مجتمعمقالاتمنوعات

الإيهام بجريمة

إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد


إن التنصيص على مثل هذا الفعل على أنه جريمة يعاقب عليها القانون يعتبر رسالة لكل من تسوّل له نفسه الخوض في شؤون الآخرين ممن رسخت في قناعاته بأن ما يفعله هو أمر ضروري من أجل بث التوازن في المجتمع واعتبار أنه من حقه القيام بذلك إلا أنه وفي قرارة النفس فإن مآربه الشخصية ورغبته في الانتقام هي المحرك الأساسي لانتهاج مثل هذا السلوك.
ولما كان الأمر بالنسبة لمؤسسات الدولة يتمحور أساسا حول تسيير العمل السيادي والسلطوي والإداري من أجل إدارة وتنظيم شؤون الناس كان لزاما أن يقع النظر بشكل صارم في كل من يدعي على منظوريها والتابعين لها ليجعل المؤسسات منشغلة عن دورها الاعتيادي ويجنبها الإشاعات وبالتالي يجرها للتركيز على ما هو غير جدي وغير حقيقي ويعطلها عن ممارسة نشاطها الاعتيادي.
لذلك وضع المشرّع نصّا جزائيا يقضي بمحاسبة المخبر الذي يقوم بالإعلام وبشكل خبيث عن جريمة لم تحصل من أساسه ويضيّع بخبره ذاك وقت المؤسسة الثمين و يكبّدها مصاريف كانت في غنى عنها، حيث اقتضى الفصل 142 م.ج “يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى عام وبخطية من عشرين دينارا إلى مائتين وأربعين دينارا أو بإحدى العقوبتين فقط كل من يعلم السلطات العمومية بمخالفة يعلم علم اليقين أنها لم توجد أو الذي ينشئ حجة كاذبة تتعلّق بجريمة وهمية.
ويعاقب بالعقوبات نفسها الشخص الذي يصرّح أمام السلطة العدلية أنه المرتكب لجريمة لم يرتكبها حقيقة ولم يشارك في ارتكابها”.
و الإيهام لجريمة تقتضي قيام جملة من الأركان )الفقرة الأولى( و يترتب عنها عقوبة )الفقرة الثانية(

الفقرة الأولى: أركان جريمة الإيهام لجريمة:
و تتمثل في الركن المادي )أ( و الركن المعنوي )

ب
أ- الركن المادي:
و يتمثل في إعلام الشخص السلطات العمومية بمخالفة يعلم علم اليقين أنها لم توجد أو الذي ينشئ حجة كاذبة تتعلّق بجريمة وهمية أو الذي يصرّح أمام السلطة العدلية أنه المرتكب لجريمة لم يرتكبها حقيقة ولم يشارك في ارتكابها
إن موضوع الفقرة الأولى من الفصل 142 م.ج. يرتكز بالأساس على وجود إخبارية أو بلاغ يتصف بالكذب أو تعلّق بجريمة وهمية ويكون هذا الخبر موجّها لمؤسسة عمومية تستعمل لممارسة نشاطها وسائل السلطة العمومية حتى وإن كان الأمر يتعلّق بإدارة من إدارات الدولة الفرعية خلافا للمؤسسات التي تتمتّع باختصاص الضابطة العدلية.
أما بالنسبة للفقرة الثانية فهي ترتكز بالأساس، ليس على الإعلام أو الإخبار، بل على الإدلاء بتصريحات لدى أحد الجهات التابعة للسلطة القضائية بشكل خاص (باحث بداية، نيابة عمومية، قاضي التحقيق..) يكون فحواها وعلى وجه لتحديد إقرار من طرف المصرّح بأنه هو الفاعل للجريمة أو أنه مشارك فيها في صورة تعدد المرتكبين لها.
ومن خلال هذه المعطيات يجب التفرقة بين مفهوم التصريح ومفهوم الإعلام.
يعتبر الإعلام مجرّد إيصال المعلومة مع إعطاء بعض المؤشرات أو معطيات حول واقعة يدعي المبلّغ عنها أنها حصلت ويعتقد بأنها جريمة (عادة فإن مجرّد التبليغ عن واقعة ما يحمل شبهة حصول جريمة وإلا لما كان المبلّغ قد تكبّد عناء الاتصال بالمؤسسة المعنية بالأمر لإخبارها بالواقعة، فتكون بالتالي حادثة الاتصال قرينة على الاشتباه بأن ما يقع سرده ووصفه في الإعلام يصنف من قبيل الجريمة).
أما بالنسبة للمصرّح فهو ذلك الشخص الذي يدلي بدلوه وأقواله التي تسجّل عليه صلب محضر رسمي في الغرض تمّ فتحه من طرف سلطة عدلية بسبب تتبّع جريمة قد حصلت فعلا.

  • التفريق بين السلطة العمومية والسلطة العدلية:
    ‌- فيما يتعلّق بالسلطة العمومية:
    تكون السلطة العمومية ممثّلة بأصحاب المسؤوليّة في دواليب الدولة وهم كل من يمثّل مؤسسة ذات صبغة عامة لها القدرة على إنفاذ القانون وتطبيقه وهي تتسم بشموليتها لكل الفئات على اختلافهم.
    وبالتالي يمكن للمؤسسات التي لها صبغة إدارية أو ذات الصبغة الصناعية والتجارية وحتى الهيئات الدستورية وغيرها من المؤسسات أن تستفيد من هذا النص وتعتقد بأنه يشملها ولكن هل يكون هذا الأمر في مجمله صحيحا أم لا؟
    ‌- فيما يتعلق بالسلطة العدلية:
    أما السلطة العدلية فشرطها الإقامة والاستواء وهي ممثلة أو محصور تمثيلها في السلطة القضائية بالأساس ومما يتبعها من أجهزة عدلية.
    وفي هذا الصدد يكون في الأمر إحالة لانطلاق الأبحاث والتتبعات العدلية في شأن جريمة يعتقد بأنها حصلت فعلا فيكون من دور الأبحاث التثبت من وقوع الجريمة أم لا في مرحلة أولى أما في المرحلة الثانية وفي صورة التأكد من وجودها في التقصّي حول ملابساتها وظروفها وكل ما يتعلّق بها من معطيات.

ب- الركن المعنوي:
يتمثل الركن المعنوي في ركن سوء النية المتمثل في انه كان على يقين من عدم وجود الجريمة التي أعلم بها كذبا وكان قصده بذلك الإضرار بالغير.
الفقرة الثانية: العقوبة
يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى عام وبخطية من عشرين دينارا إلى مائتين وأربعين دينارا أو بإحدى العقوبتين فقط كل من يعلم السلطات العمومية بمخالفة يعلم علم اليقين أنها لم توجد أو الذي ينشئ حجّة كاذبة تتعلق بجريمة وهمية.
ويعاقب بالعقوبات نفسها الشخص الذي يصرح أمام السلطة العدلية أنه المرتكب لجريمة لم يرتكبها حقيقة ولم يشارك في ارتكابها.
العقوبة يمكن ان تكون سالبة للحرية )أ( مالية )ب(
أ- العقوبة السلبية للحرية:
و تتمثل في السجن من ثلاثة أشهر إلى عام
ب- العقوبة المالية:
و تتمثل في خطية من عشرين دينارا إلى مائتين وأربعين دينارا

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى