مقالات قانونية

الخصوصيات الإجرائية في مجال الجريمة الديوانية

إعداد: جابر غنيمي
دكتور في القانون
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد

حفاظا على امن و بنية النظام الاقتصادي و الأمن الوطني، وحماية للبضائع والمنتجات الوطنية، وضمانا لاستخلاص المعاليم و الأداءات عن البضائع المستوردة و المصدرة، ولكل منافسة قد تضر بالاقتصاد الوطني، ومنعا للبضائع المحظور التعامل فيها، و مراقبة التجارة الخارجية و الصرف و حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة، سنت تشريعات تتناول التجريم في الميدان الديواني.
و في تونس اصطبغ القانون الديواني بالتبعية الاقتصادية للسلطات الأجنبية المهيمنة على الساحة الدولية منذ القرن 13 .
و قد برزت ملامح هذه التبعية مع اتفاق 1270 م و الذي جمع الملك الفرنسي فيليب الثالث و ملك سيسيليا شارل انجو و أمير المؤمنين محمود أبو عبد الله ملك البلاد التونسية، و أسس لضمان التبادل التجاري لكل رعايا البلدان المذكورة مهما كانت ديانتهم.
و في سنة 1628 ابرم نابليون اتفاقية سلام بالجزائر تخص ضمان عبور البضائع من بلدان حوض البحر الابيض المتوسط مع تخفيض المعاليم و هو ما اسس لاتفاقية 30 اوت 1685 بين تونس و فرنسا و بلدان الضفة الشمالية للبحر الابيض المتوسط حيث كانت تونس بحاجة الى توريد المواد الاساسية و كانت تسعى لان تكون حلقة وضل بين افريقيا و اوروبا.
و في سنة 1742 امضى الوزير خزندار اتفاقية مع فرنسا لاستئثارها بامتيازات على كاب نيقرو و بقية الموانئ التونسية.
ثم جاءت اتفاقية 15 نوفمبر 1824 لتؤكد الامتيازات المخولة للفرنسيين بالمملكة التونسية و ذلك باعفائهم من دفع العديد من المعاليم خاصة المتعلقة بالارساء و الافراغ للبضائع بالموانئ التونسية كما خفضت المعاليم الديوانية الموظفة على البضائع الموردة من فرنسا. و قد منح هذا الاتفاق امتيازات جبائية و ديوانية ساعدت فرنسا على بسط هيمنتها الاقتصادية و هو ما مهد الى ابرام عقد الحماية.
و في 2 ماي 1898 اصدر الباي امرا عليا يتعلق بوضع اطار قانوني ديواني للمبادلات التجارية خاصة بين تونس و فرنسا و الذي اقر مبدا المعاملة بالمثل و رتب اجراءات العبور الوقتي و وضع الاطار القانوني للاداء على الاستهلاك بالنسبة للسكر و الكحول.
و اسوة بالمشرع الفرنسي تم اصدار مجلة قمرقية موحدة بمقتضى الامر العلي المؤرخ في 29 ديسمبر 1955.
و ظلت هذه المجلة محافظة على توجهاتها و خطوطها الكبرى و لم تعرف تغييرات منذ سنها خصوصا على مستوى احكامها الزجرية باستثناء بعض التنقيحات الطفيفة.
و نظرا لعدم ملائمة احكام هذه المجلة مع الوضع الاقتصادي العالمي الجديد تم الغاء احكام الأمر العلي المؤرخ في 29 ديسمبر 1955 واصدار مجلة جديدة للديوانة بمقتضى القانون عدد 34 لسنة 2008 المؤرخ في 2 جوان 2008.
ولم تعرف مجلة الديوانة، الجريمة الديوانية.
و قد استقر الفقه على تعريف الجريمة الديوانية بأنها كل مخالفة للقانون الديواني المتمثل في جملة من القواعد القانونية و التراتيب التي تنظم مسالة التصدير و التوريد للبضائع و الأشياء القابلة بطبيعتها أو بحكم القانون للتصدير المالي و للتعامل فيها و الداخلة للتراب الديواني أو الخارجة منه.{ عرف الفصل 1 م د التراب الديواني ” يشمل التراب الديواني التونسي الأراضي القارية التونسية و مياهها الداخلية و الإقليمية و الجزر الطبيعية التونسية و ما يحيط بهذه الجزر من مياه داخلية و إقليمية و الجزر الاصطناعية و المنشآت و التركيبات المقامة في المنطقة الاقتصادية الخالصة أو الجرف القاري و كذلك الفضاء الجوي للبلاد التونسية}.
عرف المشرع الجزائري ضمن الفصل 240 مكرر من قانون الجمارك الجزائري المخالفة الجمركية بأنها” كل خرق للقوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها و التي ينص هذا القانون على قمعها”.
عرف المشرع المغربي ضمن الفصل 204 من مدونة الجمارك المغربية الجنحة او المخالفة الجمركية بأنها” عمل أو امتناع مخالف للقوانين و الأنظمة الجمركية و معاقب عليها بمقتضى هذه النصوص”.
وعرفت المادة 1 من قانون الجمارك الليبي لسنة 2010 المخالفة الجمركية ” كل فعل أو امتناع عن فعل مخالف لأحكام هذا القانون و اللوائح و القرارات الصادرة استنادا إليه“.
و الجرائم الديوانية ذات طابع خاص تخضع لأحكام و إجراءات خاصة تخالف إلى حد كبير المبادئ و القواعد العامة التي تخضع لها جرائم القانون العام.
و بقراءة لمجال الجريمة الديوانية نتبين أنها تتميز بخصوصية إجرائية سواء على مستوى الشروط الشكلية للمحاضر الديوانية { الجزء الأول} و إثارة الدعوى العمومية و ممارستها و سقوطها { الجزء الثاني}و عبئ الإثبات و حجية المحاضر الديوانية { الجزء الثالث}.
الجزء الأول: خصوصية على مستوى الشروط الشكلية للمحاضر الديوانية:
تتميز الجريمة الديوانية بخصوصية على مستوى الأشخاص المؤهلين لمعاينة الجريمة الديوانية { الفقرة الأولى} و التنصيصات الواردة بالمحاضر الديوانية { الفقرة الثانية}
الفقرة الأولى: خصوصية على مستوى الأشخاص المؤهلين لمعاينة الجريمة الديوانية
بقراءة لأحكام مجلة الديوانة نلاحظ انه تم التوسيع من قائمة الأشخاص المؤهلين لمعاينة الجريمة الديوانية{ أ} و تم اسناد أعوان الديوانة سلطات واسعة{ ب}

أ- التوسيع من قائمة الأشخاص المؤهلين لمعاينة الجريمة الديوانية:
نص الفصل 301 م د على ان الجريمة الديوانية تتم معاينتها من قبل الأشخاص الأتي ذكرهم:
أعوان الديوانة
أعوان الغابات
الأعوان الذين لهم صفة الضابطة العدلية بموجب أحكام الفصل 10 م ا ج { محافظو الشرطة و ضباطها و رؤساء مراكزها و ضباط الحرس الوطني و ضباط صفه و رؤساء مراكزه}
أعوان الشرطة و أعوان الحرس الوطني و أفراد الجيش الوطني الذين من مشمولاتهم حراسة الحدود برا و بحرا و جوا.
آثار عدم اختصاص محرر المحضر؟
يعد المحضر الديواني باطلا إذا لم يكن محررا من طرف الأعوان المؤهلين لذلك و المشار إليهم بالفصل 301 م د.
و البطلان هو بطلان مطلق.
ب- اسناد أعوان الديوانة سلطات واسعة:
منحت مجلة الديوانة سلطات كبيرة لأعوان الديوانة تتمثل في حق تفتيش البضائع و وسائل النقل و الأشخاص {1} و حق الإطلاع { 2} ومراقبة الإرساليات البريدية { 3}و مراقبة هوية الأشخاص {4}.
حق تفتيش البضائع و وسائل النقل و الأشخاص:
نص الفصل 56 م د على انه يمكن لأعوان الديوانة في إطار البحث على جريمة ديوانية إجراء تفتيش على البضائع و وسائل النقل و الأشخاص.
تفتيش الأشخاص: يقع تفتيش الأشخاص في محلات مخصصة للغرض يتم داخلها إجراء التفتيش الجسدي للأشخاص عند وجود ما يدعو إلى الشك بأنهم يخفون بأجسادهم بضائع.
و يمكن لأعوان الديوانة عند وجود دلالات جدية عن حمل الشخص مواد ممنوعة مخبأة داخل جسده إخضاعه لفحوص طبية للكشف عنها و ذلك بعد الحصول على موافقته الصريحة.
و في حالة رفضه لهذا الفحص يقع تقديم مطلب في الترخيص في إجراء الفحص الطبي لوكيل الجمهورية الذي يعين الطبيب المختص المكلف بإجرائها .
و يجب تضمين نتائج الفحص الطبي و ملاحظات الشخص و سير الإجراءات بمحضر يحال إلى وكيل الجمهورية{ الفصل 56 فقرة 2 م د}.
تفتيش وسائل النقل: يحب على كل سائق وسيلة نقل أن يمتثل لأوامر أعوان الديوانة. و في صورة عدم الامتثال يمكن لهم استعمال جميع المعدات الملائمة قصد إيقاف وسائل النقل { الفصل 57 م د}.
و يمكن لأعوان الديوانة تفتيش جميع البواخر الموجودة بالمنطقة البحرية من النطاق الديواني { النطاق الديواني هو المنطقة الموجودة بين الحدود البرية او البحرية و ذلك على امتداد مسافة بين 20 و 30 كلم و تكون فيها إجراءات نقل و مسك البضائع خاضعة لإجراءات خاصة { الفصل 44 م د}}، و التي تقل حمولتها الصافية عن 100 طن حجمي { الفصل 58 م د}.
و يمكن لأعوان الديوانة الصعود على السفن الراسية بالموانئ أو المرافئ و البقاء على متنها إلى حين إفراغها أو خروجها من الموانئ.
و يجب على قادة السفن تمكين أعوان الديوانة من القيام بعملية التفتيش وان يفتحوا لهم المنافذ و الغرف و الخزائن و الطرود أن طلبوا منهم ذلك. و في صورة الامتناع عن ذلك يمكن لأعوان الديوانة أن يطلبوا من وكيل الجمهورية المختص ترابيا حضور احد أعضاء النيابة العمومية عملية فتح المنافذ و الغرف و الخزائن و الطرود . كما يمكنهم طلب مساعدة احد أعوان الضابطة العدلية على ذلك.
و يحرر محضر في فتح ما ذكر و في المعاينات. و يمكن للأعوان إغلاق المنافذ عند غروب الشمس و لا يمن إعادة فتحها من جديد إلا بحضورهم {الفصل 59 م د }.
و يمكن لأعوان الديوانة تفتيش المنشآت و المعدات المنتصبة بالجرف القاري او بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في اي وقت، كما يمكنهم تفتيش وسائل النقل التي تستعمل في البحث عن الموارد الطبيعية أو في استغلالها و التي يحتويها الجرف القاري { والذي يُعرف بأنه الامتداد الطبيعي لليابسة داخل البحار والمحيطات، وبالنسبة للدولة الساحلية فإنّه يُمثّل قاع وباطن أرض المساحات المغمورة الخاصة بها، والتي تمتد إلى ما وراء البحر الإقليمي، وللدولة الساحلية بالطبع حقوق سيادية على جرفها القاري، ولها الحق في الاستفادة من موارده الطبيعية كالنفط والغاز وغيرها. وقد ورد في المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1958 أنّ الجرف القاري هو: «مناطق قاع البحر وما تحته من طبقات مُتصلة بالشاطئ، تمتد خارج البحر الإقليمي إلى عمق 200 متر أو إلى ما يتعدى هذا الحد إلى حيث يسمح عمق المياه باستغلال الموارد الطبيعية لهذه المنطقة»، وحدّدت اتفاقية جامايكا عام 1982 الامتداد القاري لأي دولة بمسافة 200 ميل بحري من خط الأساس التي يقاس منه عرض البحر الإقليمي }، و المنطقة الاقتصادية الخالصة { المنطقة الاقتصادية الخالصة، والذي يأتي ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، هي منطقة بحرية تمارس عليها دولة حقوقاً خاصة في الاستغلال واستخدام مواردها البحرية. و تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري مقيسة من خطوط الأساس الذي يبدأ منها قياس البحر الإقليمي}، و ذلك داخل منطقة سلامة تحيط بها و كذلك بالمنطقة البحرية من النطاق الديواني { الفصل 60 م د }.
تفتيش المحلات: يمكن لأعوان الديوانة القيام بزيارات و تفتيش المحلات التي يمكن أن توجد بها البضائع و الوثائق المتعلقة بجرائم التهريب عند توفر قرائن بوجودها و ذلك وفقا لأحكام م ا ج و بعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية المختص ترابيا. { الفصل 61 م د}.
حق الإطلاع الخاص بأعوان الديوانة: يمكن لأعوان الديوانة الذين لهم صفة الضابطة العدلية في نطاق وظائفهم الإطلاع على جميع الدفاتر و الوثائق و المستندات المتعلقة بالعمليات التي تخص مجال عملهم مهما كان نوعها و ذلك: بمحطات السكك الحديدية و بمحلات شركات الملاحة البحرية و لدى مجهزي السفن و أمناء الحمولة و أمناء السفن و الوسطاء البحريين و بمحلات شركات الملاحة الجوية و بمحلات شركات النقل البري و بمحلات الوكالات بما فيها وكالات النقل السريع و لدى وسطاء الديوانة و وكلاء العبور و لدى مستغلي المستودعات و المخازن البحرية و المخازن العامة و مخازن و مساحات التسريح الديواني و مخازن و مساحات التصدير و لدى المرسل إليهم او المرسلين الحقيقيين للبضائع المصرح بها لدى الديوانة و بصفة عامة لدى كل الأشخاص الطبيعيين و المعنويين المعنيين بصفة مباشرة أو غير مباشرة بعمليات منتظمة أو غير منتظمة داخلة في مشمولات نظر إدارة الديوانة.
و إذا كانت الوثائق و المستندات و الدفاتر منجزة بالوسائل الإعلامية فعلى الأشخاص المعنيين مد أعوان الديوانة بالبرامج و التطبيقات و المنظومات الإعلامية و كذلك المعلومات و المعطيات اللازمة لاستغلال هذه البرمجيات مسجلة على حوامل إعلامية.
و يجوز لأعوان الديوانة أثناء عمليات المراقية و الأبحاث التي تجرى لدى الاشخاص أو الشركات حجز الوثائق على اختلاف أنواعها و التي من شانها ان تسهل لهم انجاز مهماتهم مع وجوب تمكين هؤلاء الأشخاص او الشركات من قائمة في الوثائق التي تم حجزها { الفصل 62 م د}.
مراقبة الإرساليات البريدية: خول الفصل 63 م د لأعوان الديوانة الحق في الدخول إلى مكاتب البريد القارة و المتجولة و قاعات الفرز التي لها اتصال مع الخارج قصد البحث بحضور أعوان البريد عن الإرساليات المغلقة او غير المغلقة الواردة من الداخل أو الخارج و التي تحتوي أو يبدو أنها تحتوي على بضائع محجرة عند التوريد أو الخاضع لدفع معاليم أو اداءات عند التوريد أو الخاضع لقيود او موجبات عند الدخول او من النوع المحجر عند التصدير او الخاضع لدفع معاليم و اداءات عند التصدير أو الخاضع لقيود او موجبات عند الخروج و ذلك باستثناء الإرساليات الواردة تحت نظام العبور.
مراقبة هوية الأشخاص: مكن الفصل 64 م د أعوان الديوانة مراقبة هوية الأشخاص الذين يدخلون إلى التراب الديواني او يخرجون منه أو الذين يتنقلون داخل النطاق الديواني.
الفقرة الثانية: خصوصية على مستوى التنصيصات الواردة بالمحاضر الديوانية
تعتبر المحاضر الديوانية الأداة الرئيسية التي بواسطتها تثبت الجريمة الديوانية .
و البحث عن الجريمة الديوانية يتم عن طريق إجراء الحجز و التحقيق.
و يسمى المحضر في حالة الحجز بمحضر الحجز {أ} و في حالة التحقيق بمحضر المعاينة {ب}.
أ- التنصيصات الواردة بمحضر الحجز:
هو عبارة عن وثيقة أو محرر مكتوب تحرر أثناء البحث عن الغش الديواني و الجرائم الديوانية، و ينصب أصلا على محل أو موضوع الغش او التهريب الديواني، يحرره أعوان الديوانة أو الأعوان الآخرين المؤهلين لمعاينة الجرائم الديوانية الوارد ذكرهم بالفصل 301 م د من اجل إثبات وقائع مادية تشكل سلوكا اجراميا.
و محضر الحجز عادة ما يحرر في حالة جرائم ديوانية متلبس بها أو حجز وسائل الغش او البضائع ، و لكن لا يشترط كذلك أن تحجز الأشياء محل الجريمة بل يكفي أن يتم تحرير المحضر وفقا للشروط القانونية.
و يقتضي تحرير محضر الحجز وجود تنصيصات معينة نصت عليها أحكام الفصلين 303 و 305 م د.
وتنقسم إلى تنصيصات عامة {1} و تنصيصات خاصة { 2}.
النصيصات العامة:
يجب أن ينص محضر الحجز وجوبا على البيانات التالية:
سبب الحجز و تاريخ و مكان وقوعه و إعلام ذي الشبهة بذلك
هوية ذي الشبهة إذا كان معلوما
أسماء و صفات و مقر الأعوان الذين تولوا الحجز
صفة و مقر المكلف بالتتبعات
طبيعة الأشياء المحجوزة و عددها او وزنها
حضور ذي الشبهة عند وصف تلك الأشياء او التنبيه عليه لحضور تلك العملية
اسم و صفة حارس الاشياء المحجوزة
مكان تحرير المحضر و ساعة ختمه
اسم و صفة و مقر العون الذي تولى تحرير محضر الحجز إذا تعذر على من تولى الحجز القيام بذلك
إمضاء ذي الشبهة اذا كان حاضرا – بعد قراءة محضر الحجز عليه و الترجمة عند الاقتضاء- و في صورة امتناعه عن الإمضاء فانه يقع التنصيص على ذلك، و في صورة غيابه يجب التنصيص على ذلك و يتم تعليق نسخة من محضر الحجز خلال 24 ساعة الموالية لتحريره بمقر مكتب او فرقة الديوانة او مقر القباضة المالية الذي حرر به المحضر.
امضاء المحضر من قبل الاعوان الذين تولوا الحجز و من قبل العون الذي تولى تحريره.
التنصيصات الخاصة:
نصت مجلة الديوانة على شكليات خاصة ببعض الحالات:
الحجز بسبب تدليس و افتعال وثائق:
التنصيص و التوضيح ضمن محضر الحجز على ان سبب الحجز هو تدليس الوثائق اللازمة لنقل البضائع او افتعالها.
إمضاء الوثائق المدلسة او المفتعلة و ختمها بكيفية تحول دون تغييرها من قبل الأعوان الحاجزون { الفصل 306 م د}.
الحجز بمحلات السكنى:
يقع تفتيش محلات السكنى طبق أحكام م ا ج و بعد الحصول على اذن من وكيل الجمهورية المختص ترابيا.
الحجز على المراكب و السفن ذات السطوح:
التنصيص على عدد و علامات و أرقام الحزم و الصناديق و الدنان و غيرها من وسائل اللف الأخرى { الفصل 308 م د}.
الحجز خارج النطاق الديواني:
النطاق الديواني هو المنطقة الموجودة بين الحدود البرية أو البحرية و ذلك على امتداد مسافة بين 20 و 30 كلم و تكون فيها إجراءات نقل و مسك البضائع خاضعة لإجراءات خاصة { الفصل 44 م د}.
في صورة إجراء الحجز اثر الملاحقة بالنظر فان المحضر يتضمن وجوبا:
البضائع الخاضعة لجواز مرور: التنصيص على ان البضائع وقعت ملاحقتها دون انقطاع منذ تجاوزها الحد الداخلي للنطاق الديواني الى حين حجزها و انها لم تكن مرفقة بالوثائق اللازمة لنقلها بالنطاق الديواني { منطقة خاصة للمراقبة تقع على طول الحدود البرية و البحرية يخضع لرقابة ديوانية خاصة} .
البضائع الأخرى: التنصيص على أن البضائع وقعت ملاحقتها دون انقطاع منذ اجتيازها الحدود إلى حين حجزها.{ الفصل 309 م د }.
ب- التصيصات الواردة بمحضر المعاينة:
يقصد بمحضر المعاينة المحضر الذي يتضمن نتائج المراقبات و الاستجوابات و التحريات و التحقيقات التي يجريها أعوان الديوانة في إطار البحث عن الجرائم الديوانية غير المتلبس بها.
يجب ان ينص محضر المعاينة وفق الفصل 311 فقرة 2 م د على البيانات التالية:
تاريخ و مكان المراقبة و الأبحاث التي تم القيام بها
طبيعة المعاينات المجراة و المعلومات المتحصل عليها
حجز الوثائق عند الاقتضاء
هوية الأعوان المحررين و صفتهم و إقامتهم الإدارية
اعلام الاشخاص الذين اجريت لديهم عمليات المراقبة و الابحاث بتاريخ و مكان تحرير المحضر و انه وقعت دعوتهم لحضور ذلك
تلاوة المحضر على من حضر منهم و مطالبتهم بامضائه و في صورة امتناعهم عن الامضاء فانه يقع التنصيص على ذلك بمحضر المعاينة .
أثار الإخلال بالشروط الشكلية لمحضري الحجز و المعاينة ؟
نص الفصل 314 م د ” تبطل محاضر الحجز عند الإخلال بأحد الموجبات الشكلية التالية:
سبب الحجز و تاريخ و مكان وقوعه و وصف البضائع المحجوزة
هوية ذي الشبهة اذا كان معلوما
هوية الأعوان الذين تولوا الحجز”.
تبطل محاضر المعاينة عند الإخلال بأحد الموجبات الشكلية المنصوص عليها بالفقرة 2 من الفصل 311 من هذه المجلة”.
نلاحظ ان هناك تمييز بين الشروط الجوهرية التي يترتب على عدم مراعاتها البطلان و بين الشكليات البسيطة التي لا يترتب عنها أي اثر.
ما هو نوع البطلان؟ مطلق ام نسبي؟
البطلان قد يكون مطلقا او قد يكون نسبيا بحسب ما كان المساس بالشكليات جوهريا ام لا.

الجزء الثاني: خصوصية على مستوى إثارة الدعوى العمومية و ممارستها و سقوطها
تتميز الجرائم الديوانية بخصوصية على مستوى إثارة الدعوى العمومية { الفقرة الأولى} وممارستها { الفقرة الثانية} و سقوطها { الفقرة الثالثة}.
الفقرة الأولى: خصوصية على مستوى إثارة الدعوى العمومية
الدعوى العمومية هي وسيلة المجتمع لتوقيع العقاب على الجاني تمارسها باسمها النيابة العمومية.
ينص الفصل الأول من مجلة الإجراءات الجزائية على أنه :”يترتب على كل جريمة دعوى عمومية تهدف إلى تطبيق العقوبات”.
وقد جاء بالفصل 2 م إ ج أن إثارة الدعوى العمومية و ممارستها من خصائص الحكام والموظفين الذين أناطها القانون بعهدتهم.
وما نلاحظه هو أن المشرع التونسي لم يحدد ما المقصود بالإثارة بل إكتفى بتحديد الأطراف التي تثير الدعوى العمومية.
ويمكن القول بأن إثارة الدعوى العمومية هي العمل القانوني الذي يضع النزاع بين يدي السلط القضائية المختصة للفصل فيها وإصدار الأحكام في الجريمة موضوع التتبع أو طلب إجراء الأبحاث الهادفة إلى الوصول إلى الحقيقة في ارتكاب الجريمة.
فكل جريمة ترتب دعوى عمومية الهدف منها تطبيق العقوبات، وهذه الدعوى لا تنطلق بصفة فعلية حقيقية إلاّ بإثارة الدعوى العمومية أي تحريكها من مرحلة السكون إلى مرحلة تصبح فيها قائمة الذات يتعهدها هيكل قضائي مختص.
فإثارة الدعوى العمومية هو الإجراء المبدئي الذي ينطلق به التتبع الجزائي للكشف عن مرتكب الجريمة. و هو بمعني أخر هو طرح القضية وعرضها على القضاء.
اما ممارسة الدعوى العمومية فتعني مجموع الأعمال الإجرائية التي يقع القيام بها بعد الإثارة والتي تحتكرها النيابة العمومية أو الإدارة دون المتضرر، وهي تتمثل في جميع الأعمال الإجرائية من تقديم الطلبات والدفوعات و تحرير المستندات و تقديم الطعون التي يكون الغاية منها إصدار حكم بات في القضية.
فعلى مستوى المبدأ العام فقد انصرفت إرادة المشرع صريحة إلى تخصيص النيابة العمومية بحق إثارة الدعوى العمومية و ممارستها، فقد نص الفصل 20 م ا ج على أن” النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية و تمارسها”.
و على ” على سائر السلط و الموظفين العموميين ان يخبروا وكيل الجمهورية بما اتصل بعلمهم من الجرائم اثناء مباشرة وظائفهم و أن ينهو اليه جميع الارشادات و المحاضر و الاوراق المتعلقة به…” {الفصل 29 م ا ج}.
و لوكيل الجمهورية ان ” يجتهد في تقرير مآل الشكايات و الاعلامات التي يتلقاها او التي تنهى اليه” { الفصل 30 م ا ج }.
اما بالنسبة للجريمة الديوانية فقد جاء بالفصل 318 م د مغايرا للمبدأ العام حيث نص على انه “يتولى وزير المالية أو من فوّض له وزير المالية في ذلك ممن له صفة مدير إدارة مركزية أو جهوية للديوانة إثارة الدعوى العمومية…”.
من خلال هذا الفصل وضع المشرع حدا للجدل الفقهي الذي آثاره الفصل 221 قديم الذي كان ينصص على” أن الدعوى التي تقوم بها نيابة الحق العام و الدعوى التي تقوم بها إدارة القمارق يسقط الحق بالمطالبة في شأنهما بعد مرور ثلاثة أيام”. وهو ما أدّى بالفقهاء إلى الإقرار بازدواجية إثارة الدعوى العمومية الديوانية التي هي ملك لكل من النيابة العمومية و الإدارة على حد السواء .
فالفصل 318 جديد م د تجاوز إشكال أساسي يتمثل في تحديد من له الحق في إثارة الدعوى العمومية هل هي النيابة العمومية أم إدارة الديوانة، حيث جعل المشرع من إدارة الديوانة الجهاز المخول له وحده إثارة الدعوى العمومية، وأقصى النيابة العمومية كجهاز مكلف بتمثيل الهيئة الاجتماعية وإثارة الدعوى العمومية وممارستها، بل أصبحت النيابة العمومية ملزمة بمد إدارة الديوانة بكل المعلومات التي تتحصل عليها والتي تفترض وجود مخالفة ديوانية، وذلك خلافا للمبدأ العام الذي يوجب على سائر الإدارات والموظفين إعلام وكيل الجمهورية بكل ما يبلغ لهم من علم بالجرائم، وهو ما يؤكده صياغة الفصل 319 مجلة الديوانة الذي جاء فيه “تحيل النيابة العمومية على الإدارة كل المعلومات التي تتحصل عليها والتي تفترض وجود مخالفة ديوانية أو آية مناورة ترمي أو ينتج عنها مخالفة القوانين و التراتيب التي لها صلة بتطبيق مجلة الديوانة وذلك بمناسبة النظر في قضايا مدنية أو تجارية أو بحث جزائي ولو انتهى ذلك بعدم سماع الدعوى”.
فهذا الفصل يتضمن صورة مغايرة لما ألفناه في القواعد الإجرائية التقليدية، إذ أن المبدأ الإجرائي العام يقتضي بأن يقرر وكيل الجمهورية مآل الشكايات والاعلامات التي يحصل له العلم بها حيث أن واجب الإعلام يكون محمول على أعوان الضابطة العدلية و المواطنين، لكن في صورة الحال تصبح النيابة العمومية هي المكلفة بإعلام إدارة الديوانة بكل معلومة من شأنها أن تؤدي إلى خرق أحكام مجلة الديوانة وذلك بمناسبة النظر في قضايا مدنية أو تجارية أو بحث جزائي ولو انتهى بعدم سماع الدعوى. فالنيابة العمومية لا تتولى إثارة الدعوى العمومية بل تحيلها على إدارة الديوانة التي تقرر جدوى التتبع و تتولي هي إثارتها إذا ما قررت ذلك.
يمكن استعراض تجارب بعض الدول في مجال تحريك الدعوى الديوانية و ممارستها:

  • المغرب: – الجنح الجمركية تتم اثارتها من النيابة العمومية او وزير المالية او مدير الادارة او احد ممثليه. اما – المخالفات الجمركية تتم اثارتها فقط من وزير المالية او مدير الادارة او احد ممثليه المؤهلين لذلك و تم اقضاء النيابة العمومية من ذلك.
    نص الفصل 249 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة الراجعة لادارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ” أ- في حالة ارتكاب جنحة من الجنح الجمركية المنصوص عليها و المحددة في الفصلين 279 المكرر مرتين و 281 بعده يتولى تحريك الدعوى العمومية النيابة العامة او الوزير المكلف بالمالية او مدير الادارة او احد ممثليه المؤهلين لذلك.
    ب- لا يمكن في حالة ارتكاب المخالفات الجمركية المنصوص عليها و المحددة في الفصول 285 و 294 و 297 و 299 بعده تحريك الدعوى العمومية الا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية او مدير الادارة او احد ممثليه المؤهلين لذلك”.
  • فرنسا: يترتب عن الجريمة الديوانية دعوى عمومية تهدف الى تطبيق العقوبات تمارسها النيابة العمومية و دعوى جبائية تهدف الى تطبيق الجزاءات الجزائية تمارسها إدارة الديوانة.
    Article 343 du code des douanes ;1- l’action pour l’application des peines est exercée par le ministre public.
    2- l’action pour l’application des sanctions fiscales est exercée par l’administration des douanes ;le ministre public peut l’exercer accessoirement a l’action publique.
  • الجزائر: يترتب عن الجريمة الديوانية دعويين احدهما عمومية لتطبيق العقوبات تمارسها النيابة العمومية و الاخرى جبائية لتطبيق الجزاءات الجبائية تمارسها ادارة الجمارك.
    نص الفصل 259 من قانون الجمارك الجزائري ” 1- تمارس النيابة الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات 2- تمارس ادارة الجمارك الدعوى الجبائية لتطبيق الجزاءات الجبائية.
    و يجوز للنيابة العامة ان تمارس الدعوى الجبائية باتبعية للدعوى العمومية .
    تكون ادارة الجمارك طرفا تلقائيا في جميع الدعاوى التي تحركها النيابة العامة و لصالحها”.
  • الاردن: تتميز الاردن بوجود جهاز النيابة العامة الجمركية و المحاكم الجمركية. و لا يمكن للنيابة العامة الجمركية اثارة الدعوى العمومية و ملاحقة مرتكب جريمة التهرب الجمركي الحقيقي او الحكمي الا اذا طلب منها ذلك خطيا مدير عام دائرة الجمارك و من يمثله قانونا.
    نصت المادة 211 من قانون الجمارك الاردني” لا يجوز تحريك الدعوى في جرائم التهريب الا بناء على طلب خطي من المدير او من يقوم مقامه عند غيابه”.
  • ليبيا: نصت المادة 210 من القانون الجمركي الليبي” لا يحوز رفع الدعوى الجنائية او اتخاذ أي اجراءات في جرائم التهريب و المخالفات التي ترتكب او يشتبه في ارتكابها ضد احكام هذا القانون و اللوائح الصادرة بمقتضاه الا بطلب كتابي من المدير العام او من يفوضه الامين في ذلك”.
     اما بخصوص ممارسة دعوى الجريمة الديوانية فيتولى وزير المالية أو المدير العام للديوانة بمقتضى تفويض من وزير المالية ممارسة دعوى الجريمة الديوانية من خلال الحق المخول لهم في استئناف و تعقيب الأحكام الصادرة ضد الديوانة حسب أحكام الفصل 317 فقرة2-3 م.د .
    و جاء في الفصل 340 م.د: ” تطبق القواعد المنظمة للطعن في التعقيب الجاري بها العمل في المادة المدنية أو في المادة الجزائية على القضايا الديوانية .”
    و من الجدير الاشارة كذلك انه من القواعد العامة ان التعقيب لا يوقف التنفيذ وفق احكام الفصل 265 م ا ج الذي ينص على ان ” الطعن بالتعقيب لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه الا في صورة الحكم بالاعدام او اذا كان الامر يتعلق بحكم قاض باتلاف حجة مرمية بالزور او بمحو اثارها او ببطلان زواج”}، الا ان مجلة الديوانة نصت على ان الطعن بالتعقيب يوقف تنفيذ الاحكام المطعون فيها اذا كان المحكوم لفائدته قدم كفالة مقبولة و كافية لضمان المبالغ المحكوم بها { الفصل 354 م د }.
    الفقرة الثانية: خصوصية على مستوى سقوط الدعوى العمومية
    تسقط الدعوى العمومية الخاصة بالجريمة الديوانية بالصلح {أ} أو بمرور الزمن {ب}
    أ- سقوط الدعوى العمومية بالصلح:
    نصّ الفصل 322 م د أنه “يجوز لإدارة الديوانة إبرام الصلح مع الأشخاص الواقع تتبعّهم من أجل مخالفات أو جنح ديوانية.”.
    و لقد عرّفت مجلة الالتزامات والعقود ضمن الفصل 1458 الصلح باعتباره “عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من مطالبه أو تسليم شيء من المال أو الحق”.
    وأجاز المشرّع للإدارة إجراء الصلح حسب منطوق الفصل 1461 م د، حيث أورد أنه” إذا تعلق الصلح بالدولة والإدارات البلدية والإدارات العامة لجمعية الأوقاف جرت عليه التراتيب الخاصة بتلك الإدارات”.
    فإجراء الصلح إذا يدخل ضمن السلطة التقديرية المطلقة لإدارة الديوانة ، فهو إمكانية تعرضها الإدارة على المخالف الذي لا يمكنه جبرها على إبرامه وإن توفرت الشروط الموضوعية لإجرائه.
    و تخضع مطالب الصلح لرأي لجنة مركزية أو لجان جهوية وذلك حسب طبيعة المخالفة أو الجنحة و مبلغ المعاليم و الأداءات المستوجبة ( الفصل 322 م.د}.
    و لقد نص الفصل 322 م.د على أنه يمكن ” يمكن إبرام الصلح قبل صدور الحكم النهائي و تنقضي الدعوى العمومية بموجب تنفيذ الصلح، إلا أن الصلح المبرم بعد صدور حكم نهائي لا يحول دون تنفيذ العقوبات البدنية “.
    اذن يمكن أن يبرم الصلح قبل رفع الدعوى أمام الجهاز القضائي أو أثناء سير الدعوى أمام القضاء.
    1- إبـرام الصلح قبل رفع الدعــوى أمام القضاء:
    يتم إبرام الصلح وفق النشرية العامة الواردة تحت عدد 90/265 بتاريخ 14 ديسمبر 1995 في المخالفات والجنح التالية:
  • كل إعلام بغير الواقع من جهة نوع أو قيمة أو أصل البضائع المورّدة أو المصدّرة أو الموضوعة تحت نظام توقيفي إذا كان هناك أداء جمركي أو أي معلوم كان قد وقع التفصيّ من خلاصه أو التفريط فيه بسبب الإعلام بغير الواقع المذكور.
     *التوريد أو التصدير لبضائع محجرة بدون إعلام وكذلك كل مخالفة لأحكام القوانين والتراتيب المكلفة بتطبيقها إدارة الديوانة إذا كان الخلل المذكور يتعلق ببضائع محجرة.
    إن المعايير المعتمدة من قبل إدارة الديوانة في تحديد مبالغ الخطايا الواجب دفعها من طرف المخالف إلى الخزينة العامة للدولة هي الوضعية المالية للمخالف وسوابقه. حيث تراعي الحالة الاجتماعية لمرتكب الجريمة الديوانية عند تحديد الخطية إضافة إلى التأكد من أهمية المبالغ المتفصّى منها لضمان حقوق الدولة.
    إن التثبت في جميع هذه العناصر هو ضمان مبدأ وحدة العقوبات بين مختلف السلطات المعنية قصد تجنب التنافر بين الجهات الإدارية.
    2- إبــرام الصلح أثناء سير الدعــوى أمام القضاء:
    في هذه الصورة نفرق بين حالتين: الصلح قبل صدور حكم بات و الصلح بعد صدور حكم بات.
  • الصلح قبل صدور حكم باتّ:
    يمكن ان تبرم إدارة الديوانة الصلح مع المخالف والنزاع مازال مرفوعا أمام الجهاز القضائي.
    إن الأثر المباشر للصلح الذي يتم قبل صدور حكم بات هو انقراض الدعوى العمومية، وهو ما أكده فقه القضاء التونسي في العديد من القرارات.
  • الصلح بعد صدور حكم باتّ:
    إن صدور حكم باتّ يعني اتصال القضاء في النزاع المعروض أمام القضاء، فحين يتم البتّ في المبالغ المالية تصبح متخلدة بذمة المحكوم ضدّه فتصبح بمثابة دين ممتاز راجع للخزينة العامة للدولة، ويكون المديرون الجهويون ورؤساء المكاتب مطالبون بالحرص على خلاص هذه المبالغ وذلك بمطالبة القابض بمضاعفة جهودهم من أجل خلاص هذه المبالغ المتخلدة بذمة القائم بالفعل الإجرامي.
    و يمكن ابرام الصلح حتى بعد صدور الحكم النهائي، و تنقضي به الدعوى الجبائية، و لكن لا يحول دون تنفيذ العقوبات البدنية.
    أما في ما يخص الجرائم المزدوجة أي صورة تكوين الفعل الواحد لجريمتين جريمة ديوانية وجريمة حق عام فإنه لا يجوز المصالحة باعتبار وأن الصلح حتى وإن تمّ في الجانب المتعلق بالجريمة الديوانية بالنسبة للمصالحة المالية، فإن الدعوى تبقى قائمة في جانبها المتعلق بالحق العام مثل جريمة تهريب المخدرات ومسك السلاح بدون رخصة أو مسك وتهريب عملة أجنبية مزيفة…
    ب- سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن:
    يرتب القانون على مضي مدة معينة على ارتكاب الجريمة دون اتخاذ إجراءات فيها سقوط الدعوى الجنائية بالتقادم لأن مضي مدة معينة على ارتكاب الجريمة يؤدى إلى نسيانها.
    لقد نص الفصل 323 من مجلة الديوانة على أنه  ״ تسقط الدعوى العمومية في المخالفات و الجنح الديوانية بمضي ثلاث سنوات و بنفس الشروط المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية״،. و لم يميز بين آجال سقوط المخالفات و الجرائم الديوانية، حيث وحد الآجال بخصوصهما {3 سنوات}، و الحال أن اجل سقوط الدعوى العمومية -بصفة عامة و المألوفة- بالنسبة للمخالفات هي عام.
    و بالرجوع إلى الفصل 5 م ا ج فانه ينص على ” تسقط الدعوى العمومية فيما عدا الصور الخاصة التي نص عليها القانون بمرور عشرة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جناية وبمرور ثلاثة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جنحة وبمرور عام كامل إذا كانت ناتجة عن مخالفة وذلك ابتداء من يوم وقوع الجريمة على شرط أن لا يقع في بحر تلك المدة أي عمل تحقيق أو تتبع.
    ومدة السقوط يعلقها كل مانع قانوني أو مادي يحول دون ممارسة الدعوى العمومية ما عدا الموانع المترتبة عن إرادة المتهم”.
    و تنطبق على الدعوى العمومية في الجرائم الديوانية نفس أسباب تعليق و قطع مدة التقادم في القانون العام.
    الجزء الثالث: خصوصية على مستوى عبئ الإثبات و حجية المحاضر الديوانية
    تتميز الجرائم الديوانية بخصوصية على مستوى عبئ إثباتها { الفقرة الأولى} و حجية المحاضر الديوانية { الفقرة الثانية}.
    الفقرة الأولى: خصوصية على مستوى عبئ الإثبات:
    الإثبات هو كل ما يؤدي إلى ظهور الحقيقة – وفي الدعاوى الجزائية هو كل ما يؤدي إلى ثبوت إجرام المتهم ، و يترتب عن ذلك أثار قانونية و إقناع القاضي بصحة الواقعة او نفيها.
    بصفة عامة في قانون الإجراءات الجزائية يتم إثبات الجرائم بجميع وسائل الإثبات، و هو ما نصت عليه أحكام الفصل 150 م ا ج ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك …..و إذا لم تقم الحجة فانه يحكم بترك سبيل المتهم”.
    وهو نفس التوجه بخصوص إثبات الجريمة الديوانية، حيث يقع إثباتها كذلك بجميع الطرق القانونية، فالمبدأ هو حرية الإثبات، فقد نص الفصل 317 م د “يمكن تتبّع جميع الجنح والمخالفات المنصوص عليها بالقوانين الديوانية وإثباتها بجميع الطرق القانونية ولو في صورة عدم القيام بأي حجز بالنطاق الديواني أو خارجه أو أن البضائع التي شملها التصريح لم تكن موضوع أية ملاحظة”.
    بالنسبة لعبء الإثبات الأصل في القانون العام أن يقع على عاتق النيابة العامة باعتبارها الجهة التي تمثل المجتمع وتحمي مصالحة لإثبات الجريمة، فالأصل قرينة البراءة التي تعني افتراض براءة كل فرد مهما كان وزن الأدلة أو قوة الشكوك التي تحوم حوله أو تحيط به، فهو برئ هكذا ينبغي أن يعامل وهكذا ينبغي أن يصنف طالما أن مسؤليته لم تثبت بمقتضى حكم صحيح نهائي صادر من القضاء المختص، و هو ما نصت عليه احكام الفصل 33 من الدستور لسنة 2022 “المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها جميع الضمانات في أطوار التتبع و المحاكمة”، و كذلك ضمن الإعلان العالمي لحقوق الانسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية …
    إلا انه تجدر الإشارة الى ان المشرع الديواني قد خرج عن هذه القواعد العامة، ذلك ان الفصل 354 م د نص على انه في صورة اقامة الدعوى على محجوز فان عبئ اثبات عدم ارتكاب الجريمة الديوانية محمول على المحجوز عليه. و هو ما يعني ان قرينة البراءة أصبحت غير مفترضة، و تم قلب عبئ الاثبات، و اصبح على عاتق المخالف اثبات برائته و نفي التهمة عنه، و هو ما يتنافي مع قرينة البراءة.
    الفقرة الثانية: خصوصية على مستوى حجية المحاضر الديوانية:
    يقصد بحجية المحاضر قوتها الثبوتية، و مدى اعتمادها من قبل المحكمة.
    نص الفصل 154 م ا ج ” المحاضر و التقارير التي يحررها مأمورو الضابطة العدلية او الموظفون او الاعوان الذين اسند اليهم القانون سلطة معاينة الجنح و المخالفات تكون معتمدة الى ان يثبت ما يخالفها و ذلك فيما عدا الصور التي نص القانون فيها على خلاف ذلك.
    و اثبات ما يخالف تلك المحاضر او التقارير يكون بالكتابة او بشهادة الشهود”.
    فالاصل ان القوة الثبوتية للمحاضرهي قوة ثبوتية نسبية {ناقصة} حيث يمكن اثبات العكس بالكتابة او بشهادة الشهود.
    لكن الفصل 312 فقرة 1 م د ينص على ان المحاضر الديوانية المحررة من قبل عونين من الأعوان المؤهلين لمعاينة الجرائم الديوانية– و المتعلقة بصحة المعاينات المادية المبينة بها- تكون معتمدة الى حين رميها بالزور، فالمحاضر الديوانية التي تتضمن معاينات مادية و محررة من طرف عونين مؤهلين قانونا لها حجية مطلقة { كاملة} ما لم يقع الطعن فيها بدعوى الزور طبق احكام الفصول 284 الى 287 م ا ج ، و يجب على القاضي التقيد بها و اعتمادها في الادانة.
    و يقصد بالمعاينات المادية تلك الناتجة عن استعمال الحواس و التي يكون بمقدور أعوان الديوانة إجرائها بأنفسهم دون الحاجة إلى اللجوء إلى أهل الخبرة و الاختصاص.
    لكن محاضر المعاينة الديوانية تكون لها حجية نسبية {ناقصة} و ذلك عندما تتضمن اعترافات و تصريحات{ الفصل 312 فقرة 2}، أو عندما تكون المحاضر الديوانية محررة من قبل عون واحد{ الفصل 313 م د} إلى حين إثبات عكسها، حيث أن للقاضي السلطة الكاملة في تقدير الدليل العكسي المقدم أمامه في حالة إثبات العكس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى