
بقلم: الدكتور جابر غنيمي
المساعد الاول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمهدية
مدرس جامعي
المقدمة:
يعود أصل لفظة الدبلوماسية إلى اللغة اليونانية، فهي مشتقة من كلمة «دبلوما» ومعناها الوثيقة أو الشهادة التي تطوى على نفسها والتي كان يصدرها حاكم البلاد وتخول لحاملها امتيازات خاصة. و يمكن تعريف الدبلوماسية بأنها علم وفن تمثيل الدول والتفاوض وإدارة العلاقات الدولية بالوسائل السلمية.
وقد شهدت الدبلوماسية تطورات وتحولات كثيرة بتطور الحضارات وحاجتها للتعارف والسلم وحل الخلافات وتجنب الحروب، فظهر نظام السفراء والأشكال المتنوعة للمعاهدات وطرق إبرامها وآليات العمل الدبلوماسي.
وشرعت الدول في وضع قواعد العمل الدبلوماسي وسياستها الخارجية عبر الاتفاقيات الدولية، و كان أهمها مؤتمر فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1815 الذي أرسى الضوابط الأولى للدبلوماسية الحديثة. وتعد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18 افريل 1961 المرجع الأساسي للعلاقات الديبلوماسية، وقد تمخض عنها ما يعرف بالقانون الدبلوماسي الذي نص على مجموعة من وظائف الدبلوماسية التقليدية المتمثلة في التفاوض والتمثيل وجمع المعلومات وإعداد التقارير وحماية المصالح والرعايا.
وفضلًا عن الديبلوماسية الحكومية الرسمية التي تمارسها الاجهزة الرسمية المتخصصة ، و هي رئيس الدولة و رئيس الحكومة و وزيرا لخارجية و المبعوثين الدبلوماسيين الدائمين، فهناك الدبلوماسية البرلمانية، والدبلوماسية الشعبية.
وجاء مفهوم الدبلوماسية البرلمانية مع مجيء البرلمانيين الذين احتاجوا إلى اللقاء مع نظرائهم المنتخبين من الشعوب الأخرى للتشاور. وهناك العديد من المحاولات لتعريف الدبلوماسية البرلمانية. وعلى اعتبار أنَّ مفهوم الدبلوماسية البرلمانية قد برز حديثاً، فلا وجود إلى الآن لتعريف ثابت ومستقر حوله. و يمكن تعريف الدبلوماسية البرلمانية بأنَّها نمط الدبلوماسية التي تمارسها البرلمانات المختلفة خارج نطاق الدولة، وتتفاعل من خلالها مع مختلف القضايا الدولية والتي تؤثر بدورها على الصعيد الوطني . ويُرجع البعض ظهور الدبلوماسية البرلمانية لشيوع نظام التعددية السياسية وانتشار الأفكار الديمقراطية القائمة على توسيع قاعدة المشاركة السياسية وحرية الصحافة وقيام المجتمع المدني باتحاداته ونقاباته المهنية والإبداعية. كما أن تتطور العلاقات الدولية وزيادة عدد الشعوب والدول بعد الحرب العالمية الثانية وتعقد وتداخل القضايا بعضها ببعض السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، دعت إلى حاجة ملحة لإلتقاء الشعوب من أجل التفاهم والتقارب والتعاون، وهذا الإلتقاء تم عن طريق البرلمانات التي تمثل في الأساس هذه الشعوب.
و قد بدأت المرحلة الاولى من الديبلوماسية البرلمانية بنهاية القرن التاسع عشر، واستمرت حتى مطلع الثمانينات في القرن الماضي. ولقد شهدت هذه المرحلة العديد من مشاهد وفصول العولمة، وتجسدت هذه المتغيرات في ظهور عدد من المنظمات الدولية التي نمت فيها بذور الدبلوماسية البرلمانية. وكان من ابرز تلك المنظمات الإتحاد البرلماني الدولي الذي خرج الى الوجود خلال عام 1889 باعتباره أول منظمة دولية للتفاوض التعددي من نوعها. ولحقت بالمنظمة عدة مؤتمرات دولية شكلت إرهاصات للحدث الابرز في تاريخ الدبلوماسية الدولية ألا وهو مؤتمر فرساي وولادة النظام الدولي الذي تبلور في نشأة عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى. وتم في هذه المؤتمرات نقلة قسط لا يستهان به من النشاطات المتعلقة بالعلاقات الدولية من حيز الدبلوماسية الثنائية أو ما تعرف بالدبلوماسية الرسمية إلى حيّز الدبلوماسية التعددية او الديبلوماسية البرلمانية. ومع منتصف الثمانينات من القرن العشرين تجدد الاهتمام بتعزيز دور البرلمانات على الصعيدين الإقليمي والدولي. وعلى مدى السنوات الأخيرة عرفت الممارسة الدبلوماسية البرلمانية ازدهارا كبيرا سواء على الصعيد الوطني من خلال تبادل الزيارات بين المجالس البرلمانية وإنشاء لجان الصداقة، أو من طبيعة المواضيع التي تتصدر جداول أعمالها، وأيضا في مستوى المحافل الدولية بالعديد من المجالات السياسية والمنتديات التنموية. ومن أبرز مظاهر ازدهار هذه الممارسة ارتفاع أعضاء الاتحاد البرلماني الدولي إلى 146 بلدا وتشكيل ثلاثين مجلسا برلمانيا دوليا، وإقامة الجمعية العامة للأمم المتحدة جسرا مع البرلمانات الوطنية بدعوة وفد برلماني عن كل دولة عضو للمشاركة في كل جلسة علنية للجمعية، بالإضافة إلى أن هناك تسريب لفكرة البعد البرلماني في هيئة الأمم المتحدة أي تعزيز هذه المنظمة بجناح برلماني . وتتخذ الدبلوماسية البرلمانية شكلين أساسيين، يتمثل الأول في دبلوماسية برلمانية ثنائية وتتجسد في تبادل الزيارات والبعثات الثنائية بين مختلف برلمانات العالم التي لا تقتصر مهمتها على لقاء البرلمانيين بل تلتقي أيضا مع المسؤولين الحكوميين وأحيانا مع الفاعلين المدنيين. أما النوع الثاني فيأخذ طابع دبلوماسية برلمانية جماعية تمارس على صعيد المنظمات والاتحادات البرلمانية الدولية والاقليمية التي تشكل أهم قنوات تفعيل الدبلوماسية البرلمانية. و من أبرز الإشكاليات التي تعرض لها مفهوم الدبلوماسية البرلمانية أن هناك من يعتبر الدبلوماسية الرسمية هي الصوت الوحيد للتعبير عن آراء أي بلد على الساحة الدولية، بينما يؤكد رأي آخر عدم وجود تعارض بين الدبلوماسية الرسمية مع الدبلوماسية البرلمانية لأن الدبلوماسية البرلمانية رسمية أيضا، إذ لا يمكنها أن تعبر عن مواقف غير معترف بها على الصعيد الدولي، وهناك آراء كثيرة تمنح الدبلوماسية البرلمانية أهمية خاصة على الصعيد الدولي بصفتها محركا ومكملا لإدارة الشؤون الدولية والعلاقات بين الدول وإكسابها شيئا من الخصوصية، وتؤكد مثل هذه الآراء أنه لا يمكن للدبلوماسية الرسمية والبرلمان التعارض في المواقف أو تجاهل الآراء أو التنافس في الأهداف والمصالح، فيما يرى آخرون أن البرلمانيين مهما عرف عنهم لباقتهم في تقديم الحجج والإقناع فهذا لا يسمح بإنزالهم منزلة السلك الدبلوماسي. ومن الإشكاليات الأخرى في إطار نفس الموضوع أن البرلمان قد يكون مكونا من نواب ينتمون الى احزاب يختلفون في الاتجاهات الفكرية و الايديولوجية ، ومن ثمة تختلف المواقف المعبر عنها من بعض القضايا الدولية، ويكون أثر ذلك واضحا في عدم إمكانية تسويق موقف سياسي محدد من مسألة دولية معينة على المستوى العالمي، فالقيود الحزبية المفترضة على النواب والمؤسسة على عقيدة الحزب ومذهبه السياسي هي ما ستضع الممارسة الفعلية للدبلوماسية البرلمانية في أكثر من موقف حرج بسبب عدم الانسجام والتوافق في الرأي. و قد ظهر ذلك جليا في موقف الاحزاب في تونس من الصراع الدائر حاليا في ليبيا. و دراسة موضوع الديبلوماسية البرلمانية يقتضي تحديد مميزاتها و آلياتها ( الجزء الاول) و اهدافها و ضوابطها ( الجزء الثاني)
الجزء الاول: مميزات و آليات الدبلوماسية البرلمانية: تكتسي الديبلوماسية البرلمانية جملة من المميزات ( الفقرة الاولى) و تقوم على جملة من الآليات ( الفقرة الثانية)
الفقرة الاولى: مميزات الديبلوماسية البرلمانية تتميز الدبلوماسية البرلمانية بعدة خصائص رئيسية وأهمها ما يلــي : 1ـ التعدديـة، وهي تلك التي ترمز إلى عدد المشاركين في الدبلوماسية البرلمانية، وتعدد وتداخل القضايا المدرجة في جدول الأعمال وبرنامج العمل، فعدد المشاركين يعني تعدد المصالح وتداخلها، وتضاربها أحيانا . 2ـ العلانيــة، وهي صفة متلازمة مع النشاط البرلماني الدبلوماسي، إذ غالبا ما تسبقه أو تصاحبه بيانات إعلامية واسعة تتسم بقدر كبير من الإثارة التي قد يغلب عليها الطابع الإيديولوجي، والعلنية من أساليب التعاملات العصرية وترتبط بأهمية إعلام الرأي العام بضرورة تقبل الحلول التوافقية في تسوية القضايا الدولية. ومع ذلك قد تتخذ الدبلوماسية البرلمانية أسلوبا آخرا يتمثل في الجمع بين المناقشات العامة العلنية والمفاوضات الخاصة الجانبية التي يطلق عليها اصطلاحا ” دبلوماسية الكواليس ” أو ” الدبلوماسية الهادئة ” التي يجمع بينها التفاعل المستمر في أسلوب التفاوض .
الفقرة الثانية: آليات الديبلوماسية البرلمانية تعتبر المنظمات او الاتحادات البرلمانية والشعبة البرلمانية ولجان او جمعيات الصداقة من أبرز آليات عمل الدبلوماسية البرلمانية وأكثرها فاعلية وحيوية في المشاركات الخارجية، 1- المنظمات البرلمانية: بإلقاء نظرة على التطور الذي لحق بالمنظمات البرلمانية المحلية والإقليمية والدولية تتأكد حقيقة تزايد أهمية العمل الدبلوماسي البرلماني. و تعتبر منظمة الاتحاد البرلماني الدولي التي أنشئت عام 1899 أول مؤتمر برلماني للتحكيم الدولي، وكان عدد الأعضاء حينها لا يتجاوز عشرة أعضاء بينما يضم الاتحاد اليوم حوالي 143 برلماناً لدول ذات سيادة. يعتبر هدف الاتحاد البرلماني الدولي الأساسي هو المساعدة في تحكيم النزاعات، بالإضافة إلى أن للاتحاد البرلماني الدولي وضع استشاري من الفئة الأولى مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، كما أنه يقيم علاقات وثيقة مع منظمة العمل الدولية واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية. وله صلات رسمية مع الوكالات المتخصصة الأخرى للأمم المتحدة. وبذلك تعتبر الدبلوماسية البرلمانية مصدر للدفع بالمزيد من الفاعلية للسياسة الخارجية للدول ولنشاط المنظمات الدولية والإقليمية الحكومية وغير الحكومية في تكريس التعاون لتحقيق الأمن والسلم الدوليين والدفاع عن حقوق الإنسان والعديد من الملفات والقضايا التي تمس المصلحة الدولية المشتركة. ويعتبر الاتحاد البرلماني الدولي أهم المنظمات الدولية الحكومية التي تمارس الدبلوماسية البرلمانية وذلك للمكانة التي يحضى بها على المستوى الدولي ولدى منظمة الأمم المتحدة، إلا أنَّ هناك العديد من المنظمات البرلمانية الأخرى والتي تمارس نفس عمل الاتحاد البرلماني الدولي ولكن بتأثير أقل وفي نطاق أضيق، منها على سبيل المثال: الاتحاد البرلماني العربي، والاتحاد البرلماني الأفريقي، والبرلمان الأوروبي، وبرلمان عموم أفريقيا، واتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها… 2- الشعبة البرلمانية: تعرف الشعبة البرلمانية بأنها الجهاز المعني بالدور السياسي للبرلمانات، والذي يتمثل أساساً في مجالات عمل الدبلوماسية البرلمانية. وتمثل الشعبة البرلمانية الدولة في مجالس ومؤتمرات الاتحادات والهيئات البرلمانية الإقليمية والدولية وغيرها من المنظمات البرلمانية الدولية. ومهما اختلفت مسميات هذا الجهاز في برلمانات العالم المختلفة إلا أنَّ جمعيها يتشارك بكونه الجهاز المعني بعمل الدبلوماسية البرلمانية. وتعمل الشعب البرلمانية على مستوى فردي.
3- جمعيات او لجان الصداقة البرلمانية: من آليات عمل الدبلوماسية البرلمانية والتي تتم على مستوى ثنائي ما يعرف بجمعيات او لجان الصداقة البرلمانية. وتعرِّف اللجان البرلمانية بأنَّها عبارة عن اتفاقيات أو برتوكولات تعاون يوقعها كل برلمان مع برلمان آخر، ويُشكل لهذه الجمعيات أعضاء من كل برلمان يتم تغييرهم عقب كل انتخابات برلمانية، وغالباً ما يكون هؤلاء الأعضاء هم المنوط بهم إجراء المقابلات والمحادثات مع نظرائهم من البرلمانين ممن تشملهم تلك الجمعيات. وتتكون هذه اللجان بهدف تقوية علاقة برلمان دولة ما مع أخرى وتوثيق روابط التعاون في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية وغيرها، وتبادل وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية بين البلدين وتبادل الخبرات والمعلومات والزيارات، بالإضافة إلى تناول أهم القضايا الإقليمية والدولية التي تهم كلا الطرفين. كما أنَّ من اختصاص لجان الصداقة تنظيم منتديات برلمانية مشتركة مثل مؤتمرات أو ندوات أو حلقات نقاشية أو ورش عمل، في موضوعات برلمانية ذات اهتمام مشترك بين لجان الصداقة المختلفة . ويمكن أن يكون للجمعيات البرلمانية أسس إما جغرافية مثل الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والجمعية البرلمانية الأورو متوسطية الحاملة لحوار سياسي بين البرلمانيين الممثلين للدول المتوسطية المشاركة في مسار برشلونة والبرلمانات الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي بخصوص المساهمة في التفكير حول أسس إنشاء الاتحاد من اجل المتوسط، والجمعية البرلمانية للكومنولث ومجلس الشورى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي …، وإما أسس خاصة بالموضوع مثل الجمعية البرلمانية لمنظمة حلف الشمال الأطلسي بالنسبة لقضايا الأمن والدفاع، والجمعية البرلمانية الفرانكفونية بالنسبة لقضايا تطوير اللغة الفرنسية. الجزء الثاني: اهداف و ضوابط الدبلوماسية البرلمانية تسعى الديبلوماسية البرلمانية الى تحقيق جملة من الاهداف ( الفقرة الاولى) و لكن يبقى عملها محدد بضوابط ( الفقرة الثاني) الفقرة الاولى: اهداف الدبلوماسية البرلمانية يرجع بروز الدبلوماسية البرلمانية إلى أربع عوامل: 1- التحولات التي شهدها النظام الدولي الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة وما نتج عن انهيار الإتحاد السوفياتي وهيمنة المبادئ والقيم الغربية أهمها صعود نجم البرلمانات كمؤشر للديمقراطية والتنمية. 2- صعود المجتمع المدني العالمي وإعتبار الإتحادات الدولية البرلمانية أحد ركائز هذا المجتمع الدولي والتي تعمل برلمانات الشعوب من خلاله على العمل والتبادل المشترك. 3- تزايد المشكلات والصراعات الدولية التي حتمت على الدول نتيجة تعقد النظام والبيئة الدولية إلى إستخدام الدبلوماسية البرلمانية كأداة للسياسة الخارجية بإعتبارها أكثر مرونة وقدرة على التواصل مع الأطراف في الأزمات. 4- التطور التكنولوجي ووسائل الإتصال وأثره في تسهيل عمل الدبلوماسية بشكل عام وعمل الدبلوماسية البرلمانية وإمكانية الإتصال مع برلمانات العالم المختلفة بشكل خاص. وبصفة عامة يمكن القول أن الدبلوماسية البرلمانية قد برزت كحاجة ملحة لواقع متسارع ومختلف تماماً عن العالم قبل مئة عام، واقع أصبح في ظل العولمة متداخل سياسياً ومترابط اقتصادياً وتجارياً، لتفرض نفسها – الدبلوماسية البرلمانية – كعامل من عوامل التقريب بين وجهات النظر بين مختلف شعوب العالم، وتسهيل التعاون المتبادل بين هذه الشعوب التي تتزايد بينها المصالح المشتركة يوماً بعد يوم. وتتمثل أهم وظائف الدبلوماسية البرلمانية في ربط التعاون بين البرلمانات الوطنية لحل بعض القضايا الدولية، والمساهمة في حل النزاعات الدولية عبر تشكيل لجان للوساطة وتقريب وجهات نظر الأطراف المتصارعة، ودفاع البرلمانات الوطنية على قضايا بلدانها وشرح مواقف حكوماتها من القضايا المطروحة…
ورغم هذه الأهمية التي صارت تكتسيها الدبلوماسية البرلمانية في تنمية التعاون الدولي، إلا أن عقلنة العمل البرلماني في مختلف الأنظمة السياسية قيد إلى حد كبير من المساهمة الفاعلة للدبلوماسية البرلمانية في إدارة العلاقات الدولية المعاصرة. فباستثناء الولايات المتحدة الأمريكية حيث يمارس “الكونغرس” لاسيما مجلس الشيوخ سلطات واسعة واختصاصات هامة في مجال الشؤون الخارجية، فإن أغلب البرلمانات في العالم يعتريها ضعف كبير إزاء الصلاحيات الواسعة التي تحظى بها السلطة التنفيذية، خاصة فيما يخص التشريع في المجال الدبلوماسي ومراقبة النشاط الدولي للحكومة، ونادرا ما تكون قضايا السياسة الخارجية سببا لمساءلة الحكومة قصد سحب الثقة منها، وحتى إن كانت هناك رقابة برلمانية أحيانا في هذا المجال فإنها تكون لاحقة تنصب على الفعل بعد اتخاذه.
الفقرة الثانية : ضوابط الديبلوماسية البرلمانية
ينص الفصل 77 من الدستور التونسي على انه ” يتولى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة، ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة”، و عليه فان رئيس الجمهورية هو الذي يحدد و يضبط السياسة الخارجية للدولة. ان رئيس الدولة هو رمز السلطة في الدولة طبق ما ورد بالفصل 72 من الدستور الذي ينص على ان” رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”، و هو الذي يمثلها باعتبارها وحدة سياسة سواء في الداخل أو في الخارج، فعلى الصعيد الداخلي هو المسؤول عن توجيه السياسة الخارجية للدولة، و تعيين المبعوثين الدبلوماسيين و توقيع اوراق اعتمادهم واستقبال المبعوثين الأجانب عند تقديم اوراق اعتمادهم أو عند انتهاء مهامهم… أما على الصعيد الخارجي فتتمحور أهم المهام الموكولة لرئيس الدولة هي حضور جميع المؤتمرات الدولية التي تتم على أعلى المستويات أو ما يسمى بدبلوماسية القمة، توقيع المعاهدات وضمان تنفيذها، إعلان الحرب و السلم، والمشاركة في حل النزاعات الدولية … و من هنا يتعين ان تكون الديبلوماسية البرلمانية محددة بضوابط دستورية، مكملة للديبلوماسية الحكومية الرسمية متماهية معها، لا متعارضة معها، فالتمثيل الديبلوماسي الرسمي و ضبط السياسة الخارجية هي من صميم الإختصاص الحصري و المطلق لرئيس الجمهورية، و الموقف الرسمي الخارجي يقتضي وجود سياسة واحدة لا سياسات متناقضة تعكس صورة سيئة عن السياسة الخارجية لتونس، و عن صراع بين رئيس الدولة و البرلمان.
الخاتمة: اصبحت الدبلوماسية البرلمانية إحدى الوسائل الأساسية التي تلجأ إليها الدول لمنح دور أكثرَ فعالية للبرلمان في السياسة الخارجية، من خلال العمل الجماعي المفتوح في المنظمات الدولية والإقليمية، ومن خلال الأنشطة البرلمانية الدولية من مؤتمرات وملتقيات وتبادل للوفود بين مختلف برلمانات العالم، لكن في تناغم و انسجام تام مع السياسة الخارجية للدولة التي تحددها الديبلوماسية الحكومية الرسمية.