
إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد مدرس جامعي
تشعبت الجرائم وتعددت فلا نزاع ان للتطور العلمي دوره في ذلك فلقد سخر الانسان طاقته في الايجابي منه دون ان ننسى ان ذلك فتح الباب ايضا لآخرين حادوا عن نواميس الحياة باقتراف جرائم كان فيها للتطور العلمي أثره ولقد تأثر التشريع الجزائي بذلك بأن نص على جرائم جديدة مستحدثة وعقابها من ذلك فيما يتعلق بالجرائم المعلوماتية وجرائم الاتصالات ومن مظاهر ذلك ايضا ظهور جريمة التدليس الالكتروني الذي لم يكن مجرّما في تونس بنص قانوني من سابق. وتعهد القضاء الجزائي في تونس بقضية تلاعب بعض موظفي احد البنوك بأمواله عن طريق الاعلامية هو الذي كشف فراغا في التشريع التونسي بخصوص ذلك والزم المشرع بالتنصيص على تجريم التدليس الالكتروني بالقانون عدد 89 لسنة 1999 المنقح لأحكام الفصل 172 من المجلة الجزائية .
ورغم ان المشرع قد تفطن الى وجوب مواكبة التشريع التطور العلمي وما قد يفرزه من جرائم فان نصوص قانونية جزائية لازالت في تونس كما سنرى قاصرة على مستوى صياغتها عن تعريف الزور الجزائي وتكييفه باعتباره جناية أم جنحة وهو ما يحتّم قطعا وجوب وضع تعريف دقيق لضبط الكتائب التي يشكل تدليسها وصنعها جنايات وتلك التي تظل جنحا.
ولقد وقعت المحاكم في تونس في خلط بيّن في ذلك يلاحظ على مستوى محكمة القانون اذ ظهر اختلاف بيّن في تطبيق المحاكم نصوص قانونية زجرية وهو امر غير محمود خاصة وان الاحكام الجزائية قد تصدر بعقوبات صارمة سالبة للحرية.
والملاحظ ان ذلك من شانه ان يهدد حقوق وحريات الأفراد خاصة وان النصوص الجزائية كثيرا ما تنص على عقوبات صارمة .
ويجب الاشارة انه ورغم صدور المجلة الجزائية منذ ما يزيد عن قرن فإن الفقه لم يول اهتماما بجرائم الزور الجزائي رغم خطورتها إذ لا أثر لمعيار دقيق للتفرقة بين جرائم الزور الذي قد يتسلط على الكتائب الرسمية وغير الرسمية أو غيرها من الأشياء التي قد يسلط عليها زور مادي أو معنوي أو إلكتروني، وهو فراغ تشريعي سيأتي بيانه. وما يلاحظ أن فقه القضاء كما سنتعرض إلى ذلك قد تضارب في قراراته فتارة تذهب محكمة التعقيب إلى اعتبار الزور يوصف وصفا جنائيا بغض النظر عن طبيعة الكتب المسلط عليه بمجرد أنه يغير الحقيقة وينشأ حقا ويلحق ضررا وطورا تقصره على تزوير الكتائب الرسمية، وحري بنا أن نقف عند تعريف الزور.
الزور لغة :
التزوير لغة هو مصدر “زوّر” وهو أصل يدل على الميل عن الحق والعدول عنه ومنه الكذب. وزوّر كلامه أي زخرفه وهو أيضا تزيين الكذب زورت الكلام في نفسي: هيّأته فيكون معنى التزوير في اللغة الكذب المموه وتزيين الباطل بالإضافة إلى التهمة.
التدليس :
جاء في معجم لسان العرب في تعريف للتدليس بانه اشتقاق من دلس ويعني الخادعة فتقول فلان لا يدالس ولا يوالس اي لا يخادع ولا يغير كذلك دلس البائع اي كتم عيب السلعة على المشتري ويقال ايضا دلس فلان في البيع وفي كل شيء وهي تعني ايضا الخطأ والغلط فيه
تعريف التزوير من خلال التشريع :
لقد عرفته التشريعات كما يلي :
· المشرع الفرنسي :
عرّفه بالمادة 441-1 بأنه كل تغيير متعمد للحقيقة في كتب او في اي سند فكري آخر يكون موضوعه اثبات حق او واقعة ومن شان ذلك التغيير احداث ضرر بها مهما كانت الوسيلة
· المشرع اللبناني :
لقد عرفته المادة 453 من قانون العقوبات بأنه: “تحريف متعمد للحقيقة في الوقائع او البيانات التي يثبتها صك او مخطوط يشكل مستندا بدافع احداث ضرر مادي او معنوي او اجتماعي”
· المشرع البحريني :
عرفه المشرع البحريني بالفقرة الاولى من المادة 270 من قانون العقوبات التي ورد بها : تزوير المحرر هو تغيير الحقيقة فيه بإحدى الطرق المبينة فيما بعد تغييرا من شانه احداث ضرر وبنية استعماله كمحرر صحيح .
· المشرع القطري :
لقد تبنى المشرع القطري تعريفا يكاد يكون حرفيا مع ما ورد بالمادة 270 من قانون العقوبات البحريني فلقد ورد بالمادة 204 من قانون العقوبات القطري ان تزوير المحرر هو تغيير الحقيقة فيه تغييرا من شانه احداث ضرر وبنية استعماله محررا صحيحا .
· المشرع العماني :
لقد كان المشرع العماني اكثر دقة من تشريعات عربية اخرى في تعريف التزوير فلقد نصت المادة 199 من قانون العقوبات : التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الواقع والبيانات التي يراد اثباتها بصك او بأي مخطوط آخر يشكل مستندا ، قد ينجم عنه منفعة للنفس او ضرر للغير مادي او معنوي او اجتماعي
· المشرع الكويتي :
لقد تبنى المشرع الكويتي تعريفا للتزوير يشمل ما قد يقع عليه وبين طريقة التزوير فلقد ورد بالمادة 257 من قانون العقوبات الكويتي : “يعد تزويرا كل تغيير للحقيقة في محرر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة ، اذا كان المحرر بعد تغييره صالحا لان يستعمل على هذا النحو ويقع التزوير اذا اصطنع على محرر موجود سواء بحذف بعض الفاظه او بإضافة الفاظ لم تكن موجودة او بتغيير بعض الالفاظ او وضع امضاء او خاتم او بصمة شخص آخر عليه دون تفويض من هذا الشخص او حمل ذلك الشخص عن طريق التدليس على وضع امضائه او خاتمه او بصمته على المحرر دون علم بمحتوياته او دون رضاء صحيح بها ويقع التزوير ايضا اذا غير الشخص المكلف بكتابة المحرر معناه اثناء تحريره باثباته فيه واقعة غير صحيحة على انها واقعة صحيحة ويقع التزوير من استغل حسن نية المكلف بكتابة المحرر فأملى عليه بيانات كاذبة موهما انها بيانات صحيحة
· المشرع العراقي :
تم التنصيص على التزوير بالمادة 286 من قانون العقوبات التي تعرفه بأنه تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او اي محرر آخر بإحدى الطرق العادية والمعنوية التي بينهما القانون تغييرا من شانه احداث ضرر بالمصلحة العامة او بشخص من الأشخاص
· التشريع الاردني :
تعرض المشرع الاردني للتزوير بالمادة 260 من قانون العقوبات التي جاء بها :
التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد اثباتها بصك او مخطوط يحتج بهما نجم او يمكن ان ينجم عنه ضرر مادي او معنوي او اجتماعي.
· التشريع المغربي :
جاء بالفصل 351 من قانون العوبات المغربي: تزوير الاوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية ، تغييرا من شانه ان يسبب ضررا متى وقع في محرر باحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون
· التشريع السوري :
ورد بالمادة 443 من قانون العقوبات السوري أن التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد اثباتها بصك او مخطوط يحتج بهما، يمكن ان ينجم عنه ضرر مادي او معنوي او اجتماعي.
تعريف الزور من قبل شراح القانون :
يعرف شراح القانون الزور بأنه في مدلوله العام تغيير للحقيقة ايا كانت وسيلته وايا كان موضوعه
وحسب آخرين، يمثل الزور تغييرا للحقيقة يؤذي إلى ضرر وقد يتسلط على أي حامل بغض النظر عن طبيعته سواء كان مكتوبا أو ذهنيا
وفي تعريف آخر “هو مغايرة المحرر للحقيقة سواء كانت هذه المغايرة مادية أو معنوية، ويقصد بالتزوير المادي اتخاذ إجراءات مادية لتغيير مضمون المحرر كتقليد الإمضاء أو المحو أو التحشير أما التزوير المعنوي فيكون بصياغة واقعة غير صحيحة في واقعة صحيحة كما لو تسمي شخصا باسم آخر في عقد رسمي”
كما يعرفه آخر بالقول أنه “تغيير الحقيقة بقصد الغشّ في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شانه ان يسبب ضررا
وفي تعريف آخر يقصد بالزور كل طريقة يغشّ بها شخص شخصا آخر
تعريف الزور من خلال اجتهادات المحاكم :
لقد عرفت محكمة التعقيب المقصود بالزور بقرارها عدد 7057 الصادر عن دائرتها 14 بتاريخ 27/11/2013 بانه : إستقر الفقه وفقه القضاء على ضرورة توفر ثلاثة شروط في جريمة التدليس او التزوير، أولها تغيير الحقيقة في محرر وثانيها ترتب الضرر أو احتمال ترتبه من جراء هذا التغيير وثالثها القصد الجنائي ويقصد به تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا وان يكون تغيير الحقيقة حاصلا في كتابته اي محرر موجود من الاصل او بكتابته اي بإنشاء محرر جديد بقصد تغيير الحقيقة ولا يهم نوع المحرر الذي يقع عليه التدليس فيجوز ان يكون عقدا او سندا او دفترا او خطايا او عريضة او غير ذلك ولا بد من استعمال الوسائل المحددة قانونا ولا يكفي لتكوين جريمة التدليس تغيير الحقيقة من محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا بل يجب ان يترتب على هذا التغيير او يمكن ان يترتب عليه ضرر للغير وهو ركن خاص في جريمة التدليس ولا يعتمد الا اذا نتج عن نية خاصة وهو القصد الجنائي”
كما ورد بقرار في المعنى نفسه : بأنه إظهار الكذب في مظهر الحقيقة غشا لعقيدة الغير وان يكون من شانه الاضرار او احتمال الاضرار بمن يحتج في مواجهة المحرر
كما عرفته في قرار آخر بقولها “إن التدليس بنوعيه المادي أو المعنوي يستدعي ثبوت تغيير الحقيقة الثابتة وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع توفر ركن العمد وانصراف إرادة الجاني إلى إلحاق الضرر بالغير سواء كان عاما أو خاصا وحالا أو متوقعا”
وجاء بالقرار التالي في ذلك: التدليس كما عرفه المشرع التونسي بالفصل 172 ق ج هو انشاء عقد مكذوب باي وسيلة كانت او وضع كل او بعض كتب بنية احداث ضرر عام او خاص وورد كذلك بقرار آخر في تعريف أشمل من التعريف المتقدم عن المقصود بالتزوير: هو تعمد تغيير الحقيقة في أمر جوهري بكافة الطرق منها إذا كانت الواقعة المسجلة بالوثيقة الرسمية جعلت في صورة واقعة صحيحة وهي مدلّسة
كما ورد بقرار اخر في المعنى نفسه يتعلق بالمقصود بالتدليس الإلكتروني: “لا شك ان التدليس في مفهومه العام (من الناحية الاجرائية) هو كل فعل مغاير للحقيقة نتج عنه ضرر عام او خاص و ترتيبا على ذلك فان تضمين معطيات مخالفة ومغايرة للحقيقة بجهاز الاعلامية يعد من قبيل التدليس الذهني الذي ينتج عنه ضرر يتمثل في خسارة فادحة للبنك المتضرر وتأسيسا على ذلك فان عدم ادراج بعض المعطيات لإيهام المسؤولين وأعضاء مجلس الادارة وخاصة الشريك الاجنبي ان البنك ربح دون ان يخسر يعد تدليسا اوقع الشريك في الخطأ وأنتج ضررا”
وما يلاحظ ان المشرع التونسي قد استعمل عدة مصطلحات بالمجلة الجزائية للدلالة على الزور وهو ما يتضح مما يلي :
*استعماله بفصلها 172 منها لفظ ” صنع ” ، ” تغيير الحقيقة ” ، ” تبديل كتب” او “صنع عقد مكذوب”.
*استعماله بالفصل 173 لفظ ” تحريف” مادة العقود او موضوعها ” وكذلك “تضمين” اتفاقيات غير التي حددها اطراف العقد .
*استعماله لفظ “موهوم” بالفصل 174 او تسليم ” نسخة مخالفة لاصلها ” خيانة منه .
*تنصيصه على “الرسم المدلس” بالفصل 176 .
*استعماله لفظي “يقلد” و”يدلس” طابع السلط العمومية او رقاع مالية بالفصل 179 وكذلك اعاد اللفظ الاول المذكور بالفصل الذي يليه المتعلق بتقليد “طوابع” أو تنابر” او علامات عمومية حكومية وفي الحقيقة فان لفظ تقليد كرر في عدة فصول من المجلة الجزائية للدلالة على الزور
*استعماله بالفصل 181 لفظ “يقلد” الطوابع و لفظ “يزيل” الطوابع الجبائية المستعملة، وبالفصل 183 مصطلح “تقليد” الأختام والطوابع وعلامات معدة للإستعمال باسم الدولة
- استعماله عبارة “التغيير” اي تغيير مضمون كتب او تقليد عملة ومن الفصول التي اشارت الى ذلك : 172 و 183 و 185 و 186 و187 من م.ج.
*استعماله لفظ تدليس وتغيير العملة بالفصول 185 و 186 و 187 من م ج
*استعماله ايضا لفظ “تقليد وتدليس” رقاع البنوك الرائجة بالجمهورية التونسية بالفصل 188 من نفس القانون .
*استعماله لفظ “تدليس” العملة الرائجة قصد الغش ( الفصل 190 من المجلة الجزائية )
أما فيما يتعلق بالزور المجرم كجنح – أي ان عقوبته لا يمكن ان تتجاوز خمس سنوات – والذي ورد بالمجلة الجزائية بالقسم التاسع عشر تحت عنوان “في افتعال واستعمال رخص السفر المدلسة وغيرها من المكاتيب” فقد استعمل المشرع الالفاظ التالية للدلالة على الزور:
*إستعماله بالفصل 193 م ج عبارة “يصطنع” جواز سفر للخارج أو رخصة جولان داخل البلاد التونسية أو مضمونا من بطاقات السوابق العدلية أو رخصة في حمل السلاح أو غير ذلك من الرخص أو الشهادات الإدارية
*استعماله عبارة “يفتعل تدليسا” للوثائق المذكورة الصحيح أصلها
*استعماله عبارة “اصطناع أو افتعال” للدلالة على زور الوثائق وتجريم استعمالها وفق ما ورد بالمطة (ثالثا) من الفقرة الثالثة من الفصل 193 من م ج
*استعماله لفظ “يفتعل” باسم طبيب شهادة مدلسة
*استعماله بالفصل 197 م ج للدلالة على الزور عبارات “على سبيل المجاملة” و “وقائع غير صحيحة” و”معلومات كاذبة” و”يخفي أو يشهد زورا”
*استعماله لفظ “تقييد أشخاص بأسماء مزوّرة أو موهومة” وذلك بالفصل 198 من م.ج.
*استعماله لفظ “يفتعل” باسم موظف عمومي شهادة في حسن السيرة وذلك بالفصل 199 من نفس القانون
ولقد أعاد المشرع استعمال نفس العبارات المذكورة أعلاه بالفصل 199 م ج إذ يلاحظ تكراره لعبارات “شهادة مدلسة” ، “دلّس شهادة أصلها صحيح” ، “إفتعال شهادة”، “إقامة شهادة أو صك نص فيه على امور غير حقيقية”، “يدلس أو يغير شهادة أو صك اصله صحيح”
كما كرّر المشرع كذلك عبارات “يغير”، “أصلها صحيح” و”شريطة حصول ضرر للغير” بالفصل 199 ثالثا من م ج.
وإلى جانب الفصول المذكورة أعلاه فإن المشرع قد أورد أحكام الخيانة على بياض بالفصل 300 من م ج وقد جرّم من اؤتمن على رقعة خالية وضمّن بها ما من شأنه أن يلزم المتضرر أو يبرئ ذمة الجاني، ولقد نصت الفقرة الثالثة على عقاب من يتولى تضمين ذلك لعقوبة التدليس إن لم يكن قد اؤتمن على الرقعة الخالية، فلقد ورد بذلك الفصل : يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها سبعمائة وعشرون دينارا كل من أمّن على رقعة خالية من الكتابة بها إمضاء الغير وخان الأمانة بأن ضمّن بها التزاما أو إبراء أو غير ذلك من العقود التي من شأنها توريط ذات أو مكاسب صاحب الإمضاء.
وإذا لم يؤتمن الجاني على تلك الرقعة فإنه يقع تتبعه وعقابه بصفته مدلسا”.
وما يلاحظ أن المشرع قد استعمل هنا لفظ ” مدلسا ” ويفترض هنا ان الكتب ليس رسميا إذ لا يتصور تسليم حجج رسمية على بياض .
اضافة الى ما تقدم فلقد استعمل المشرع شهادات مدلسة التي تستعمل للتكفف فلقد جاء به: …. ويرفع العقاب الى عام لمن ياتي … رابعا : من يتكفف وهو حامل شهادات مدلسة او غير ذلك من الاوراق المدلسة المعدة للتعريف بالاشخاص .
وما يلاحظ مما تقدم أن المشرع قد أعاد بالفصول المذكورة أعلاه المتعلقة بتجريم الزور العبارات التي أوردها بالفصل 172 من م ج وهو النص العام للزور الجزائي في القانون الجزائي التونسي الموصوف وصفا جنائيا والمقترف من موظف عمومي أو شبهه أو عدل، ولقد تشدد المشرع في العقوبة بالفصل 172 في جرائم الزور الموصوفة وصفا جنائيا خاصة تلك التي يقترفها الموظف العمومي أو شبهه أو عدل. وهو تشدد مبرر لصفة مقترف التدليس (أي الموظف العمومي أو شبهه أو عدل سواء كان عدل إشهاد أو تنفيذ) ولطبيعة الشيء محل الزور ومدى تعلقه بتزوير أشياء راجعة للدولة ووثائقها الرسمية وأختامها وطوابعها وعُملتها الوطنية ورقاع الخزينة أو البنوك.
وبما أن المشرع قد تشدد في عقوبة جرائم الزور المقترفة من الموظف العمومي أو شبهه أو عدل فإنه حري بنا أن نبين المقصود بالموظف العمومي كيفما تعرض إلى ذلك المشرع، الذي عرّف الموظف أو شبهه بالفصل 82 من م ج الذي ورد به: “يعتبر موظفا عموميا تنطبق عليه أحكام هذا القانون كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي.
ويشبه بالموظف العمومي كل من له صفة المأمور العمومي ومن انتخب لنيابة مصلحة عمومية أو من تعيّنه العدالة للقيام بمأمورية قضائية.”
وما يلاحظ ان المشرع التونسي قد تعرض في اطار وجوب تحقيق الخصومة المدنية وتهيئة القضية للفصل من قبل المحكمة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية الى الزور المدني ببابها الرابع الذي جاء تحت عنوان ” في الزور ” ولقد ورد بفصلها 234 : الخصم الذي يود اثبات تزوير او تدليس كتب يمكنه القيام بدعوى عارضة اثناء الدعوى الاصلية بطلب الاذن في اثبات الزور وذلك لدى المحكمة الابتدائية او محكمة الاستئناف .
ولقد جاء بالفصل 235 من م م م ت” إن ظهر للمحكمة أن دعوى الزور لا أساس لها أو لا نفع فيها فيما يخص النازلة فتحكم برفضها وإن ظهرت لها جدية الطعن في الكتب فإنها تأذن بإثبات الزور. وإذا أذنت المحكمة بتتبع دعوى الزور يوقف العمل بالكتب المخدوش فيه”
واثبات الزور يكون وفقا لأحكام الفصل 237 من نفس القانون الذي جاء به : ” إثبات الزور يكون بحسب الحالة أما برسوم أو بشهود أو بعرفاء مع إّتباع أحكام الفصول المتعلقة باختبار الكتائب.”
وما يلاحظ من خلال الفصول التي تعرضت للزور بمجلة المرافعات المدنية والتجارية:
– ان المشرع قد اورد لفظ ” تزوير ” و ” تدليس ” بالفصل 234 دون ان يقصد نفس المعنى والدليل على ذلك استعماله حرف العطف ” او ” بينهما.
– انه استعمل لفظ دعوى الزور الجنائي بالفصل 240 من م م م ت وعده من ناحية المبدأ من معطلات النوازل فلقد ورد بذلك الفصل : “في صورة القيام بدعوى الزور الجنائي يعطل الحكم في النازلة إلا إذا رأت المحكمة أن النازلة يمكن الحكم فيها بقطع النظر عن الكتب المخدوش فيه. والحكم الصادر بتعطيل النظر أو بعدم تعطيله قابل للاستئناف.”
وما يستخلص من خلال احكام ذلك الفصل ان المحكمة غير ملزمة مطلقا بوقف نظرها في النزاع بمجرد التمسك بوجود تشكي جزائي اذ لها السلطة التقديرية في ذلك خاصة وان التمسك باثارة الدعوى الزور الجزائي قد يكون الهدف منها المماطلة واطالة امد نشر الخصومة
وفي الحقيقة فإن المشرع لم يفرق بالمجلة الجزائية بين مصطلح الزور والتدليس. ولقد استعمل كلاهما في نفس المعنى في عدة فصول كما سلف ولعل ذلك هو الذي جعله يستعمل المصطلحين بالفصل 234 المشار إليه أعلاه.
والواقع أن اختلاف المصطلح هنا لا يغير في طبيعة الأشياء إذ لا نزاع أن المشرع قد حدد الجرم المكون للزور وعقابه وتشدد في ذلك حسب تكييف الفعل بجنحة أو جناية وصفة مرتكبه والمسلط عليه الزور.
إضافة إلى ما سلف، فالثابت كذلك أنه وإن اختلف المصطلح بين زور وتدليس فإنهما يتفقان في أنهما وردا للدلالة على تغيير الحقيقة للإضرار بالضحية.
ولقد استعمل المشرع كذلك لفظ الزور في فصول أخرى من المجلة الجزائية للدلالة على مخالفة الحقيقة من ذلك ما جاء بفصلها 243: ” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا كل من يتعمّد أداء شهادة زور أو يمين باطلة في قضية مدنية.
ولا عقاب على الشاهد بالزور الذي يرجع في شهادته قبل الحكم في القضية إلا إذا كان الباعث على ذلك عطايا أو وعودا”.
كما ورد ايضا بالفصل 244 من نفس القانون أن “الإنسان الذي يحمل أو يجبر شاهدا على الشهادة بالزور يعاقب بالعقوبات المقرّرة للشاهد بالزور.”
وما يستدعي الإنتباه أن عمل المحاكم وما درج عليه فقه القضاء قد استقر على استعمال لفظ تدليس للدلالة على الزور الموصوف جناية وافتعال أو إقامة صك فيما يتعلق بالزور الذي لا يتجاوز الجنحة.
والجدير بالملاحظة ان جرائم الزور قد تعددت صلب المجلة الجزائية واختلف وصفها القانوني حسب طبيعة المحرر وحجيته وصفة مقترف الزور وطبيعة الشيء المسلط عليه وطريقة الزور سواء كان ماديا أو معنويا أو إلكترونيا.
ورغم خطورة العقوبات التي نص عليها المشرع لزجر جرائم الزور الموصوفة وصفا جنائيا فإنه بدراسة متأنية للأحكام الصادرة بالإدانة في تلك الجرائم يلاحظ أن تباينا كثيرا وخطيرا قد اتسمت به على مستوى تكييف الزور ولقد خلطت محكمة التعقيب في ذلك وعدّت زور كتائب غير رسمية من قبيل الجنايات رغم انه وكما سنرى جنحة.
ولقد تضاربت محكمة التعقيب في قراراتها وهي محكمة القانون وهو تضارب يظهر في جرائم الزور والنص المطبق عليها ومتى تكون جنحا أو جنايات وذلك في قراءات مختلفة لأحكام الفصلين 199 و 172 من م ج وهو أمر على غاية من الخطورة للطبيعة الزجرية للقانون الجزائي الأمر الذي يجعل من التعرض إلى ذلك على غاية من الأهمية.
ولدراسة ذلك سنتولى التعرض إلى أركان جريمة الزور المتمثلة في ركنها المادي والمعنوي وركن الضرر لعلنا نساهم بذلك في إبراز ما هو مطلوب من المشرع والمحاكم، فتضارب محكمة التعقيب في قراراتها أمر لا يمكن أن يستساغ مطلقا خاصة من دوائرها المجتمعة التي ظلت قراراتها بخصوص تعريف الزور غير ذات قيمة ولم تضبط معيارا واضحا للتفرقة بين الجنح والجنايات ناهيكم أن المجلة الجزائية قد صدرت منذ ما يزيد عن قرن ولم يصدر في غضونها إلا قراران عن الدوائر المجتمعة يتعلقان بتدليس كمبيالة وعدّت ذلك جناية رغم ان كثيرا من قراراتها قد عدت ذلك جنحة .
و جريمة التدليس تقتضي تحديد أركانها )الفقرة الأولى( و عقوبتها ) الفقرة الثانية(
الفقرة الثانية: أركان جريمة التدليس
تقتضي جريمة التدليس توفر الركن المادي )أ( و الركن المعنوي ) ب(
أ- الركن المادي لجريمة الزور :
اضافة إلى وجوب توفر الركن الشرعي لأي جريمة المتمثل في نص سابق الوضع ينص على تجريم الفعل وعقابه، فإنه يتحتم علاوة على توفر الركن المعنوي للجريمة توفر ركنها المادي الذي يغني انعدامه عن الخوض في مدى توفر ركنها المعنوي من عدمه كما أنه لا يُتصور الحديث عن جريمة وتتبع وإدانة مقترفها بانعدام ركنها المادي، لذلك فإن التعرض إليه هنا في جرائم الزور أمر حتمي .
ويعرّف شراح القانون الركن المادي لأي جريمة ويشترطون كما تقدّم توفره لمؤاخذة المتهم بالقول: “الركن المادي للجريمة هو مظهرها الخارجي أو كيانها المادي أو هو الماديات المحسوسة في العالم الخارجي كما حددتها نصوص التجريم فكل جريمة لا بد لها من ماديات تتجسد فيها الإرادة الإجرامية لمرتكبها.
ويلزم لقيام الركن المادي أن يصدر عن الجاني سلوكا إجراميا معيّنا وقد يكتفى بهذا السلوك بالنسبة لبعض الجرائم وقد يتطلب الركن المادي بالنسبة لفئة أخرى من الجرائم إلى جانب السلوك تحقق نتيجة إجرامية معينة
ويُعرّف الركن المادي أيضا بأنه “إتيان عمل مخالف للقانون أي القيام بعمل مادي يجرمه القانون إذ لا يمكن مبدئيا تجريم مجرد النوايا لصعوبة الوقوف عليها وتجنب التخمين”
وفي تعريف آخر يقول بعضهم انه “يُقصد بالركن المادي للجريمة ما يدخل في بنائها القانوني من عناصر مادية ملموسة يمكن إدراكها بالحواس… ويشتمل هذا الركن المادي على ما يلي: السلوك (فعلا كان أم مجرّد امتناع)، ويرد هذا السلوك على محل… ويترتب عليه نتيجة معينة على نحو يعتبر فيه هذا السلوك سببا في إحداث هذه النتيجة وصلة السببية وهذه هي العناصر العامة لكل جريمة مع مراعاة أن هنالك من الجرائم ما لا تعد النتيجة عنصرا لازما في ركنها المادي وهو ما يعرف بجرائم السلوك المجرد أو الجرائم الشكلية… وبالتالي تقوم مثل هذه الجريمة بمجرد السلوك المكون لها فحسب”.
وفي تعريف آخر للركن المادي يقول أحد شراح القانون أنه تجسيد للحالة النفسية والباطنية للفاعل لأنه ينقل الفكر الباطني إلى العالم الخارجي بماديات الجريمة، فالفعل لا يكتسب الصفة الجرمية المنصوص عليها في القانون إلا إذا تبلور بعمل مادي ينطبق على المواصفات الجرمية التي نص عليها القانون
- الركن المادي لجرائم الزور المسلط على الكتائب:
تتعدد الكتائب التي يمكن أن يسلط عليها التزوير كما ان الفعل المادي المكون لجريمة التزوير يجب ان يكون محل تنصيص على تجريمه من المشرع كلما تمت الإشارة إلى ذلك، وسنتولى التعرض هنا إلى أنواع الكتائب والوثائق وما قد يسلط عليها الزور بصفة عامة. - الكتائب غير الرسمية (الكتائب العادية):
وتسمى كذلك المحررات العرفية والسندات العادية او السندات ذات التوقيع الخاص فهي مصطلحات لمعنى واحد في التشريعات العربية
ولقد اقتضى الفصل 449 من م ا ع : الكتب الغير الرسمي إذا اعترف به الخصم أو ثبتت صحته قانونا ولو بغير الاعتراف اعتمد ككتب رسمي بالنسبة للطرفين وغيرهما في جميع ما تضمنه من شرط وحكاية حسبما هو مقرر بالفصل 444 والفصل 445 عدا ما يخص التاريخ كما سيذكر.
ويمكن أن تعرف الحجة غير الرسمية بأنها تلك التي تنشأ من قبل عموم الناس دون أن يتدخل الموظف العمومي في إضفاء الصبغة الرسمية عليها. ويمكن القول بأن الكتب العادي ينشأ دون تدخل السلطة العمومية كما سلف، فالموظف العمومي أو شبهه لا يتلقاها.
وعملا باحكام الفصل 450 من م ا ع فان الكتائب العادية اي غير الرسمية لا تكون حجة على الغير الا من تاريخ تسجيلها بقباضة المالية ولقد اقتضى الفصل المذكور كذلك تاريخ الاحتجاج بها : تاريخ الكتب الغير الرسمي معتبر بين المتعاقدين وورثتهم ومن انجر لهم حقوق منهم بصفة خاصة وبالنيابة عن مدينهم. ولا يكون التاريخ المذكور حجة على الغير إلا من التواريخ الآتية :
ـ من يوم تسجيل الكتب بتونس أو بالبلاد الأجنبية.
ـ من يوم إيداع الكتب تحت يد المأمور العمومي (كالعدل ونحوه).
ـ من يوم الوفاة أو من يوم العجز الثابت إن كان الذي أمضى الحجة بصفة كونه عاقدا أو بصفة كونه شاهدا قد توفي أو عجز عن الكتابة عجزا بدنيا.
ـ من تاريخ الاطلاع على الكتب أو من تاريخ التعريف به من المأمور العمومي المأذون بذلك أو من حاكم بتونس أو بالبلاد الأجنبية.
ـ من يوم تضمين الكتب بالعقد المحرر من المأمور العمومي المأذون بذلك بتونس أو بالبلاد الأجنبية.
ـ إذا كان التاريخ ناتجا من بينات أخرى يترتب عليها الثبوت التام. ومن انجر له حق من أحد الطرفين على وجه خاص يعتبر كالأجنبي فيما يتعلق بمضمون هذا الفصل إذا لم يكن قيامهم في حق مدينهم.
وتلك الكتائب أو الوثائق أو الشهادات بصفة عامة التي قد تكون محل تزوير عديدة وسنتولى التعرض للبعض منها:
*الوثائق والتعهدات ورخص السفر:
نص المشرع على ذلك في عدة فصول من المجلة الجزائية من ذلك ما عدده الفصل 193 م.ج. ويتمثل الركن المادي هنا في:
– اصطناع جواز سفر للخارج
– إصطناع رخصة جولان داخل التراب التونسي
– اصطناع مضمون من بطاقة السوابق العدلية
*إفتعال شهادة طبية من غير طبيب يُضمّن بها المتهم صاحب المصلحة سقوط بدني:
نصت على ذلك أحكام الفصل 196 من م.ج. الذي ورد به: “الإنسان الذي بقصد التخلص من أي خدمة عمومية كانت أو لاستخلاص غيره منها أو بقصد الحصول على إعانات أو غير ذلك من الفوائد يفتعل بإسم طبيب أو جراح شهادة مدلسة بالسقوط أو بالمرض يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام. “
*تسليم طبيب شهادة طبية مزورة:
نص المشرع على تلك الجريمة بالفصل 197 من م.ج. الذي اقتضى أنه “يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ألف دينار كل شخص يمارس مهنة طبية أو شبه طبية يدلي على سبيل المجاملة بشهادة تتضمن وقائع غير صحيحة تتعلق بصحة شخص أو يخفي أو يشهد زورا بوجود مرض أو عجز أو حمل غير حقيقي أو يذكر معلومات كاذبة حول مصدر مرض أو عجز أو سبب موت.
ويرفع العقاب إلى خمسة أعوام والخطية إلى خمسة آلاف دينار إذا طلب أو قبل الشخص في إطار ممارسة المهنة الطبية أو شبه الطبية لنفسه أو لغيره مباشرة أو بواسطة مبذولات أو وعود أو عطايا أو هدايا أو منافع مقابل إقامة شهادة تتضمن وقائع مادية غير صحيحة.”
وما يلاحظ أن العقاب جاء مخففا هنا ولم يفرّق المشرع في هذا الفصل بين الطبيب الذي يباشر بالقطاع العام وذلك الذي يباشر بالقطاع الخاص رغم أن الطبيب الذي يباشر في القطاع العمومي يعد موظفا عموميا وكان على المشرع أن يتشدد في العقوبة خاصة وأن الشهادة الكاذبة التي يسلمها الطبيب هنا هي شهادة تحمل ختم السلطة العمومية وبما أن المشرع لم يفرق في ذلك فعبارة القانون تجري على إطلاقها عملا بأحكام الفصل 533 م.إ.ع. الذي ورد به ” إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها.”
*تزوير دفاتر النزل والمحلات المشابهة لها في النشاط:
يفترض في هذه الجريمة أن صاحب النزل أو الإقامات التي تؤجر للحرفاء للاقامة قد سجّل بالدفتر المحمول عليه مسكه والخاضع لمراقبة مصالح الأمن هوية غير هويتهم الحقيقية وقد يكون هدفه من ذلك الحيلولة دون تتبعهم.
ولقد تعرض المشرع للجريمة المذكورة أعلاه بالفصل 198 م.ج
*إفتعال شهادة حسن السيرة والإحتياج أو الشهائد الرامية إلى قضاء بعض المآرب ذات المنفعة وإعداد وثائق غير مطابقة للواقع:
نص المشرع على تلك الجريمة بالفصل 199 من م.ج. الذي جاء به:
“يعاقب بالسجن مدة عامين كل من يفتعل باسم موظف عمومي شهادة في حسن السيرة أو في الاحتياج أو غير ذلك من الشهادات التي من شأنها استجلاب رأفة الدولة أو أفراد الناس أو الحصول على الاستخدام أو الاقتراض أو الإعانات.
وتنطبق نفس العقوبة :
أولا : على من يتعمد استعمال شهادة مدلسة،
ثانيا : على من يدلس شهادة من هذا النوع أصلها صحيح.
وإذا كان افتعال الشهادة باسم غير الموظف العمومي فالافتعال أو الاستعمال يعاقب مرتكبه بالسجن مدة ستة أشهر.
ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى عامين وبخطية من أربعين إلى أربعمائة دينار أو بإحدى العقوبتين فقط بقطع النظر عن تطبيق العقوبات الأشد المنصوص عليها بهذه المجلة وبالنصوص القانونية الخاصة عند الاقتضاء:
أولا: كل من يتعمّد إقامة شهادة أو صك نصّ فيه على أمور غير حقيقية بصفة مادية،
ثانيا: كل من يدّلس أو يغيّر بأي كيفية كانت شهادة أو صكا أصلهما صحيح،
ثالثا : كل من يستعمل عمدا شهادة أو صكا غير حقيقي أو مدّلسا”
وما يلاحظ في هذا الفصل ان المشرع قد نص على تجريم افتعال الكتب أو صنعه أو استعماله ولقد بيّن فقه القضاء المقصود بالصكّ الذي نص فيه على أمور مادية لا صحة لها في الواقع إذ تقول محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة في ذلك:
“ان “كلمة “صك” التي تم استعمالها من المشرع في اطار الفصل 199 من المجلة الجزائية لا تعني “الأوراق التجارية” بالمعنى القانوني ” les effets de commerce ” إنما يقصد بها الشهادة “le certificat ou l’attestation”
يتضح مما سلف:
1- أن هذه الكتائب التي قد تكون محلّ تزوير مادي هي كتائب عادية ضرورة:
· أنها لا تحمل أختام السلطة العمومية
· أن الموظف العمومي أو شبهه أو العدل المنفذ أو الإشهاد لا يتدخل في افتعالها أو إقامتها وبخلاف ذلك يكون التتبع والتجريم مناط الفصل 172 من م.ج
· أن محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة قد فرّقت بين الكتب الرسمي وغير الرسمي بقرارها عدد 7250 الصادر بتاريخ 22/02/2007، فلقد ورد به حرفيا في ذلك “يكون الكتب رسميا ان تم تحريره من مأمور عمومي أو شبهه في نطاق أعماله أو يكون غير رسمي لأنه حُرّر من غير الموظف العمومي أو من ينزل منزلته”
وما يلاحظ هنا انه كان عليها التقيد بذلك وترتب اثره في التفرقة بين التدليس وجنح الزور غير ان القرارات الصادرة عنها بدوائرها المجتمعة تذهب الى خلاف ذلك كما سنرى
2- أن ما جاء بالفقرة الرابعة من الفصل 199 من المجلة الجزائية المتعلقة بتجريم… “من يتعمّد إقامة شهادة أو صك نصّ فيه على أمور غير حقيقية ” هو ما عناه المشرع كذلك بالفصل 172 من نفس القانون الذي أبرز الفعل المادي لجريمة التزوير الموصوفة وصفا جنائيا والمقترفة من موظف عمومي أو شبهه أو عدل ويتعمد صنع كتب أو عقد مكذوب.
- الكتائب الرسمية:
إن الزور المنصوص عليه بالفصل 172 من م.ج الصادر عن موظف عمومي أو شبهه أو عدل يقع حتما على كتب له حجيته الرسمية في الإثبات، فهو محرر من موظف عمومي أو شبهه ويحمل ختم السلطة العمومية كما سلف كما يمكن ان يصدر عن مامور عمومي -علاوة على من ذكر- اي عدل اشهاد او عدل تنفيذ .
والملاحظ أن المشرع الفرنسي قد عدّ الوثائق والكتائب والشهائد الصادرة عن البنوك والأوراق التجارية بمثابة الكتائب الرسمية فيما يتعلق بعقوبة تزويرها غايته في ذلك المحافظة على مصداقيتها وتعزيز الثقة فيها
ولقد عرّف المشرع التونسي بالفصل 442 من م.إ.ع الحجة الرسمية بأنها الحجة التي يتلقاها المأمورون المنتصبون لذلك قانونا في محل تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون.
ويستخلص من ذلك أنه يتحتم توفر ثلاثة شروط حتى يعدّ الكتب الذي سُلط عليه تزويرا كتبا رسميا، وهي:
· وجوب تلقيها أو صدورها من موظف أو من في حكمه قانونا
· أن تكون ضمن اختصاصه
· أن تُحرّر الحجة وفقا لنص القانون
ولقد ورد بفقه القضاء عن طبيعة المحرر الذي يمكن أن يكون محل تزوير: “ان جريمة الفصل 172 م.ج تتطلب لقيامها المسّ بجوهر كتب يكتسي صبغة رسمية للإثبات وإدخال تغيير على محتواه بما من شأنه إحداث ضرر عام او خاص عن إدراك تام ونية واضحة في حين أن إدخال تغيير على تاريخ وصل مطلب استئناف لا يمكن أن يرتقي إلى حدود الفصل المذكور المتعلق بالتدليس”
ولقد ذهبت محكمة التعقيب إلى ذلك في هذا القرار رغم أن وصل الإستئناف يحمل ختم سلطة قضائية وقد تكون تأثرت هنا بوجوب أن يكون محل التدليس عقدا أو كتبا رسميا غير الشهادة الإدارية.
ويلاحظ أنه أثير جدل قانوني بين شراح القانون على تكييف الزور الذي قد يقع بواسطة بطاقة الإئتمان البنكية إذ يرى بعضهم بأن “استعمال بطاقة إئتمان إلكترونية مزورة يشكل جريمة استعمال محرر مزور، وذلك لتوافر أركان هذه الجريمة في الواقعة، فموضوع الجريمة يرد على محرر مزور، وهو هنا بطاقة الإئتمان الإلكترونية المزورة، كما يشترط في النشاط المادي لجريمة استعمال محرر مزور ان يحتج بالمحرر المزور على أنه صحيح، وهو ما حدث في هذه الواقعة، حيث استعملها حائزها سواء أكان ذلك في السحب أو الوفاء، كما يشترط أن ينخدع التاجر او الجهاز الآلي بها، وهو ما حدث بالفعل، حيث تمكن من السحب أو الوفاء بعد استعانته بالبيانات التي تضمنتها البطاقة المزورة للتأثير على التاجر من أجل قبول تلك البطاقة في الوفاء.
فضلا عن تحقق القصد الجنائي لدى مستعمل بطاقة الإئتمان الإلكترونية فهو يعلم بأنها مزورة وتنصرف إرادته إلى استعمالها فيما زُورت من أجله”
وما يلاحظ أن المشرع التونسي قد سكت عن التدليس الذي قد يقع بواسطة بطاقات الإئتمان البنكية.
والملاحظ ان المحاكم الموضوع وكذلك محكمة التعقيب لم يستقر اجتهادها على اي رأي فيما يتعلق بالزور الذي يسلط على كتائب عادية لا ترتقي في حجيتهما إلى الحجة الرسمية
ولقد تضارب فقه القضاء تضاربا صارخا بما في ذلك القرارات الصادرة عن محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة بخصوص مدى اعتبار تدليس الكتائب العادية غير الرسمية جناية او أنه لا يخرج عن مناط احكام الفصل 199 من م ج اي انه جنحة ولقد انقسم فقه القضاء الى اتجاه لا يفرق بين الزور المسلط على الحجج الرسمية وغير الرسمية فكلها يمكن أن تشكل جنايات زور واتجاه آخر اعتمد حجية الكتب باعتباره حجة رسمية أو كتبا عاديا للتفرقة في تكييف الزور فهو جنحة اذا تسلط على حجة غير رسمية ويصبح جناية تدليس اذا كان مسلطا على حجة رسمية وصدر التدليس من موظف عمومي أو شبهه أو عدل:
الاتجاه الاول : التدليس جناية بغض النظر عن طبيعة الشيئ المسلط عليه الزور رسمي أو غير رسمي:
تبنت ذلك محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة وحجتها في ذلك أن الكتب قد أنشأ حقا وأضر بالغير وعليه فالجرم المقترف جناية ومن القرارات التي نهجت ذلك:
*القرار عدد 7250 الصادر عن الدوائر المجتمعة بتاريخ 22/02/2007 الذي جاء بحيثياته عن اعتبار تدليس الكمبيالة بمثابة الجناية:
“ان الكمبيالة لا تختلف عن العقود الرسمية والخطية إلا بسرعة تحريرها وقابليتها للتداول حرصا من المشرع على تسهيل المبادلات التجارية مما يجعل تدليسها يدخل ان حصل من غير الموظف العمومي في نظاق عمله تحت طائلة أحكام الفصل 175 من م.ج.
ولئن شدد المشرع التونسي في عقاب المحررات الرسمية مقارنة بالعقاب الذي سنه للمحررات غير الرسمية فإنما غايته في ذلك ضمان مصداقية الإدارية وحماية قراراتها من كل تلاعب لا غير.
وإن ما سبق بيانه يؤدي الى استبعاد تطبيق أحكام الفصل 199 من المجلة الجزائية على صورة تدليس الكمبيالة باعتبار أن الفصل المذكور يتناول أمر الشهادات الإدارية الواقع افتعالها باسم موظف عمومي. إذ أن “كلمة “صك” التي تم استعمالها من المشرع في اطار الفصل 199 من المجلة الجزائية لا تعني “الأوراق التجارية” بالمعنى القانوني ” les effets de commerce ” إنما يقصد بها الشهادة “le certificat ou l’attestation”
*القرار عدد 33530 الصادر بتاريخ 15/06/1995 عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب الذي ورد به في المعنى نفسه حول الأخذ بالزور الذي قد يطال الكتب العادي:
“إن لفظة الكتب في جريمة الزور الوارد بها الفصل 172 من م.ج جاءت عامة دون حصر في نوع معين من الكتائب خلافا لما جاء بنصوص أخرى وبذلك فإن كل كتب ينشئ حقا او يثبته يمكن ان يكون موضوعا لجريمة الزور المنصوص عليها بالفصل المذكور.
إن الشهادة البنكية المحدثة بقانون الصرف والمرماة الآن بالزور تمثل تصريحا منافيا للحقيقة وهو ما يدخل ضمن التدليس المعنوي الخاضع لمضمون الفصلين 172 و 175 من م.ج.”
ومن القرارات الصادرة عن دوائر منفردة لمحكمة التعقيب التي عدّت تدليس الكتائب العادية جناية يمكن أن نورد ما يلي:
*القرار عدد 98252 الصادر بتاريخ 26/11/1998 الذي ورد به:
“المقصود بالكتب المدّلس هو كل محرر ينشئ حقاّ أو يثبته و ليس من الضرورى أن يتعلق الأمر بكتائب رسمية يحرّرها الموظفون أو شبههم أو العدل و تبعا لذلك فان تعمد المتهم تحرير كمبيالة بتضمينها بخطّ يده تاريخ إنشائها و تاريخ حلولها و اسمه كمستفيد و اسم المتضرر كمسحوب عليه و مبلغ مالي و ختمها بإفتعال إمضاء المتضرر يكون قد أنشأ كتبا مدلّسا و لا تعتبر تلك الأفعال من قبيل تعمّد إقامة صك نص فيه على أمور غير حقيقة بصفة مادية.”
وهذا القرار اعتمد معيار إنشاء حق بالكتب المزور وإلحاق ضرر بالضحية ليجعل زور كتب عادي جناية وتبنى لذلك ما ورد بالقرار التعقيبي الجزائي عدد 33530 الصادر بتاريخ 15 جوان 1995 المشار إليه أعلاه الصادر عن الدوائر المجتمعة.
*القرار عدد 94593 الصادر بتاريخ 6 ماي 1998:
جاء به “إن المقصود بكلمة كتب الواردة بالفصل 172 من ق.ج هو كل وثيقة منشئة و مثبتة للحق فدفتر الادخار وبطاقات السحب والايداع تمثل وثائق أي كتائب منشئة و مثبتة لحق الحرفاء الذين أودعوا أموالهم لدى البنك وقيام موظّف البنك المباشر لعمله بتدليس أي وثيقة من الوثائق المذكورة يجعله مؤاخذا وفق احكام الفصل القانوني المذكور.”
*القرار عدد 98173 الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1998:
ولقد ورد به “ان لفظة الكتب ي جريمة التزوير هي لفظة عامة ولذلك تؤخذ على إطلاقها وتشمل تبعا لذلك جميع الكتائب التي تنشئ حقا أو تنفيه ولا فرق في ذلك بين المحررات الرسمية الصادرة عن الموظف العمومي او شبهه أو عن العدل أثناء مباشرتهم لوظيفتهم أو المحررات المدلسة الواقعة من غير الموظفين والفرق يكمن في العقاب الذي يكون أشد بالنسبة للموظف والعدل محرر الكتائب حماية لمصداقيتها وللسلطة التي يمثلانها.”
*القرار عدد 22907 الصادر بتاريخ 24 نوفمبر 2007:
“إنّ التّدليس لا يتعلّق بالوثائق الرّسميّة فحسب بدليل أنّ الفصل 172 من م.ج أخضع السندات الإلكترونيّة لجريمة التّدليس والحال أنّ الوثيقة الإلكترونيّة تُعدّ كتبا غير رسمي على معنى الفصل 453 مكرّر من مجلّة الإلتزامات والعقود.”
الاتجاه الثاني : زور الحجج غير الرسمية : جنحة :
نصت في الحقيقة كثير من القرارات الصادرة عن محكمة التعقيب على ان زور الكتائب غير الرسمية يظل جنحة ومن ذلك القرارات يمكن ان نشير الى ما يلي :
* القرار عدد 49304 الصادر بتاريخ 22 جانفي 2004:
جاء به “إن الكمبيالة ليست من الحجج الرسمية ولا يتدخل في إقامتها الموظف العمومي او شبهه او العدول وعليه فتدليس الكمبيالة لا يدخل تحت طائلة الفصل 172 وما بعده من المجلة الجنائية إنما هي من مشمولات الفقرة الثانية من الفصل 199 من نفس المجلة باعتبار ان الكمبيالة هي مجرد صك يتدخل في تحريرها وإقامتها عامة الناس”.
*القرار عدد 84485-83947 الصادر بتاريخ 12/أكتوبر/2011 :
ورد بذلك القرار: “بالرجوع الى فقه القضاء المستقر يتضح ان الاذن بالتحويل الصادر عن المتهم لا يمكن ان يدخل تحت طائلة التعريف الوارد بالفصل 172 من م ج للعقود والكتائب الرسمية منها وغير الرسمية وانما هو مجرد شهادة ادارية تصدر عن المؤسسات البنكية وتنطبق عليها التعريف الوارد بالفصل 199 الذي وصفها بالصكوك او الشهادات”.
ومن القرارات التي عدت كذلك تدليس الكتائب غير الرسمية لا يشكل جناية ولا تنطبق عليه أحكام الفصل 172 من م ج القرارات التالية:
*القرار عدد 7461 الصادر بتاريخ 10 مارس 1997
“إن أحكام الفصلين 172 و175 من م ج لا تنطبق إلا على تدليس الحجج الرسمية أو المحررات العمومية التي يحررها الموظفون العموميون أو شبههم ولا تسلط على الكتا\ب العرفية ومنها الأوراق التجارية بما أنها صكوك تثبت معاملات أو إقرار بالمديونية أو غيرها ولذا يخضع تزويرها أو افتعالها لأحكام الفصل 199 من المجلة الجنائية”
ويمكن أن نستخلص مما تقدم ما يلي:
1- أن محكمة التعقيب قد عدّت كل كتب يمكن أن ينشئ حقا ويلحق ضررا بالمسلط عليه الزور يشكل جناية بغض النظر عن صبغته الرسمية من عدمه
2- أن محكمة التعقيب قد سقطت في الكثير من التضارب في قراراتها بخصوص التفرقة بين الكتائب العادية والحجج الرسمية ناهيك أن الأوراق التجارية كالكمبيالة يعد تدليسها جناية حسب بعض القرارات كما تقدم وتعد على خلاف ذلك في قرارات أخرى
3- أن محكمة التعقيب لم تضع معيارا دقيقا في التفرقة بين زور الكتائب العادية والزور الذي قد يتسلط على تلك التي تعد حججا رسمية وفق أحكام الفصلين 442 و 444 م.إ.ع
4- أن فقه قضاء محكمة التعقيب قد شابه خلط بين الزور الموصوف وصفا جنائيا وذلك الذي يظل جنحة
5- أن ما يتسم به فقه قضاء محكمة التعقيب من تضارب أمر غير محمود وعلى غاية من الخطورة فالنصوص الجزائية لا تحتمل الإجتهاد والتأويل لما في ذلك من مساس بحرية الأفراد ومصلحة المتهم الشرعية
6- أنه يفترض في تأويل نصوص القانون أن تُفسّر وتُأوّل لصالح المتهم وفقا لأحكام الفصلين 199 من م.إ.ج و541 من م.إ.ع الذي جاء به:”إذا أحوجت الضرورة لتأويل القانون جاز التيسير في شدته ولا يكون التأويل داعيا لزيادة التضييق أبدا”.
7- إن المتمعن في القرارات الصادرة عن محكمة التعقيب المشار إليها أعلاه في التفرقة بين الزور الجناحي والزور الجنائي في المادة الجزائية يلاحظ أنها عكّرت حالة المظنون فيه بالتشدد في تأويل نصوص زجرية على غاية من الخطورة والصرامة مقارنة بالقوانين المقارنة ناهيك أن العقوبة في الزور الجنائي هي بقية العمر وفق الفصل 172 من م ج وهي عقوبة نص عليها في جرائم زور أخرى كما هو الحال فيما يتعبق بتقليد طابع السلط العمومية المنصوص عليه بالفصل 179 من نفس القانون.
8- أن محكمة التعقيب قد أخطأت في تأويل أحكام الفصل 172 من م ج وجاء تعميم جناية الزور على كافة الكتائب الرسمية وغير الرسمية فاقدا لسنده القانوني ولو سلمنا بما انتهت إليه محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة في قرارين عدت بمقتضاهما جناية التدليس ثابتة لمجرد أن الكتب المسلط عليه الزور قابل لإنشاء حق فيه وينجم عنه ضرر فإنه يجب أن تلغى أحكام الفصل 199 م ج خاصة وأن الأفعال المادية التي قد تشكل جناية الزور بالفصل 172 يمكن أن يستوعبها الفصل 199 المذكور وما يميزه عن الفصل 172 المشار إليه:
-صفة مقترف الزور فهو إما موظف عمومي أو شبهه أم عدل
-صبغة محل التزوير إذ لا يمكن أن يتصور إلا أن يكون حجة رسمية بما أنه صادر عن مأمور عمومي ولا يمكن أن يكون مقترف الزور بالفصل 199 م ج إلا أنها ليست له صفة المأمور العمومي.
9- أن اعتبار محكمة التعقيب كافة الكتائب عرضة للزور الجنائي من غير الموظف العمومي أو شبهه أو عدل رغم عدم صبغتها الرسمية يتعارض مع فلسفة المشرع الذي تشدد في العقوبة ولا يمكن أن يتصور أن تدليس وصل خلاص أو فاتورة يكون عرضة لعقاب بقية العمر مما يعني قطعا أن الإحالة والتتبع والتجريم على فرض وجود جريمة يجب أن تظل مناط الفصل 190 م ج.
10- أن ما انتهى إليه القرار التعقيبي الجزائي عدد 22907 الصادر بتاريخ 24/11/2007 من ان “التدليس لا يتعلّق بالوثائق الرّسميّة فحسب بدليل أنّ الفصل 172 من م.ج أخضع السندات الإلكترونيّة لجريمة التّدليس والحال أنّ الوثيقة الإلكترونيّة تُعدّ كتبا غير رسمي على معنى الفصل 453 مكرّر من مجلّة الإلتزامات والعقود” لا يستقيم ضرورة أن تلك قراءة خاطئة لأحكام الفصل 172 م ج، فالثابت ان محكمة التعقيب قد غفلت:
- عن صفة الفاعل بالفصل 172 المذكور الذي قد يكون عرضة للعقاب في التدليس الإلكتروني بما أنه حصرا موظف عمومي أو شبهه أو عدل.
- كما غفلت عن الفصل 175 م ج الذي جرم الزور المقترف من غير الأشخاص المنصوص عليهم بالفصل 172 من نفس القانون وعدّ العقاب خمسة عشر عاما وعليه فإنه لا يمكن أن ينهض ذلك حجة للتمسك بإمكانية اعتبار تدليس الحجج غير الرسمية جناية، إذ يفترض لتطبيق الفصل 175 المذكور أن المسلط عليه الزور حجة رسمية.
11- أن المحاكم وخاصة محكمة القانون يجب أن تتقيد في التفرقة بين الزور الجنائي والزور المسلط على الكتائب غير الرسمية كما تقدم بصفة المحرّر وصفة محرره، فلقد جاء في ذلك المعنى بقرار تعقيبي جزائي: “إن أحكام الفصلين 172 و175 من م ج لا تنطبق إلا على تدليس الحجج الرسمية أو المحررات العمومية التي يحررها الموظفون العموميون أو شبههم ولا تسلط على الكتائب العرفية ومنها الأوراق التجارية بما أنها صكوك تثبت معاملات أو إقرار بالمديونية أو غيرها ولذا يخضع تزويرها أو افتعالها لأحكام الفصل 199 من المجلة الجنائية”
وبالتوازي مع ذلك ورد في قرار آخر: “إن التدليس المقصود بالفصل 172 ق ج لا يخص العقود والكتائب المتعلقة بالإلتزامات والإبراء فقط وإنما لكل كتب أو وثيقة أو دفتر حرره الموظف العمومي في نطاق وظيفته فالعبرة بصفة المحرر وليس بنوعية المحرر”
12- ان فقه قضاء محكمة التعقيب خاصة بدوائرها المجتمعة لم يؤسس مطلقا معيارا للتفرقة بين الزور في الجنح والجنايات وجاء بمعيار فضفاض اساسه فقط إنشاء حق والإضرار بالمدلس عنه وهو معيار لا يختلف فيه الزور الموصوف جناية او جنحة
13- ان فقه قضاء محكمة التعقيب قد أهمل ما اعتمدته التشاريع المقارنة التي ارست تفرقة راسخة في اعتبار الزور الجنائي لا يسلط إلا على المحررات الرسمية. - الركن المادي المكون لجريمة تزييف وتغيير العملة:
جرّم المشرع ذلك بالفصول من 185 إلى 192 من م.ج التي وردت تحت عنوان “في تدليس وتغيير العملة”
ولقد جاءت العقوبات التي يمكن أن تسلط على المظنون فيه الذي يتولى تدليس وتغيير العملة الورقية الرائجة بالبلاد قاسية إذ قد تصل إلى السجن بقية العمر يفسر ذلك بخطورة الفعل المقترف لما قد يُلحقه من آثار وخيمة على الإقتصاد.
وجاءت العقوبات المتعلقة بتدليس وتغيير العملة المعدنية المتداولة بالبلاد التونسية أقلّ شدّة لجريمة التدليس بما أنها خمسة عشرة عاما
ولقد اشترط فقه القضاء وجوب عدم الخلط بين تدليس العملة الورقية والمعدنية وعدت خلاف ذلك خرقا للقانون وضعفا في التعليل وتصورا في التسبيب مثلما جاء حرفيا بالقرار التعقيبي الجزائي عدد 90530 الصادر بتاريخ 05/04/2012 (غير منشور )
ولقد طال التجريم بالفصول المذكورة أعلاه كذلك:
– من يدلس أو يغير العملة الأجنبية القابلة للتداول
– وكذلك رقاع البنوك التونسية أو الأجنبية
يتضح من خلال الفصول المذكورة أعلاه أن الفعل الإرادي المكون للجرائم المتعلقة بالعملة سواء كانت وطنية او أجنبية وكذلك تدليس رقاع البنوك يمكن أن يقع في إحدى الصور التالية:
1- بالتدليس أي تزوير العملة أو التقليد ويراد بتدليس العملة بصفة عامة تغيير الحقيقة فيها كما هو الحال في اي فعل مادي مكوّن لتلك الجريمة وقد يكون ذلك بآلات حديثة تجعل العملة المدلسة سواء بالتقليد او التغيير شبيهة بالعملة الرائجة في البلاد التونسية، الأمر الذي ينخذع به المرء، وما يلاحظ أن بعض المحاكم قد عدّت أحيانا تزييف العملة من قبيل التحيل المجرم بالفصل 291 م.ج لانعدام الركن المادي لجريمة تدليس العملة خاصة متى كان تقليد العملة أقرب منه إلى جريمة التحيل ظاهرا كما هو الحال عند تصوير أوراق نقدية بصفة غير متقنة وسهلة الانكشاف كما سنرى والمسالة محل جدل من قبل شراح القانون ولم يستقر فقه القضاء في شانها .
2- بتغيير العملة الذي قد يظهر من الزيادة في قيمتها بإضافة أرقام إليها لتضخيم مبلغها
3- بتلوين العملة قصد الغش في طبيعة المعدن ويعاقب الفصل 190 من م.ج. كذلك من يصدرها أو يدخلها إلى التراب التونسي
وعليه فإن الفعل المادي المكون لتزييف العملة يمكن أن يقع بإصدارها عن طريق التقليد.
ويطال العقاب في الجرائم المتعلقة بتغيير وتدليس العملة كل من تولى إدخالها الى البلاد التونسية ومن روّجها عن قصد جنائي ومن شارك في ذلك.
ولقد تشدد فقه القضاء في وجوب توفر الركن المادي لجريمة تدليس العملة وتقليدها ومتى انعدم ذلك فإن الفعل المنسوب للمتهم يجب أن يُكيّف تحيلا، فلقد جاء في ذلك المعنى بالقرار التعقيبي الجزائي عدد2389.2005 الصادر بتاريخ 29/03/2006 أنه “بالرجوع لأسانيد القرار المنتقد والثابت بأوراق الملف اتضح أن المتهم أكد ضمن الابحاث وفي سائر مراحل القضية أنه أخذ نسخ من ورقة مالية رائجة قانونا بالبلاد التونسية عبر آلة “سكانار” بالألوان ثم عمل على تسريبها وتصريفها لدى التجار تحيلا منه لاقتناء بضاعة والحصول على منفعة دون مقابل وفي اعتقادهم أنها سليمة وذات اعتماد صحيح وقد أكد أعوان المخبر الجنائي والعملي بإدارة الشرطة الفنية والعلمية التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني أنها ورقة مصورة على ورق عادي وخالية تماما من عناصر الأمان.
إقتضى الفصل 185 من م ج أنه “يعاقب بالسجن بقية العمر كل من يدلس أو يغير العملة الورقة الرائجة قانونا بالبلاد التونسية او يشارك في وضع أو عرض تلك العملة المدلسة أو المغيرة أو إدخالها إلى التراب التونسي.”
يؤخذ من صريح عبارات ذاك النص أن المشرع التونسي على خلاف البعض من التشاريع المقارنة لم يتعرض الى عبارة التقليد للعملة الرائجة أو نسخها أو تصويرها وبالتالي فقد حصر مجال تطبيقه في واقعتي التدليس والتغيير ومن منطلق قاعدة التأويل الضيق في المادة الجزائية كان على المحكمة التقيد بذلك.
إنه من المتعارف عليه فقها وقضاء أن مفهوم التدليس عموما المسلط على العملة الورقية الرائجة قانونا هو تعمد صنع ورقة شبيهة بالصحيحة تماما وبنفس مواصفاتها باستعمال وسائل ومعدات فنية متطورة مما تصعب معه إن لم تستحيل التفرقة بين الأصلي والمكذوب الأمر الذي لم يتوفر في جانب المتهم في إطار قضية الحال.
إن محكمة القرار المنتقد لم تتثبت في ماديات الواقعة ولم تتطرق إلى أركان الجريمة المنسوبة للمتهم المعقب وبالتالي لم تطبق القانون تطبيقا سليما ولا هي أوّلت الفصل 185 من ق ج مناط التتبع التأويل الصحيح المتماشي مع مفهوم تدليس وتغيير العملة الورقية الرائجة قانونا بالبلاد التونسية سيما وانه لا جدال ان ما صدر عن المعقب يشكل في حقه جريمة التحيل وفق ما تقتضيه اركانها المادية والقانونية المنصوص عليها بالفصل 291 من م ج وهو ما دأبت عليه المحاكم واتجاه فقه القضاء عموما باعتباره قد استغل الورقة المكذوبة وأوهم التجار بقابليتها للتداول وتحصل على منفعة متسببا لهم في أضرار مادية وأدبية ذات بال.
إن إهمال محكمة القرار المنتقد كل هذه العناصر وإحجامها عن إضفاء الوصف القانوني الصحيح على تلك الأفعال جعل قضاءها ضعيف التعليل وخارقا للقانون ومعرفا للنقض”
ولقد أقرت محكمة التعقيب بقرارها عدد 906 الصادر بتاريخ 30/04/2013 ما ذهبت إليه محكمة الإستئناف بتونس التي عدّت تدليس عملة من قبيل التحيّل استنادا إلى أن لمحكمة الموضوع ” إصباغ النص القانوني الملائم على الوقائع وهو من صميم اختصاصها دون سلطان عليها من أي جهة كانت وعليه فإن محكمة القرار المطعون لما اعتبرت الماديات المنسوبة إلى المعقب ضدهما من قبيل التحيل مناط الفصل 291 من م ج تكون قد أحسنت تطبيق القانون ومصيبة في إعادة تكييف الوقائع وفق تعليل مستساغ”
وهذا الإتجاه الذي تبنته محكمة التعقيب في اعتبار تقليد العملة تحيلا قد لا يستقيم على إطلاقه ويظل الفيصل في ذلك وقائع الملف والاختبار التي تأذن به المحكمة عادة.
ويقول بعضهم لاعتبار الجناية ثابتة في تقليد العملة المهم ان يكون الجاني قد قلّد الطابع الرسمي الذي يعطي للورقة أو قطعة المعدن صفة العملة ولا يشترط بعد ذلك لوجود الجريمة أن يكون التقليد متقنا بحيث لا يمكن ان يخفى على أقل الناس تمرسا بل كل ما يشترط هو ان يكون هناك من التقليد أي المشابهة بين العملة المزيفة والعملة الحقيقية ما يكفي لقبولها
ولقد جاء بفقه القضاء في ذلك المعنى:
“التقليد الذي جاء به الفصل 188 من م ج هو التقليد الكافي للترويج ويتعين على قضاة الأصل ان يشخصوا بحكمهم وجه الشبه بين الورقة المقلدة والورقة الحقيقية حتى يمكنوا محكمة التعقيب من إجراء مراقبتها على تطبيق القانون تطبيقا سليما”
وما يلاحظ من جهة أخرى ان محكمة التعقيب قد ذهبت في قرارها عدد 24704.2007 الصادر بتاريخ 29/01/2008 إلى اعتبار جريمتي تدليس العملة الورقية وعرضها واقعتين لمقصد واحد ونقضت القرار المعقب من تلقاء نفسها وعدّته إجراء من النظام العام إذ تقول:
“بالرجوع لأوراق الملف يتضح أنه وقعت إدانة المتهم من أجل جريمتي تدليس العملة الورقية الرائجة قانونا بالجمهورية التونسية وعرض تلك العملة المدلسة وسلط عليه عقابا من أجل كل واحد منهما والحال أنهما واقعتين لمقصد واحد ولهما ارتباط ببعضهم بعضا.
وحيث نص الفصل 55 من م ج على ان الجرائم الواقعة لمقصد واحد ولها ارتباط ببعضها بعضا بحيث يصير مجموعها غير قابل للتجزئة تعتبر جريمة واحدة توجب العقاب المنصوص عليه لأشد جريمة منها واتجه على هذا الاساس نقض القرار المطعون فيه لخرقه احكام الفصل 55 م ج”.
ولقد اوجب فقه قضاء محكمة التعقيب على محكمة الموضوع ان تبرر في جرائم تقليد العملة وتدليسها وعرضها اركان كل جريمة المادية والمعنوية فلقد جاء في ذلك المعنى بالقرار التالي:” من الثابت فقها وقضاء ان تعليل الاحكام بصفة سليمة ومستساغة على اساس ماله اصل ثابت بالاوراق شرط لصحتها
تبين بعد تفحص اوراق القضية ان دائرة الاتهام المطعون في قرارها قد وجهت تهما مختلفة على المتهم تعلقت بتدليس عملة ورقية للبلاد التونسية وترويجها وعرضها والتحيل دون تفصيل تلك التهم وابراز الاركان القانونية والمادية والمعنوية لكل جريمة على حدة ودون ان تجهد نفسها في مناقشة القرائن المثبة للادانة وورد اتهامها بشكل مجمل خلافا لمقتضيات الفصل 116 من م ا ج - الركن المادي المكون لجريمة تقليد الرقاع والطوابع:
تعرض المشرع التونسي لتلك الجرائم بالفصول 179 الى 184 من م ج ولقد جاءت العقوبات المنصوص عليها بالفصول المذكورة بين الجنايات والجنح ، فلقد وردت العقوبات المتعلقة بتقليد وتدليس طابع السلط العمومية أو الرقاع المالية التي تضعها الخزينة أو الصناديق العمومية أكثر شدّة من غيرها بما أنها تصل إلى باقي العمر.
ويتجلى الركن المادي للجرائم المذكورة في:
– تقليد الطوابع
– تدليس الرقاع
– إستعمالها
– إدخالها إلى التراب التونسي
وكما هو الحال لبقية الأفعال المكونة لجرائم الزور فإن قاضي التحقيق أو دائرة الإتهام لمحكمة الإستئناف عملا بأحكام الفصل 116 من م.إ.ج أو المحكمة المتعهدة بجريمة تقليد الطوابع والرقاع والأختام ملزمة بإجراء اختبار لإثبات ماهو منسوب للمتهم.
ويُفترض هنا أن الأفعال المادية المشار إليها أعلاه المتعلقة بالتدليس والتقليد قد انصبت على طوابع الدولة والرقاع المالية والعلامات والتنابر وكذلك طوابع الذهب والفضة حتى يستقيم التتبع والإدانة ولقد ورد في ذلك المعنى بالقرار التعقيبي الجزائي التالي : إن التأویل الذي إعتمدته المحكمة لمفهوم الطابع المشار إليه بالفصل 180 من م.ج ولمعيار التفرقة بين السلطة العمومية والإدارة أو الحكومة العمومية لا یستقيم قانونا ذلك أن هذا الطابع یسير إلى إنتسابه للدولة التونسية دون أن یكون صادرا عنها أو مشهود بصحته بموجب ختم السلطة أو المؤسسة وهي معدة لأن توضع بإسم الدولة أو إدارة بلدیة أو إدارة عمومية على المواد الغذائية أو البضائع في حين أن الفصل 179 یخصّ الوثائق والحجج الرسمية والكتائب المختومة باسم السلطة العمومية، ونصّ المشرّع على عقاب مشدّد على كل من تعمّد تقليد ذلك الطابع أو إستعماله لماله من مساس بهيبة الدولة ومؤسساتها. - الركن المادي المكون لجريمة تدليس صك:
لقد اقتضى الفصل 411 مكرر من المجلة التجارية أنه: “يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها اثنا عشر ألف دينار دون أن تقل عن مبلغ الشيك:
– من زيف أو زور شيكا،
– كل من قبل شيكا مزيفا أو مزورا مع علمه بذلك.”
والملاحظ أن هذه الجريمة قد وردت تحت عنوان “تدليس صك” وسار عمل المحاكم على استعمال ذلك المصطلح سواء على مستوى الاحالة أو التجريم دون استعمال لفظ تزييف أو تزوير
ويتحتم أن يسلط الفعل المادي لتدليس صك على ورقة تجارية لها الشروط اللازمة لاعتبارها كذلك عملا بأحكام الفصل 346 من المجلة التجارية الذي جاء به:
“يحتوي الشيك على البيانات الآتية:
(1 ذكر كلمة شيك مدرجة في نص السند نفسه باللغة التي كتب بها،
(2 التوكيل المطلق المجرد بدفع مبلغ معين،
(3 اسم الشخص الذي يجب عليه الدفع (المسحوب عليه)،
(4 تعيين المكان الذي يجب فيه الدفع،
(5 تعيين تاريخ إنشاء الشيك ومكانه،
(6 توقيع من أصدر الشيك (الساحب).”
ولقد استقر فقه قضاء محكمة التعقيب على ذلك إذ تقول:
“إن جريمة صك فاقد لإمضاء الساحب تكون في حكم العدم لانتفاء وجود الصك وإن الحكم بخلاف ذلك يكون عرضة للنقض”
كما ورد بقرار آخر في المعنى نفسه:
“إن تخلف أحد الشكليات الأساسية من شأنه أن ينفي على السند صفة الشيك الأمر الذي يؤدي إلى نفي التهمة عن الجاني سواء قبل الشيك على وجه الضمان أو دلّس عليه”
غير أنه تجدر الاشارة إلى أن محكمة التعقيب قد حادت عن ذلك في بعض قراراتها واعتبرت بدوائرها المجتمعة أن الشيك يعد كذلك حتى وإن كان يفتقر لبعض التنصيصات إذ تقول:
“إن السند يعتبر شيكا على معنى القانون الجزائي ولو خلا من بعض البيانات الشكلية إذا كان عند إنشائه يحمل المواصفات والمظاهر الشكلية المتداولة في مختلف صيغ الشيكات التي تسلمها البنوك التونسية ومتضمنا لأمر من الساحب إلى المسحوب عليه بأن يدفع لإذن المستفيد مبلغا من المال بمجرد الإطلاع بحيث لا يثير أي شك لدى متسلمه من منشئه في أنه يتسلم شيكا حقيقيا”
والركن المادي لجريمة تدليس شيك قد يأخذ عدة مظاهر لا يمكن بحال أن تدخل تحت حصر بما أنه بالأخير تزوير مادي لبيانات الصك وما تم تضمينه به من كتابة من ذلك:
– تقليد إمضاء الساحب
– تغيير المبلغ المضمن بالصك كإضافة أصفار إليه أو إحدى البيانات المضمنة به كاسم المستفيد
– محو بعض ما ورد به وتغيير ذلك بآخر
– تظهير الصك للإستفادة من رصيده ولقد استقر فقه القضاء على اعتبار تظهير الصك تدليسا له إذ تقول محكمة التعقيب: “تدليس الشيك بطريقة التظهير عليه و استخلاص ما به لا يخرجه عن مقتضيات الفصل 411 تجاري في تدليس الشيك و عقابه الجنائى الواجب فيه بدون تاجيل فالحكم الجنائي الذي اعتبر التهمة في مجرد تحيل و عقاب الجاني من اجلها بعام مؤجل يكون انبنى على خطأ في تطبيق القانون يوجب نقضه”
كما ورد بقرار آخر: ” لا جدال في أن التظهير بالشيك هو جزء متمم له اذ لا يمكن صرفه وسحب ما به من مال الا بعد تظهيره والتوقيع عليه من طرف المستفيد منه وبما ان المتهم في قضية الحال قد اعترف صراحة بأنه قد قلد امضاء المستفيد بظهر الشيك تدليسا منه فكان صنيعه هذا داخلا تحت طائلة الفصل 411 من المجلة التجارية.”
يتضح مما سلف أن تدليس صك قد يكون بإضافة بيانات به أو التنقيص منها خلافا للحقيقة.
كما يمكن ان يعد صنع الشيك تدليسا وذلك بالرجوع للنص العام للتدليس بالمجلة الجزائية أي أحكام الفصل 172 من م ج خاصة وأن الفصل 411 مكرر من المجلة التجارية يعاقب كل من زيف صكا وذلك اللفظ يستوعب اعداد صك وهمي للتعامل به رغم أنه ليس بالورقة التجارية التي يمكن أن تكون أداة وفاء
ولقد اشترط فقه القضاء في العديد من القرارات وجوب توفر الركن المادي لجريمة تدليس صك لمؤاخذة المظنون فيه إذ تقول محكمة التعقيب: “ان جريمة تدليس شيك المنصوص عليها بالفصل 411 من ق.ت. تستوجب وجوبا توفر ركنين أساسيين أحدهما مادي ويتمثل في القيام بعمل مادي يهدف اساسا لتغيير الحقيقة تغييرا جوهريا والثاني معنوي وهو نية الإضرار بالغير.
وطالما كان التدليس جريمة يعاقب عليها القانون فإنه لا بد من ثبوت قيام من نسبت له الجريمة بذلك.”
كما ورد بقرار آخر أيضا في المعنى نفسه:
“جريمة التدليس تقتضي قانونا القيام بعمل مادي بهدف تغيير الحقيقة تغييرا جوهريا يؤدي للإضرار بالغير وطالما كان فعل التدليس جريمة يعاقب عليها القانون فلا بد من ثبوت قيام من نسبت له الجريمة بذلك”
ولقد توسع فقه القضاء في تجريم تدليس الصك حتى وإن لم يقع استعماله إذ تقول محكمة التعقيب: “إن الفصل 411 مكرر من المجلة التجارية لا يقتضي توفر استعمال الشيك المدلس من ضمن أركان جريمة التدليس وإنما تقوم هذه الجريمة بمجرد إنشاء الشيك تدليسا منه على صاحبه سواء كان استعمله الجاني أو لم يستعمله كل ذلك حرصا من المشرع على حماية الشيك من كل تلاعب” .
وفي مقابل ذلك فلقد ذهبت محكمة التعقيب الى ان تعمير صك وامضاءئه من غير الساحب وسلم على سبيل ” الضمان ” وان كان الصك اداة وفاء بمجرد الاطلاع عليه عملا باحكام الفصل 371 من المجلة التجارية – لا يشكل جريمة تدليس صك اذ تقول : تعمير المتهم للصك الذي تسلمته طوعا لتسليمه على وجه الضمان للغير وامضاؤها به انما هي بيانات لتحقيق المرمى من ذلك الضمان ولا يمكن ان يدل دلالة قاطعة على سوء القصد في جانبها فهي لم تقم بتزوير ارادة المتضرر صاحب الحساب وانما تصرفت في تلك الارادة بما خوله لها من حق التصرف خاصة وان المستفيد قد استشارها . والاجازة الصريحة منه تقديمه للخلاص تعد منه مصادقة على الصك وعلى جميع بياناته المضمنة به وخاصة الامضاء وهو ما ينفي الجريمة قانونا لفقد اركانها
وهو ما جاء بقرار آخر يكاد يكون نسخا حرفيا للقرار المتقدم إذ جاء به:
“إن القول بأن جريمة التدليس لا تستكمل أركانها القانونية إلا متى استعمل الجاني الشيك الذي دلّسه هو قول يؤدي إلى تحميل النص المذكور أكثر مما تعنيه عباراته إذ لو كانت نية المشرع متجهة في ذلك الإتجاه لتولى التنصيص على ذلك صراحة عند صياغة النص القانوني المذكور وإن لم يفعل ذلك فإنه لا يجوز قانونا تأويل ذلك النص تأويلا يتعارض مع نية المشرع والغرض الذي يهدف إليه والمتمثل أساسا في حماية الشيك من كل تلاعب”
وما يلاحظ أن فقه القضاء قد أوجب اعتماد الإختبار للتحقق من توفر الركن المادي لجريمة تدليس صك من عدم ذلك، ولقد عدّت محكمة التعقيب بقراراها عدد 5911 الصادر بتاريخ 22 نوفمبر 2013 الإختبار هو الفيصل في ثبوت الجريمة من عدمه وقد ورد به أن محكمة الموضوع لم تأخذ بعين الإعتبار بأعمال الخبرة المجراة في ملف قضية الحال التي تضمنت كون الطاعن لم يقم بتدليس الشيك موضوع قضية الحال رغم أن الإختبار يعد الفيصل الوحيد الذي يمكن أن تتأسس عليه الأحكام مما يحتم نقض القرار محل الطعن .
وفي الحقيقة فإن فقه قضاء محكمة التعقيب مستقر على وجوب الإذن بإجراء اختبار للتحقق من توفر جريمة الزور من عدمه وهو أمر تحتمه طبيعة الجريمة لما لرأي اهل الخبرة من قيمة ودقة تستأنس بها المحاكم ولقد جاء في ذلك المعنى بالقرار التالي: “قضايا التدليس لا بد فيها من اختبار الكتابة والإمضاء المنسوب للمتهم ومعارضته بذلك عند الإقتضاء”
ويتضح كذلك بالإطلاع على فقه القضاء المقارن أن الإستنجاد بالخبرة ضرورة لا غِنى عنها من أجل استبيان التزوير باعتبار ذلك مما يُستعصى عادة على القاضي، وفي هذا المضمار أكّدت محكمة النقض السورية في إحدى قراراتها أنه “على القاضي أن يبين الوثيقة التي وقع عليها التزوير وأن يجري عليها الخبرة الفنية على اعتبار أن التزوير من الأمور العلمية التي تحتاج إلى خبرة واسعة ودراسة تامة ولا يمكن للقاضي أن يقدّر وجود التزوير أو عدمه من تلقاء ذاته بل لا بد من الإعتماد على أهل الخبرة والمعرفة في ذلك”
كما ورد بفقه القضاء ايضا عن اهمية الاختبار والزاميته في مسائل فنية تحتم على المحكمة الاذن بانجازها : قاضيا التدليس لا بد فيها من اختبار الكتابة والامضاء المنسوب للمتهم ومعارضته بذلك عند الاقتضاء
كما ورد بقرار اخر في نفس المعنى : شرعت مجلة الاجراءات الجزائية وسائل وأبحاث منها الاختبارات الفنية للوقوف على حقيقة الأمور وهي وسائل يستعين بها القاضي وإن كانت لا تقيده فإن اللجوء إليها ضروري لتوضيح الرؤية فنيا وتقنيا
وما تجدر الاشارة اليه ان المحكمة ملزمة للقضاء بالادانة من اجل التدليس بالتحقق من ان المسلط عليه الزور قد حُجز لعرضه كما سلف على الاختبار .
ولقد استقر فقه القضاء على انعدام الكتب المسلط عليه الزور تنعدم به الجريمة اذ تقول محكمة التعقيب : ان عدم العثور على الكتب الخطي في الاعتراف بدين المرمى بالتدليس يفقد جريمة التدليس ركنها المادي في غياب الكتب الاصلي ولا يمكن كيفما اوجبه المشرع وكرسه فقه القضاء اعتماد نسخة مصورة غير مشهود بمطابقتها للاصل
وبناء على ذلك فانه يفترض كما سلف حجز الشيء المسلط عليه الزور وعند الاقتضاء نسخة مطابقة لأصلها منه كما ورد بالقرار التعقيبي المذكور اعلاه ونرى انه يمكن اعتماد نسخة منه حتى وان كانت غير قانونية اذ تثبت ادانة المظنون فيه خاصة وان الجريمة تثبت بمختلف وسائل الاثبات عملا باحكام الفصل 150 من م ا ج كإقرار ما هو منسوب له الزور بذلك .
الركن المادي في الزور المعنوي:
تعرض المشرع التونسي إلى ذلك بالفصل 173 من م.ج. الذي ورد به: “يعاقب بالعقوبات المقرّرة بالفصل 172 من هذه المجلة الموظف العمومي أو شبهه أو العدل الذي يتعمّد بمناسبة تحريره لعقود من علائق وظيفته إلى تحريف مادتها أو موضوعها وذلك إما بتضمين اتفاقات غير التي حدّدها أو أملاها الطرفان أو بمعاينة وقائع مكذوبة على أساس أنها صحيحة وتمت بمحضره أو على أنه تم الاعتراف بها والحال أنه لم يقع الاعتراف بها أو بتعمد عدم تضمين ما تلقاه من تصريحات.”
ويتضح من أحكام ذلك الفصل أن الجريمة قد تُقترف:
– من موظف عمومي
– أو شبهه
– أو عدل
و يقول أحدهم عن تجريم الزور المعنوي في القانون الجزائي الفرنسي أنه يسري في حق فئتين من الاشخاص وتشمل ايا كان قد صدرت عنه تصريحات مزورة أو تشبه باسم مزور أو صفة لا صحة لها في الوقائع او اعتمد ارشادات غير صحيحة وايا كان اعطى او حاول ان يعطي دون وجه حق وثيقة ادارية او شهادة ادارية متضمنة بيانات غير صحيحة
ويظهر الركن المادي لجريمة التزوير المعنوي من خلال:
– تحريف مادة أو مضمون عقد أو موضوعه
– تضمين إتفاقات أخرى بالكتب غير التي اتفق عليها الأطراف
– معاينة وقائع لا أصل لها في الواقع أو على أنه تم الإقرار بها
– عدم بيان التصريحات الني تلقاها
– تضمين تصريحات للإطراف لم يصرحوا بها
وبما أن ما دُوّن من قبل الموظف أو شبهه أو العدل مخالف لواقع مادي فإن ذلك يعد الركن المادي لجريمة التزوير المعنوي.
ولقد عُدّ التزوير تزويرا معنويا لأن إثبات هذه البيانات كان في وقت تحرير الورقة ولا تدل عليه آثار مادية
ويتجسد الركن المادي لجريمة التزوير كما سلف في تدوين عدل أو موظف عمومي أو شبهه أو خبير عدلي واقعة لا أصل لها، وعليه فإنه يفترض ظهور أفعال مادية
ولقد ورد بالقانون عدد 61 لسنة 1993 المؤرخ في 23 جوان 1993 المتعلق بالخبراء العدليين فيما يخص الزور المعنوي الذي قد يقترفه خبير عدلي: “يعد الخبير العدلي عند مباشرته لمهامه شبه موظف طبقا للفصل 82 من المجلة الجنائية ويطبق عليه أحكام الفصول من 83 إلى 94 من هذه المجلة، وإذا تعمد تغيير الحقيقة فإنه يعاقب طبق أحكام الفصل 172 من المجلة الجنائية”
ويتفق التزوير المعنوي مع التزوير المادي في أن كلاهما يغير الحقيقة إذ تقول محكمة التعقيب أن “التدليس بنوعيه المادي والمعنوي يستدعي ثبوت تغيير الحقيقة الثابتة وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع توفر ركن العمد وانصراف إرادة الجاني إلى إلحاق الضرر بالغير سواء كان الضرر عامّا أو خاصا وحالّا أو متوقّعا”
ب- الركن المعنوي:
الركن المعنوي هو الجانب النفسي للجريمة، فلم يقتصر الأمر على عقوبة وأصل مادي فقط، بل هناك ركن نفسي له عِلاقة بإتمام الجريمة. فالركن المعنوي هو الصلة النفسية التي تربط بين الجريمة وفالها فلا تتم جريمة التزوير دون إرادة فاعلها
و القصد الجنائي في جريمة التزوير لا ينفك عن أمرين:
الأول: و هو عام في سائر الجرائم، فعلم الجاني انه يرتكب الجريمة بجميع عناصرها، أي يدرك بانه يغير الحقيقة، و ان من شان هذا التغيير ان يترتب عليه ضررا
الثاني: و هو خاص بجريمة التدليس أي ان يقترن هذا العلم بنية استعمال الكتب المزور فيما زور من اجله
الفقرة الثانية: عقوبة التدليس
تختلف العقوبة بحسب ما إذا كان مرتكب التدليس موظف او شبهه أو عدل )أ( أو من غير ذلك )ب (
أ- التدليس من موظف أو شبهه أو عدل:
ينص الفصل 172 م ج ” يعاقب بالسجن بقية العمر وبخطية قدرها ألف دينار كل موظف عمومي أو شبهه وكل عدل يرتكب في مباشرة وظيفه زورا من شأنه إحداث ضرر عام أو خاص وذلك في الصور التالية :
- بصنع كل أو بعض كتب أو عقد مكذوب أو بتغيير أو تبديل أصل كتب بأي وسيلة كانت سواء كان ذلك بوضع علامة طابع مدلس به أو إمضاء مدلس أو كان بالشهادة زورا بمعرفة اﻷشخاص وحالتهم.
- بصنع وثيقة مكذوبة أو تغيير متعمّد للحقيقة بأي وسيلة كانت في كل سند سواء كان ماديا أو غير مادي من وثيقة معلوماتية أو إلكترونية وميكروفيلم وميكروفيش ويكون موضوعه إثبات حق أو واقعة منتجة ﻵثار قانونية”.
ب- التدليس من غير موظف أو شبهه أو عدل:
ينص الفصل 175 م ج ” يعاقب بالسجن مدة خمسة عشر عاما وبخطية قدرها ثﻼثمائة دينار كل إنسان غير من ذكر ارتكب زورا بإحدى الوسائل المقررة بالفصل 172 من هذه المجلة”.
و ينص الفصل 176 م ج ” كل من يتعمد إبقاء رسم مدلس عنده يعاقب بمجرد إبقاء ما ذكر بيده بالسجن مدة عشرة أعوام”.
و قد نص الفصل 177 م ج ” كل من يتعمد استعمال زور يعاقب بالعقوبات المقرّرة للزور بحسب الفروق المبيّنة بالفصول المتقدّمة”.