
بقلم الدكتور جابر غنيمي
تقع تونس في صُلب تحوّل كبير يطرأ على مشهد الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. فقد أصبحتا نقطتي عبور رئيسيتين للمهاجرين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا سيما من السودان وتشاد وغينيا ومالي وساحل العاج وغيرها، بهدف الوصول إلى أوروبا.
حسب الأرقام، كانت ليبيا في العام 2017، أي قُبيل توقيع اتفاق الهجرة المتمحور حول الأمن بين ليبيا وإيطاليا، نقطة عبور 91 في المئة من الوافدين إلى الشواطئ الإيطالية، فشكّلت بذلك الوجهة الأساسية لمعظم المهاجرين الأفارقة. لكن تونس أصبحت نقطة عبور مفضّلة للمهاجرين على طول الطريق المركزي للبحر المتوسط. فبحلول العام 2019، غادر 36 في المئة فقط من المهاجرين بحرًا من ليبيا، وانطلق 32 في المئة من تونس. أما في العام 2020، فقد وصل إلى إيطاليا 43 في المئة من الوافدين بحرًا من تونس، و38 في المئة من ليبيا. واستمرّ هذا المنحى ليسجّل أعلى مستوياته في العام 2023، حين بلغت نسبة الوافدين إلى الشواطئ الإيطالية 61 في المئة من تونس و33 في المئة من ليبيا.
ولم تعد تونس مجرد منطقة عبور في ظل تزايد التضييق على الهجرة إلى أوروبا بالسبل النظامية أو غيرها بل باتت مكان إقامة و استقرار للمهاجرين من جنوب أفريقيا.
و يقدر عدد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في كامل تونس أكثر من 100 ألف، و ما زال النزيف متواصلًا بخصوص تدفّق هذه الفئة على البلاد.
و قامت السلطات في تونس باعتراض حوالي 80 الف مهاجر في اتجاههم الى إيطاليا و ارجاعهم الى تونس عام 2023.
– مفهوم الهجرة غير الشرعية:
تعرف المنظمة الدولية للهجرة International Organization for Migration (IOM) الهجرة غير الشرعية على أنها “حركة تتم خارج القواعد التنظيمية للبلد المرسل والعبور والمستقبل. وقد يقع المهاجر في وضع غير نظامي في واحدة أو أكثر من الظروف التالية:
• يجوز له دخول البلاد بشكل غير نظامي، على سبيل المثال بوثائق مزورة أو بدون عبور نقطة عبور حدودية رسمية.
• قد يقيم في البلد بشكل غير قانوني، بعد انتهاك لشروط تأشيرة الدخول أو تصريح الإقامة مثلًا.
• قد يتم توظيفه في البلد بشكل غير منتظم، على سبيل المثال، قد يكون له الحق في الإقامة، ولكن ليس للعمل بأجر في البلد.
وتشمل الهجرة غير الشرعية أشكالا مختلفة من تحركات المهاجرين، فالبعض يهاجر لأسباب اقتصادية بحثًا عن العمل، والبعض الآخر هروبًا من الصراعات والحروب، ومن هنا يمكن القول بأن الهجرة غير الشرعية مرتبطة بشكل كبير بالبناء الاقتصادي والسياسي للدولة.
– أسباب الهجرة:
* الفرص الاقتصادية المحدودة: على الرغم من أن أفريقيا حققت نموًا اقتصاديًا أفضل نسبيًا منذ عام 2000، إلا أن القارة لا تزال تسجل أدنى متوسط لدخل الفرد في العالم. ويعيش ما يقدر بنحو 35 % من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا في فقر، مما يخلق ضغوطًا هائلة على أفراد الأسر الذين يكسبون الدخل لتأمين فرص العمل لتلبية الاحتياجات الأساسية خاصة أن نحو60% من سكان أفريقيا تحت سن 25 عامًا. ومع تدهور نتائج التعليم وفجوة حادة في المهارات. فمعظم الشباب المهاجرين، يظلون في القارة باحثين عن فرص عمل في المراكز الحضرية، ويسعى آخرون للحصول على وظائف خارج القارة بعد أن فشلت سياسات التكيف الهيكلي التي أوصى بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في توفير فرص العمل الكافية للشعوب الأفريقية. وتكون دول لعالم المتقدم عادة هي الوجهة المفضلة، خاصة في ظل توقعات أفضل لمستوى المعيشة بها، فمثلًا من المتوقع أن ينمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو الثلث فقط في أفريقيا حتى عام 2026، وفي المقابل، تشير التقديرات إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي سيظل أكبر بأكثر من 18 مرة من نظيره في أفريقيا حتى العام ذاته، مع نمو سكاني يبلغ نحو 1% فقط.
* التغيرات المناخية: أدى تغير في إلى انخفاض بنسبة 34 % في نمو الإنتاجية الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 1961، وهو ما يسهم بشكل أكبر في انعدام الأمن الغذائي غير المسبوق في القارة في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن يكون تغير المناخ هو المحرك لما يصل إلى 10 % من إجمالي الهجرة الأفريقية عبر الحدود بحلول منتصف القرن. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الفيضانات الشديدة والجفاف والعواصف. كما من المتوقع أن تشهد منطقة الجنوب الأفريقي أكبر زيادة في التنقل عبر الحدود في أفريقيا بسبب تأثيرات تغير المناخ، مع احتمال انتقال ما بين 200 ألف إلى 800 ألف شخص إلى دول مجاورة بحلول عام 2050. وبما أن سبل العيش الريفية المستدامة أصبحت أكثر هشاشة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن نسبة متزايدة من المهاجرين – ما بين 70 و110 مليون شخص – قد تضطر إلى هذه التحركات غير النظامية خلال الفترة (2020-2030)..
*الصراعات السياسية والنظم القمعية: تؤدي الصراعات التي لم يتم حلها في القارة إلى توليد أعداد قياسية من السكان المهاجرين قسرًا. علاوة على ذلك، أدت ظروف الحكم الاستبدادي والقمعي في بعض الدول الأفريقية إلى تقييد الحريات الأساسية مما يسهم في مزيد من عمليات النزوح. ويجبر النزوح القسري الممتد الشباب على الانتقال إلى المناطق الحضرية ومن ثم ربما خارج القارة. وأقرب مثال على ذلك حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل وغرب أفريقيا التي تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية تدفع بشكل كبير نحو الهجرة . وعلى سبيل المثال، أدى اندلاع الصراع بين الفصائل العسكرية في السودان في عام 2023 إلى حدوث 6 ملايين حالة نزوح إضافية عبر الحدود. ويضيف هذا إلى التحركات السكانية الناجمة عن الصراعات في جنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، وغيرها. وفي حالة استمرار تلك المسببات الرئيسية للهجرة من أفريقيا، فمن وصول الهجرة الأفريقية عبر الحدود إلى ما بين 11 إلى 12 مليون شخص بحلول عام 2050.
– تهديدات وجود المهاجرين الافارقة:
– تغيير التركيبة السكانية.
– ارتفاع ظاهرة الجريمة والاخلال بالأمن العام وصعوبة الكشف عن الفاعلين بحكم غياب الوثائق الثبوتية وبطاقات الهوية لعدد كبير من المهاجرين الافارقة و عدم امتلاك الاجهزة الأمنية لمعطياتهم.
– الاعباء المالية والاقتصادية التي تتحملها الدولة.
– التجمعات العشوائية والتي تكون خارج سيطرة الدولة.
– ضرب منظومة القيم الأخلاقية والدينية للدولة.
– الحلول الممكنة لمكافحة الظاهرة:
– تأمين حماية أفضل للحدود.
-إجراءات لجوء أسرع واتفاقيات إعادة فعالة.
– تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، قيجب أن تعمل الدول معًا عبر الحدود لتنسيق سياسات الهجرة وتبادل المعلومات وتقديم الدعم المشترك لإدارة التدفقات الهجرة بشكل أفضل.
– إقناع الأوروبيين بدعم التنمية في الدول الأصلية للمهاجرين التي تعيش أوضاعا صعبة ومعقدة بسبب الحروب والتغييرات المناخية.
– تشجيع العودة الطوعية الى البلد الأصلي بالتعاون مع المنظمات ذات الصلة والبلدان الاصلية.
– تطوير سياسات أمنية واستراتيجيات طويلة الأمد لمكافحة هذه الظاهرة،
– تشديد العقوبات على عصابات تهريب المهاجرين.
– التفاوض مع الجانب الأوروبي يشان إيجاد حلول عملية وفعالة لوضعية المهاجرين الافارقة المتواجدين في البلاد والتهديد بفتح البحر امام عبورهم في اتجاه أوروبا.
– رفض سياسة التوطين.
– الترحيل القسري عند الاقتضاء.