
إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مدرس جامعي
بالرجوع إلى النصوص الزجرية في هذا المجال يتبين بأنها تتسم بمظهرين: اتساع مجال التجريم )الفقرة الأولى( وخصوصية إجراءات التتبع )الفقرة الثانية(
الفقرة الأولى: اتساع مجال التجريم:
يقصد بمجال التجريم نوعية الأفعال التي وضع المشرّع عقابا لمخالفتها. وباستقراء مجموعة النصوص الرامية لحماية البيئة جزائيا يتضح اتساع هذا المجال. فالمشرّع سعى من ناحية إلى زجر الإضرار بالبيئة ) أ(، وهدف من ناحية ثانية إلى زجر خرق الاحتياطات المجعولة لمنع الإضرار بالبيئة )ب(.
أ- زجر الإضرار بالبيئة:
يتجه في هذا المجال فهم لفظ الإضرار في أوسع معانيه بما هو تغيّر حالة الشيء جراء اعتداء انصبّ عليه، ذلك أن ضرر البيئة قد يكون في صورة التلوث أو في صورة التّدهور.
1- التلويث: ينصّ الفصل 2 من القانون عدد 91 لسنة 1988 على أنّ التّلويث هو “إدخال أيّة مادّة ملوّثة في المحيط بصفة مباشرة أو غير مباشرة سواء كانت بيولوجيّة أو كيميائية أو ماديّة”.
كما يُعَرَّفُ التّلوث البحري بأنّه “كلّ حدث ينجرّ عنه أو يمكن أن ينجرّ عنه انسكاب في البحر لمحروقات أو لمواد ضارّة أخرى يحدث أو يمكن أن يحدث أضرارا في المحيط البحري أو على السواحل”.
وتعرّف الهيئة العلميّة الرسميّة للبيت الأبيض الأمريكي التلوّث “بالتغيير السيئ للوسط الطبيعي الذي يبدو كليّا أو جزئيّا كعمل من إنتاج الإنسان وذلك عن طريق الآثار المباشرة أو غير المباشرة لطرق توزيع وتدفق الطاقة ومستويات الإشعاعات والتّكوين الفيزيائي والكيميائي للوسط “.
ويقسم بعض الباحثين التلوّث إلى درجات:
التّلوث المعقول أو المقبول وهي درجة لا تصاحبها أخطار واضحة، من ذلك ما نصّ عليه الفصل 84 من مجلة الطرقات فقرة 10 من أنه يعاقب بخطية تتراوح من 11 إلى 60 دينار كل من استعمل عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تفوق العشرين بالمائة وتقل عن الخمسين بالمائة، بما يفهم منه أنه إذا لم تفق نسبة التلويث الهوائي أو السمعي العشرين بالمائة فلا جريمة، باعتبار أن التلوث يعدّ في هذه الحالة مقبولا أو معقولا.
التلوث الخطير وهي درجة يتعدّى فيها التلوث خط الأمان ولها الأثر الكبير على التوازن البيئي فتضر الأحياء وغير الأحياء.
التّلوث القاتل أو المدمّر وهو أخطر درجات التّلوث وهو يشكّل خطرا جاداّ على حياة البشر.
ورغم أن المشرّع التونسي لم يقسّم التلوث إلى الأنواع المذكورة، إلا أنه اعتمد التّقسيم عند سنّه عقوبات التّلويث.
وبغضّ النظر عن جسامة التلوث وفداحته، فإنّ أنواعه مختلفة ومسبّباته متعدّدة، وهو ما آل إلى صدور نصوص تشريعيّة متعدّدة اختص كل منها بتجريم جوانب معيّنة سنتولى عرض بعضها:
- جريمة إلقاء نفايات أو حيازتها في وسط طبيعي دون احترام الشروط على نحو يؤول إلى تلويثه.
- جريمة حرق نفايات في الهواء الطلق.
- جريمة صنع مغلفات حاوية لمواد محوّلة لتغليف مواد غذائيّة.
- جريمة استعمال معلبات المواد الكيميائية لحفظ الموّاد الغذائيّة.
- جرائم تلويث المياه مهما كان نوع المياه ونوع التلويث.
- جريمة استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تفوق 20 بالمائة وتقلّ عن 50 بالمائة.
- جريمة استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة.
- جريمة عدم إزالة الفواضل الملوثة أو الحدّ منها أو استعادتها.
ومهما يكن من أمر فإنّ الجرائم المنصوص عليها أعلاه تشترط لقيامها ركنا ماديّا متمثّلا في حصول فعل التلويث على النحو المذكور أعلاه، أمّا بالنسبة لركنها المعنوي فإنّ القصد الجنائي ليس بشرط واجب، فمن ذا الذي يلوّث لمجرّد التلويث؟ فهذه المخالفة تكون عادة من أجل غاية اقتصادية خاصة، ولذلك عمد المشرّع إلى تجريم الأفعال دون البحث في مدى توفّر عنصر القصد فيها عكس جرائم التسبّب في تدهور البيئة.
2- التسبّب في تدهور البيئة:
لم يعرّف المشرّع التونسي تدهور البيئة رغم أنه جعل مقاومته من بين أهداف الوكالة الوطنيّة لحماية المحيط. ويعرّف البعض تدهور المحيط بأنه إنقاص أو إتلاف عنصر من عناصر الطبيعة مثل قتل الحيوانات المحمية أو إتلاف الغابات بالتكسير أو الحرق أو الهدم أو طمس الآثار والمعالم التاريخية أو المناظر الطبيعية المتميّزة، فلا يشترط على هذا النحو إلقاء فضلات أو أيّة مواد دخيلة على المجال الطبيعي، وإنّما هو قائم بالأساس على تغيير الحالة المّاديّة كليّا أو جزئيّا. وفي واقع الأمور فإنّ التسبّب في تدهور الوسط الطبيعي سابق حتما لكل جرائم التلويث التي تكون مرتبطة بالتّطوّر الصناعي، ولكن رغم ذلك فإن النصوص التشريعية التونسيّة الزاجرة للتسبّب في تدهور البيئة لم تسنّ إلاّ بصورة متأخّرة وكان بعضها تالٍ زمنيّا للنُصوصِ المجرمة للتلويث.
ويمكن عموما ذكر الأفعال التالية مثالا: - جريمة الإضرار بالآثار المنقولة وتغيير مظهرها.
- جريمة المساس بمظهر أو منظر موقع طبيعي أو عمراني ذي أهمية تاريخية.
- جريمة الإضرار بالآثار غير المنقولة.
- جريمة الصيد بوسائل ممنوعة.
- جريمة صيد الأصناف المائيّة المحجّرة.
- جريمة استعمال آلات خدمة أرض تفتت التربة المهدّدة بالانجراف.
- جريمة الرّعي بضفاف مجاري المياه المتدهورة.
- جريمة تكسير غابة.
- جريمة الرعي بالغابات .
تمثّل هذه النصوص بعضا من القواعد التي سنّها المشرّع لحماية المحيط من التدهور، وهي بطبيعة الحال مثل النصوص الزاجرة للتلويث لا تطبّق إلا بعد ارتكاب الفعل الإجرامي وإلحاق الضرر بالبيئة، ما من شأنه أن يجعل تدارك الآثار أحيانا شبه مستحيل في حال تلوّث سام، وهو ما جعل المشرّع يضع قواعد لاستباق التلوّث بفرض جملة من الاحتياطات أوجب لخرقها جزاء.
ب- زجر خرق احتياطات منع الإضرار بالبيئة:
ينصّ الفصل الأول من القانون عدد 41 لسنة 1996 أن “هذا القانون يهدف إلى وضع الإطار الملائم في ميدان النفايات وطرق التّصرف فيها من أجل تحقيق الغايات الأساسية التالية: الوقاية والحدّ من إنتاج النفايات ومن مضارها خاصة عن طريق التدخّل على مستوى صنع وتوزيع المنتجات”.
من البيّن أنّ إرادة المشرّع قد تحوّلت في السنوات الأخيرة من زجر أعمال التلويث إلى اتخاذ تدابير احتياطية من شأنها الحيلولة دون حصول الضّرر. غير أن اتخاذ التدابير الاحترازية لن يكون ذا جدوى كبيرة إذ لم يكن مرفقا بعقاب في حالة المخالفة خاصة إذا تبيّن أنّ التقيّد بالتدابير من شأنه تكليف صاحبه مصاريف إضافيّة. وبقدر ما حرص المشرّع على إقرار تشجيعات، فإنّه حرص على فرض عقوبات في حال خرق الاحتياطات.
ومثالا على القواعد الموجبة لتدابير الوقاية من التلوّث نذكر: - جريمة استعمال مواد وتراكيب ممنوعة للّف.
- جريمة عدم الانخراط في أنظمة استعادة نفايات اللّف والتعليب.
- جريمة امتناع مؤسسات إزالة النفايات عن الخضوع للمراقبة.
- جريمة إزالة النفايات خلافا للشروط المضبوطة.
- جريمة امتناع المؤسسة المتعهدة بالنفايات عن الإعلام حول النفايات الخطرة.
- جريمة تعمّد مخالفة شروط تكييف النفايات الخطرة ونقلها وعنونتها.
- جريمة تعمّد مخالفة التراتيب المتعلّقة بالحدّ من إنتاج النفايات الخطرة.
- جريمة توريد نفايات خطرة.
- جريمة تصدير نفايات خطرة أو جعلها تعبر عبر تراب الجمهورية التونسية.
- جريمة توريد نفايات غير خطرة أو تصديرها أو جعلها تعبر عبر تراب الجمهورية التونسية.
- جريمة عدم التقيّد بطرق التّصرف في النفايات الخطرة.
- جريمة مزج أنواع النفايات عند التثمين.
- جريمة مسك معدّات الصيد المحجّرة.
- جريمة مخالفة قرار غلق مؤسسة خطرة على البيئة.
- جريمة عدم تجهيز منشأة بآليّات كفيلة بالحدّ والوقاية من تلوّث الهواء عند المصدر.
- جريمة عدم وضع خطّة خصوصيّة للتّدخل العاجل لمكافحة حوادث تلوّث البحر.
يتّضح من جملة النصوص المذكورة أنها تضع تدابير تمنع حصول التلويث أصلا وتحدّ من خطورته في حال وقوعه عبر آليات أهمّها منع استعمال المواد الملوّثة في الصناعة، وخاصّة في تركيب وسائل اللّف وإجبار الصناعيين على التقيّد بضوابط عند إزالة النفايات، وفرض نظام معيّن على المؤسّسات المتعهدة بالتّصرف في النفايات.
ويختلف الرّكن المادي بالنسبة لكل جريمة من الجرائم المذكورة شأنها في ذلك شأن جرائم الإضرار بالمحيط، ولكنّها تختلف عنها في وجوب توفّر القصد الجنائي حيث أن المشرّع ينصّ صراحة على وجوب تعمد المخالف ارتكاب الجريمة في بعض النصوص، ولكن لا ينبغي فهم عدم التنصيص على التعمّد في بعض النصوص استغناء عن القصد الجنائي، باعتبار أن المشرّع وضع جملة من الشروط واجبة الاحترام لا يمكن للمخالف خرقها إلاّ عمدا وهو ما يخضعه لتتبّع يتميز بالشدّة حينا وبالمرونة حينا آخر.
الفقرة الثانية:خصوصيّة إجراءات التتبع:
تبرز خصوصيّة الجرائم البيئية على مستوى الإجراءات أكثر منه على مستوى الأصل، حيث أدخل المشرّع عديد القواعد الخاصة في هذا المجال وذلك ابتغاء التشديد حينا )أ( وبقصد المرونة حينا آخر)ب(.
أ- التشديد:
يقصد بالتشديد اعتماد إجراءات أكثر حزما لضمان ردع المخالف. وباستقراء مختلف النصوص المذكورة أعلاه يتضح أن المشرّع كان متشدّدا من خلال توسيع دائرة أعوان معاينة المخالفات البيئيّة ومراقبتها من جهة أولى، وتوسيع مفهوم الشخص المخالف من جهة ثانية.
1- تعدّد أعوان المعاينة والمراقبة: علاوة على وكلاء الجمهورية ومساعديهم وحكّام النواحي ومحافظي الشرطة وضباطها ورؤساء مراكزها وضباط الحرس الوطني وضبّاط صفّه ورؤساء مراكزه ومشائخ التّراب وحكام التحقيق في الحالات المضبوطة قانونا، تختلف الجرائم البيئية عن بقية جرائم الحق العام بإمكانيّة إثباتها من طرف أعوان متخصّصين أحالت إليهم الفقرة السادسة من الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائيّة. ولكن ما يميّز معاينة الجرائم البيئية حتى عن بعض الجرائم الخاصّة، هو تعدّد أنواع أعوان المعاينة والمراقبة كما يلي: - اختصاص أعوان وخبراء مراقبين تابعين للوزارة المكلّفة بالبيئة بمعاينة أعمال التّصرف في النفايات .
- اختصاص أعوان السلط البحرية وأعوان التراتيب البلديّة وأعوان السلط الأثرية بمعاينة المخالفات المتسلطة على المواقع الطبيعيّة والعمرانية ذات القيمة التاريخية.
- اختصاص أعوان الوكالة الوطنيّة لحماية المحيط بمعاينة الأفعال المخالفة للقانون المنظم للوكالة.
- اختصاص قادة وضباط البحرية الوطنية وحرس الصيد البحري والأعوان المحلفين التابعين لإدارة البحرية التجارية وإدارة الديوانة والمصلحة الوطنية لحراسة السواحل وأعوان السلطة المختصة المحلفين للغرض بمعاينة جرائم الصيد البحري.
- اختصاص أعوان وخبراء تابعين للوزارة المكلفة بالبيئة بمعاينة مخالفات القوانين والتراتيب المتعلقة بالشريط الساحلي وبالملك العمومي.
- اختصاص أعوان وزارتي الفلاحة والبيئة المؤهلين لمعاينة جرائم الإضرار بالمياه والتربة.
- اختصاص الأعوان والمستخدمين التابعين لوزارتي الفلاحة والصحّة العمومية بمعاينة المخالفات لأحكام مجلة المياه والأوامر الصادرة لتطبيقها.
- اختصاص مهندسي الغابات وتقنييها بمعاينة جرائم الغابات.
- اختصاص مهندسي الغابات وتقنييها وأعوان المراقبة الاقتصادية وأعوان الوزارة المكلفين بالغابات المؤهلين بمعاينة جرائم الصيد.
- اختصاص الأعوان المؤهلين التابعين للوزارة المكلفة بالبيئة والوزارات المكلفة بالصحة العمومية والنقل بمعاينة جرائم تلويث الهواء.
- اختصاص أعوان وزارة البيئة المؤهلين بمعاينة جرائم التلوث والضجيج الصادر عن العربات.
- اختصاص أعوان الوزارة المكلفة بالتجارة والوزارة المكلفة بالصناعة والإدارة العامّة للديوانة بمعاينة جرائم المواد الكيميائية.
فيبدو جليّا تعدّد الأعوان المكلفين بمعاينة الجرائم البيئية.
ولعلّ هذا الأمر عائد إلى التّنوع الكبير لهذه الجرائم نتاج تعدّد العناصر الطبيعيّة المكونّة للبيئة من جهة، ومن جهة ثانية يعود الأمر إلى وجوب التكوين العلمي الخاص بكل مجال، فمثلا تحتاج معاينة جرائم تلوث المياه إلى معدّات تقنية ينبغي لمستعملها الإلمام بها لاعتمادها فضلا عن استخلاص النتائج عن طريقها.
2- التوسّع في تحديد الشخص المخالف: يغلب أن يكون المعتدي على البيئة ممارسا لأحد الأنشطة الاقتصادية باعتبار أن التلوث هو نتاج مخلفات تلك الأنشطة أو حاصل أحد عوارضها الكارثية، وهو ما نجم عنه تورط عديد الشركات في تلويث المحيط، بل إن بعض الإحصائيات تفيد أن عدد عمليات الاعتداء على البيئة من طرف الشركات هو ثلاثة أضعاف الاعتداءات المرتكبة من طرف أشخاص طبيعيين.
وقد كان هذا الوضع يثير إلى حدود سنة 1988 نقاشات قانونية حول إمكان توجيه التهمة إلى شخص معنوي، نجم عنها تردّد في فقه القضاء والفقه ما بين مؤيد لتجريم الشخص المعنوي وبين رافض لتحميله المسؤولية. ورغم أن القضاء اتخذ قرارات مبدئية سنة 1976 وسنة 1982، إلا أن جانبا كبيرا من الفقه ظل مدافعا عن فكرة عدم مسؤولية الشخص المعنوي باعتبار أن الذات المعنوية ليست موجودة حقا وهي لا تتصرف إلا عن طريق الأشخاص الطبيعيين المشرفين عليها، فتدخّل المشرّع بموجب القانون المحدث للوكالة الوطنية لحماية المحيط سنة 1988، ونّص صراحة صلب الفصل 8 منه على عقاب “الأشخاص الماديين أو المعنويين وخاصة المؤسسات الصناعية أو الفلاحية أو التجارية الذين يلحقون ضررا بالمحيط”.
وقد تدخّل المشرّع ثانية بموجب الفصل 49 من قانون 10/06/1996 المتعلق بالنفايات وبمراقبة التصرف فيها وإزالتها الذي ينصّ “عندما يكون المخالف ذاتا معنوية تطبق عليها العقوبات المالية المنصوص عليها بهذا القانون. ويمكن للمحكمة تسليط العقوبات المنصوص عليها بهذا القانون ضدّ الأشخاص الطبيعيين المكلفين بأي صفة كانت بتسيير ذوات معنوية أو بإدارتها أو بالتصرف فيها إذا ثبت أنهم تعمّدوا أو جعلوا منظوريهم أو الأشخاص الخاضعين لمراقبتهم يتعمدون تجاهل أو خرق أحكام هذا القانون”.
ب – التيسير: إمكانية الصلح:
وخلافا لبقية المواد التي كان حظها من الصلح متأخرا، فإن النصوص المنظمة لحماية البيئة جزائيا ولدت وهي تعتمد آلية الصلح.
فخلافا لمجلة المياه فإنّ جميع النصوص الجزائية السابق التّعرض إليها أعلاه تخصّص فصلا أو اثنين لمسألة الصلح مع المخالف على النحو التالي: - الفصل 51 من قانون 10 جوان 1996 “يمكن للوزير المكلف بالبيئة إجراء الصلح مع المتسببين في المخالفات المنصوص عليها بالفصلين 46 و47 من هذا القانون. ويوقف الصلح المبرم التتّبعات قبل صدور حكم نهائي، ولا يعفي الصلح المخالفين من القيام بالالتزامات التي ينصّ عليها القانون ولا من مسؤوليتهم المدنية عن كل ضرر لحق أو يلحق بالغير من جراء تصرفاتهم”.
- الفصـل 11 جديـد من قانون 2 أوت 1988 فقـرة 3 :”غير أن الوكالة مؤهلة للتصالح مع الأشخاص الماديين والمعنويين المخالفين بعد موافقة سلطة الإشراف ويوقف إبرام الصلح التّتبعات”.
- الفصل 41 من قانون 31 جانفي 1994 المتعلق بالصيد البحري :”في ما عدا الحالات المنصوص عليها بالفصل 42 من هذا القانون يمكن للسلطة المختصة أن تبرم قبل صدور الحكم البات صلحا إداريا في شأن الجرائم المرتكبة خرقا لأحكام هذا القانون وللتراتيب المتّخذة لتطبيقه.
ويترتّب عن الصلح انقضاء الدعوى العموميّة وتوقيف تنفيذ العقاب.
وينصّ الفصل 42 ” لا يمكن إبرام الصلح في الحالات التالية: - في صورة انتفاع المخالف بإجراءين صلحيين خلال السنة السابقة لتاريخ تحرير آخر محضر ضدّه.
- في صورة ارتكاب الجريمة خلال السنتين المواليتين لتاريخ صدور آخر حكم يدين المخالف لارتكابه إحدى الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون وبالتراتيب المتخذة لتطبيقه.
- في صورة ارتكاب جريمة الصيد بواسطة المتفجرات أو المواد التي من شأنها أن تخدّر الأصناف المائية أو تسمّمها أو تلحق بها ضررا.
- في صورة اقتران جريمة الصيد بجريمة أخرى متعلقة بهضم جانب أعوان المعاينة أو بخرق أحكام مجلة التنظيم الإداري للملاحة البحرية”.
- الفصل 32 من قانون 17 جويلية 1995 متعلّق بالمحافظة على المياه والتّربة “بالنسبة للمخالفات المنصوص عليها بالفصل 31 أعلاه يمكن لكل من الوزير المكلّف بالفلاحة والوزير المكلف بالبيئة والتهيئة الترابية حسب مصدر تحرير المحضر إجراء صلح مع المخالفين شرط أن يقوموا بإرجاع المنشآت والأشغال التي ألحقوا بها ضررا إلى حالتها الأصليّة”.
- الفصل 134 جديد من مجلة الغابات “يجوز للوزير المكلف بالغابات أن يبرم صلحا قبل صدور الحكم النهائي بشأن الجرائم المنصوص عليها وعلى عقابها بهذه المجلة.
والصلح تنقضي به الدعوى العمومية بعد تنفيذه.
غير أن الصلح لا يشمل حالات العَوْد وارتكاب الجرائم الخطيرة المنصوص عليها بالفصل 134 مكرّر من هذه المجلة وكذلك الانتفاع بالصلح خلال السنتين السابقتين لارتكاب الجريمة الجديدة.
ويتضح من جملة هذه النصوص أن المشرّع فتح الباب أمام المخالف للانتفاع بصلح تنقرض معه الدعوى العمومية أو يتوقّف به تنفيذ العقاب، ولكنّه في جميع الأحوال صلح مشروط من جهة بتنصيص القانون على جوازه، فالصلح استثنائي لا يمكن الإنتفاع به إلاّ بتصريح القانون على إمكانه. ومن جهة ثانية هو مشروط باقتصاره على أنواع من الجرائم دون أخرى، فالفصل 41 من قانون 31 جانفي 1994 المتعلق بالصيد البحري والفصل 134 جديد من مجلة الغابات منعا التصالح في شأن الجرائم الخطيرة التي تضر بالبيئة بشكل مجحف كإلقاء النفايات السامة والتلويث المكثف.
وبصدور القانون المؤرخ في 4 جوان 2007 المتعلق بنوعية الهواء تطوّر دور النيابة العمومية، فحسب الفصل 15 منه بات بإمكان وكيل الجمهورية قبل إثارة الدعوى العمومية أن يأذن بإجراء الصلح بطلب من المخالف، ثم يصادق على الصلح الكتابي المبرم بين المخالف والوكالة الوطنية لحماية المحيط. يعتبر هذا الفصل تطبيقا للفصل 335 ثالثا من مجلة الإجراءات الجزائية باعتباره مكّن من الصلح بالوساطة. ويختلف الصلح الوارد بالفصل 15 المذكور عن الصلح الوارد بالفصول المتقدم ذكرها في أنّه لا يتمّ مباشرة بين الإدارة والمخالف وإنّما بوساطة بينهما، وتعرّف الوساطة بأنّها ” تعهّد شخص من تلقاء نفسه أو بطلب من الفرقاء بالسعي إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف وإقناعهم بحل ودّي صلحي للخلاف الطارئ بينهم”.
ويمكّن هذا الفصل وكيل الجمهورية بإجراء محاولة صلحية بين الطرفين بطلب من المخالف دون الإدارة ويصادق على الصلح في حال إبرامه.