مقالات

التشريع في زمن خوارزميات الذكاء الاصطناعي .. الإمارات تصوغ قوانين المستقبل

بقلم المحامي والمستشار القانوني عمر العوضي
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية في مختبرات العلماء أو مشاهد من أفلام الخيال العلمي. اليوم، أصبح جزءاً من تفاصيل حياتنا اليومية: من السيارة التي تقود نفسها، إلى التطبيقات التي تقترح علينا ماذا نقرأ ونشتري، وصولاً إلى أنظمة الأمن والعدالة. ومع هذا الحضور المتزايد، يطرح سؤال لا يخلو من الغرابة: ماذا لو ارتكب الذكاء الاصطناعي خطأً أو تسبب بضرر؟ من سيقف في قفص الاتهام؟
وهل هناك فجوة بين القانون والتكنولوجيا، الحقيقة أن القوانين في العالم وُضعت أصلاً لتنظيم العلاقة بين البشر، لكنها اليوم أمام تحدٍّ جديد: التعامل مع كيانات رقمية ذكية قادرة على اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية. هل نعتبر الروبوت أو الخوارزمية “شخصاً معنوياً” له مسؤولية قانونية؟ أم تبقى المسؤولية على عاتق المبرمج أو الشركة المطورة أو حتى المستخدم الذي ضغط زر التشغيل؟
هذا الجدل لا يزال مفتوحاً على مصراعيه، وأغلب دول العالم لم تصل بعد إلى إجابة نهائية. لكن المؤكد أن تجاهل المسألة لم يعد خياراً.
الإمارات.. تسابق المستقبل فدولة الإمارات اختارت منذ سنوات أن تسير في خطٍ موازٍ للتكنولوجيا والقانون. فقد كانت أول دولة في العالم تعين وزيراً للذكاء الاصطناعي عام 2017، وأطلقت استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، التي تستهدف جعل الدولة نموذجاً عالمياً في الاستخدام المسؤول لهذه التقنية.
وعلى المستوى التشريعي، اتخذت الإمارات خطوات مهمة، أبرزها القانون الاتحادي رقم (45) لسنة 2021 بشأن حماية البيانات الشخصية، الذي يضمن ألا تتحول البيانات التي تغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى أداة لانتهاك خصوصية الأفراد.، القانون الاتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، الذي يمكن أن يطبق في حال استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر معلومات مضللة أو تنفيذ جرائم إلكترونية.، وهذه القوانين وإن لم تُصمم خصيصاً للذكاء الاصطناعي، إلا أنها تشكل إطاراً قانونياً أولياً يحد من المخاطر ، وستظل دولة الإمارات سباقة في هذا المجال في قادم الأيام والمستقبل تماشياً مع متغيرات الحياة والتوجهات العالمية,
تخيل أن سيارة ذاتية القيادة في دبي تسببت في حادث مروري. من سيدفع التعويض؟ الشركة المصنعة؟ مالك السيارة؟ أم النظام الذكي نفسه؟ وماذا عن روبوت محادثة يقدم استشارة قانونية خاطئة لأحد المواطنين؟ هل يعتبر ذلك إهمالاً مهنياً أم مجرد خطأ تقني؟ هذه الأمثلة لم تعد خيالية، بل هي قضايا واقعية مطروحة على طاولة النقاش في الدول المتقدمة.
وهناك فرص واعدة وتحديات حقيقية ولا شك أن الذكاء الاصطناعي يحمل فرصاً هائلة للإمارات والعالم العربي في قضاء أسرع وأكثر دقة عبر أنظمة تحليل القضايا، شرطة استباقية تتوقع الجرائم قبل وقوعها.، وخدمات قانونية ذكية متاحة للجميع بكلفة أقل.
لكن الوجه الآخر يثير القلق هل يمكن أن تنحاز الخوارزميات ضد فئة معينة من الناس؟ وكيف نحمي البيانات الشخصية من الانتهاك؟ وما الضمانات لعدم إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل أو الابتزاز؟
اذن هناك حاجة إلى قانون المستقبل، و اعتقد أن وطني الإمارات سوف تكون سباقة من بين دول العالم في صياغة هذا الموضوع وتملك اليوم فرصة تاريخية لتقود العالم في الذكاء الاصطناعي ليضع حداً لهذه الإشكالات. في قانون يحدد المسؤولية بدقة، ويُلزم الشركات المطورة بالشفافية في تصميم خوارزمياتها، ويضع ضوابط للاستخدام في القطاعات الحساسة مثل الصحة والأمن والقضاء،
وهناك تصاعد عالمي في سن قوانين وسياسات تنظيم الذكاء الاصطناعي بهدف موازنة الابتكار مع حماية المجتمع، الحقوق، والخصوصية مثل قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوربي (AI Act) ويعد أول تشريع شامل ينظم الذكاء الاصطناعي في العالم، دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2024. يصنّف أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى فئات حسب مستوى الخطورة: “غير مقبولة” (ممنوعة)، “عالية الخطورة” (خاضعة لمتطلبات صارمة)، “محدودة الخطورة” (شروط شفافية فقط)، و”منخفضة الخطورة” (غيـر منظمة تقريبًا)،
كما تنظم المعاهدات الدولية اتفاقية الإطار حول الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان (2024) وهي اتفاقية دولية ملزمة قانونيًا أعدها مجلس أوروبا، ووقعها أكثر من 50 دولة بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكندا أعدت قانون الذكاء الاصطناعي والبيانات (AIDA) قيد الإعداد يهدف إلى تنظيم الأنظمة ذات التأثير العالي، ويعزز الشفافية وتحمل المسؤولية والمساءلة والصين تتجه نحو نهج صارم في مشروع قانون شامل ومجموعة من المبادئ الخاصة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مثل التحكم بالمحتوى، خوارزميات التوصية، والاعتبارات الأمنية في القطاعات الحساسة، واليابان: تعتمد “مبادئ إنسانية” غير ملزمة تُشجّع على احترام كرامة الإنسان والاستدامة
فالقانون والذكاء الاصطناعي ليسا في صراع، بل في سباق. كلما تسارعت التقنية، ازدادت الحاجة إلى تشريعات أكثر وضوحاً وإنصافاً. وإذا كان العالم لا يزال يبحث عن إجابات، فإن الإمارات بما تملكه من رؤية استباقية وتشريعات حديثة، قادرة على أن تكون في طليعة الدول التي تصيغ قوانين المستقبل، حيث تحمي الإنسان وتفتح المجال أمام ثورة تقنية آمنة ومسؤولة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى