البريكس ومصر.. شراكة استراتيجية لتمويل المشروعات القومية وتصدير الطاقة الخضراء

كتب: الإعلامي زياد عادل (باحث سياسي)
يشهد العالم في الوقت الراهن إعادة تشكيل غير مسبوقة في النظام الدولي وليست حرب باردة ولكن يمكن أن نقول إعادة لتوزيع النفوذ والموارد.
وسط هذه اللحظة انضمت مصر إلى مجموعة البريكس وهذه ليست مجرد خطوة شكلية فقط ولكن قرار استراتيجي يمكن أن يحدد مكانتنا وأيضًا مكانة المنطقة العربية كلها في النظام العالمي الجديد.
ويتساءل الشعب المصري عدة تساؤلات: (هل البريكس مجرد تحالف اقتصادي صوري، هل بالفعل سيؤثر علينا كمصريين، هل أمريكا وأوروبا سيسمحان بأن يكون البريكس قوة مستقلة ضخمة) وتساؤلات كثيرة أخرى تطرح نفسها.
دعونا نجيب على هذه التساؤلات ونقسم الموضوع إلى عدة محاور.
<المحور الأول> خلفية بسيطة عن مجموعة البريكس:
تأسس البريكس عام 2009 وضم العديد من الدول مثل (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا).
الهدف الأساسي من مجموعة البريكس: خلق توازن قوي مع المؤسسات الغربية مثل (صندوق النقد الدولي – البنك الدولي).
حاليًا يضم البريكس حوالي 40٪ من سكان العالم، و25٪ من الناتج الاقتصادي العالمي.
في قمة جوهانسبرغ 22-24 أغسطس 2023 تمت دعوة مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا للانضمام لمجموعة البريكس.
مصر بدأت عضويتها رسميًا في يناير 2024، وكانت مصر قبلها في مارس 2023 قد انضمت لبنك التنمية الجديد (NDB) التابع للبريكس.
(ما نستخلصه من المحور الأول): أن البريكس لم يصبح مجرد نادي اقتصادي بل مشروعًا لإعادة صياغة قواعد السياسات الدولية.
<المحور الثاني> وضع مصر في البريكس (المكاسب حتى الآن):
1- بنك التنمية الجديد (NDB):
. انضمام مصر إليه في مارس 2023 يعطيها فرصة كبيرة في تمويل مشروعات بنية تحتية وتنمية بعيدًا عن شروط صندوق النقد الدولي.
كما أن البنك سابقًا قام بتمويل الهند وجنوب أفريقيا بمليارات الدولارات.
2- التبادل بالعملات المحلية:
بدأت دول البريكس بالفعل استخدام عملاتها الوطنية (اليوان، الروبل، الريال).
مما يفتح لمصر بابًا كبيرًا لتخفيف أزمة الدولار التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد.
3- المكانة السياسية:
وجود مصر مع السعودية والإمارات داخل البريكس يعطي للتكتل وزنًا داخل الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويؤكد هذا على مكانة مصر وأنها لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله.
(ما نستخلصه من المحور الثاني): مصر قوة لا يستهان بها في مجموعة البريكس وانضمامها فتح أمامها العديد من الأبواب لتنمية الاقتصاد.
<المحور الثالث> الأرقام الاقتصادية والفائدة الفعلية لمصر حتى الآن:
حجم التجارة بين مصر ودول البريكس وصل في عام 2024 إلى 50.8 مليار دولار، بزيادة 19.5٪ عن 2023 (42.5 مليار).
الصادرات المصرية لدول البريكس بلغت 9.4 مليار دولار في 2024 بزيادة 10.6٪ عن 2023.
تفاصيل الصادرات: الإمارات 3.3 مليار – البرازيل 854 مليون – روسيا 607 مليون – الهند 517 مليون – الصين 394 مليون.
واردات مصر من روسيا في 2024 وصلت حوالي 6 مليار دولار.
إجمالي التجارة الروسية المصرية قفز إلى 8 مليار دولار في 2024 مقابل 7 مليار دولار في 2023.
صادرات القمح الروسي لمصر بلغت 9 مليون طن عام 2024.
(ما نستخلصه من المحور الثالث): تدل الأرقام على أن عضوية مصر في البريكس ليست شكلية بل هي أداة تحول فعلي في الاقتصاد المصري.
<المحور الرابع> الفرص السياسية والاقتصادية لمصر:
اقتصاديًا:
تمويل بديل من البنك الجديد للتنمية.
شراكات استثمارية في الطاقة والبنية التحتية، وتقليل الاعتماد على الدولار.
سياسيًا:
تعزيز مكانة مصر في نظام متعدد الأقطاب، والتوازن بين الغرب والشرق بدلًا من الاعتماد على طرف واحد.
(ما نستخلصه من المحور الرابع):
دخول مصر للبريكس يخلق لها فرصًا لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية.
<المحور الخامس> هل الغرب سيسمح بأن يكون البريكس قوة عظمى:
أولاً: أمريكا:
أي محاولة لتقليل هيمنة الدولار تعتبرها تهديدًا مباشرًا.
وفي 2025 هدد ترامب بفرض تعريفة إضافية 10٪ على دول البريكس ووصل التهديد إلى 100٪ على أي دولة تقلل التعاملات بالدولار.
وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات كسلاح ضد أي اقتصاد يحاول الخروج عن سيطرتها مثل (روسيا وإيران).
ثانيًا: الاتحاد الأوروبي.
قلق من دخول مصر والسعودية والإمارات للبريكس لأنه قد يعزز نفوذه في قطاع الطاقة.
وخاصة بعدما عانت أوروبا من أزمة في الطاقة بعد حرب أوكرانيا وروسيا، حيث ترى أن هذا تهديد مباشر.
وفي نفس الوقت يقوم الاتحاد الأوروبي بدراسة التعاون في مجالات الطاقة النظيفة بدل مواجهة البريكس مباشرة.
(ما نستخلصه من المحور الخامس): قلق شديد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من دخول مصر وبعض الدول العربية للبريكس لأنه يمثل تهديدات متعددة لمصالحهم الاقتصادية.
<المحور السادس والأخير> أدوات الغرب لمحاربة البريكس:
التشويه الإعلامي عبر وصفه في أكثر من وسيلة إعلامية بأنه تحالف بلا أهمية ولا تأثير حقيقي.
ضغوط اقتصادية مثل إجبار بعض الدول المشاركة على الاعتماد على صندوق النقد الدولي لمزيد من السيطرة.
استغلال التناقضات الداخلية بين الدول الأعضاء مثل (الصين والهند).
(ما نستخلصه من المحور السادس): انزعاج واضح من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومحاولات عديدة لإضعاف البريكس.
وفي النهاية
دخول مصر للبريكس ليست النهاية بل هي بداية لوضع اقتصادي أقوى، والتأثير الحقيقي لمجموعة البريكس يتوقف على التنفيذ عبر عدة خطوات مثل (تفعيل البنك، التبادل بالعملات، بناء تحالفات جديدة). البريكس ليس بديلًا كاملًا للغرب لكنه ورقة ضغط قوية جدًا لصالح مصر للتفاوض من موقع أفضل.
والقوة ليست في العضوية إطلاقًا ولكن القوة في الاستفادة منها، والتبادل بالعملات المحلية قد يكون طوق نجاة من أزمة الدولار، ومن يملك البدائل سيكون دائمًا في وضع قوي.
الخلاصة: انضمام مصر للبريكس ليس مجرد صورة تذكارية ولكنه مفتاح لتمويل مستقل عن دول الغرب.