَنْ منهم في حالة خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة، حتى يتم إدخاله إلى المستشفى بصورة عاجلة. لكن ذلك النظام الآلي جاء بنتيجة مختلفة تماماً، إذ صنف المصابين بمرض الربو على أنهم أقل عرضة للموت، ولا يحتاجون لتلقي العلاج بصورة عاجلة. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه في المواقف العادية، ينقل المصابون بمرض الالتهاب الرئوي ويُعرف من التاريخ المرضي أنهم يعانون أيضاً من الربو مباشرةً إلى قسم العناية المركزة. وبذلك يحصلون على العلاج الذي يقلل بشكل كبير من مخاطر الوفاة. لكن الجهاز استنتج من ذلك أن المصابين بالربو ويعانون في نفس الوقت من الالتهاب الرئوي هم أشخاص أقل عرضة للموت.
وبما أن أجهزة الذكاء الاصطناعي تُصمم لتقييم أمور كثيرة في حياتنا، بداية من تصنيفك الائتماني، إلى جدارتك لشغل وظيفة ما، وحتى احتمالات عودة بعض المجرمين لارتكاب جرائم معينة، فإن مخاطر وقوع هذه الأجهزة في خطأٍ في بعض الأحيان ودون علمنا بذلك، يزيد الوضع سوءاً. ونظراً لأن الكثير من المعطيات التي نغذي بها أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست كاملة أو شاملة، لا ينبغي علينا أن نتوقع منها إجابات أو استنتاجات مثالية في جميع الأوقات. وبالتالي، إدراك هذه الحقيقة يمثل الخطوة الأولى في التعامل مع مثل هذه الأخطار.
خلاصة القول، إنّ العالم يشهد طفرات في العديد من المجالات بمساعدة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى فهم أفضل لكيفية تطور هذه التقنية، لما لها من تأثير عميق على الفرد والمجتمع، ومخاطرها لا تقل أهمية عن فوائدها. لذا يجب علينا مناقشة المبادئ والمشكلات المتضاربة والحلول الحقيقية ومقدار الوضوح المطلوب في حلول الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. وفي النهاية، نعتقد أن السلبيات الكارثية الناتجة عن سوء استخدام وتوظيف الذكاء الصناعي يُلقى على عاتق البشر بالمقام الأول، وبالأخص مع غياب الحامل الأخلاقي إذا تم استخدامها بطرق غير شرعية لتحقيق مكاسب غير أخلاقية، فسلب حياة الإنسان وحريته وخصوصيته هو أمر بغيض ومرفوض أخلاقياً وإنسانياً وقانونياً.