مقالات

البصرة بين حصار مالي وقرارات جائرة.. أين العدالة الاتحادية؟

 

بقلم/ عامر جاسم العيداني

 

تعيش محافظة البصرة هذه الأيام واحدة من أشد أزماتها الاقتصادية والإدارية في ظل شح الموارد المالية وتصاعد ملوحة المياه وتوقف المشاريع الخدمية والتنموية بعد أن كانت الآمال معلقة على حلولٍ حكومية جادة تنهي معاناة المواطنين إلا أن ما يحدث اليوم يعكس واقعاً صادماً عنوانه المركزي التهميش المالي المتعمد من قبل الحكومة الاتحادية.

 

البصرة التي تمثل الرئة الاقتصادية للعراق وتُسهم بأكثر من ثمانين في المئة من وارداته النفطية تُواجه حرماناً غير مبرر من تخصيصاتها المالية في موازنة عام 2025 التي لم تُقر حتى الآن فضلاً عن إيقاف صرف مستحقاتها من أموال البترودولار وهي حقوق مثبتة قانوناً. وتضاعف الظلم مؤخراً بقرار مجلس شورى الدولة القاضي بمنع تسلّم المحافظة لحصتها من إيرادات المنافذ الحدودية في مخالفة واضحة وصريحة لأحكام قانون مجالس المحافظات رقم (21) المعدل الذي منح تلك المحافظات الحق في إدارة شؤونها المالية والإدارية وفق مبدأ اللامركزية.

 

إن مثل هذا القرار يُعد انتهاكاً لروح الدستور ومساساً بمبدأ التوزيع العادل للثروات والذي يؤدي عملياً إلى شلّ عجلة الإعمار والتنمية في محافظة تُعد واجهة العراق الاقتصادية ومصدر تمويله الأساسي ، فحرمان البصرة من مواردها يعني عملياً إيقاف المشاريع قيد التنفيذ وتعطيل الخطط المستقبلية في قطاعات الماء والكهرباء والصحة والتعليم والبنى التحتية وهو ما يعمّق من معاناة المواطنين ويفتح الباب أمام موجات جديدة من السخط الشعبي.

 

في المقابل جاء قرار مجلس محافظة البصرة الأخير القاضي بمشاركة الحكومة المحلية في إدارة المنافذ الحدودية خطوة جريئة ومسؤولة تستند إلى القانون وتعبّر عن إرادة محلية تسعى لحماية حقوق المحافظة. كما أن التوجه إلى المحكمة الاتحادية العليا لاسترجاع هذه الحقوق يمثل سلوكاً قانونياً حضارياً يستحق الدعم والتأييد لأنه يعيد النقاش إلى ساحته الدستورية الصحيحة ويضع المؤسسات أمام مسؤولياتها في تطبيق العدالة لا في عرقلة التنمية.

 

إن البصرة ليست محافظة هامشية يمكن تجاوزها أو التعامل معها بمنطق المركزية القديمة بل هي الركيزة التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني ، وإن استمرار الحكومة الاتحادية في تهميشها أو تجاهل استحقاقاتها المالية سيُعد فشلاً سياسياً وإدارياً جسيماً ورسالة سلبية إلى باقي المحافظات بأن القانون لم يعد ضامناً لحقوقها.

 

لقد آن الأوان لمراجعة شاملة للسياسات الاتحادية تجاه المحافظات المنتجة للنفط وعلى رأسها البصرة وإعادة الاعتبار لمبدأ العدالة في توزيع الثروة الذي نص عليه الدستور ، فالحكومة التي لا تراعي احتياجات شعبها ولا تلتزم بقوانينها تفقد مبرر بقائها وثقة مواطنيها.

 

إن إنصاف البصرة ليس مطلباً محلياً بل هو واجب وطني لأن من يُنصفها يُنصف العراق كله ومن يظلمها إنما يظلم نفسه ومستقبل البلاد بأكملها.

ان ايقاف المشاريع الحالية والمخطط لتنفيذها بسبب ايقاف التخصيصات المالية سوف يؤدي الى حرمان عدد كبير من المواطنين من وظائفهم وزيادة اعداد العاطلين عن العمل مما يشكل ازمة حقيقية قد تنذر بما لا يحمد عقباه وعلى الحكومة الاتحادية ان تقف عند هذا الأمر وتراجع قراراتها الجائرة بحق محافظة البصرة التي تعتبر شريان الحياة للعراق بأكمله .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى