مقالات قانونية

إصلاح القضاء

الحلقة السادسة الجزء الثالث

إقامة العدل

بقلم الهادي كرو

في إطار الدراسة المتعلقة بإصلاح القضاء والتي صدرت في شانها إقتراحات تضمنتها خمس حلقات خصصت على التوالي للبحث ومحطاته وللمحاكم وتركيبتها ولتوحد القضاء والمحاكم وتخصص الحلقة السادسة لضمان إقامة العدل وهذا الجزء الثالث . التشريع والعدل الدستور والعدل إن معنى العدل في الدستور هو إعطاء الحق لصاحبه طبقا لما يقتضيه القانون ومتى طبقت المحكمة هذه الفاعدة يكون حكمها منصافا وعادلا ولو كان مخالفا لراي القاضي ووجدانه .

من الطبيعي ان تلزم هذه القاعدة نواب الشعب بان لا يصادقوا على القانون إلا إذا كان يعبٌرعن إرادة الشعب ويحقق مصلحته ويضمن إقامة العدل وان تلزم هذه القاعدة القضاة بان لا يطبقوا في قضائهم إلا القانون وتلزم محكمة التعقيب بان تراقب حسن تطبيق القانون وتنقض الحكم المخالف لهذه القاعدة .

وتبعا للمفهوم الدستري للعدل تتحمل مسؤولية عدم إحداث المحكمة الدستورية السلطة التشريعية لان سبب تعطيلها حتى لا تحدٌ من سلطتها وتراقب دستورية القوانين التي تصادق عليها. ورغم ذلك فإن خرق القاعدة يحدث بصفة رتيبة من السلطات الثلاث وتتحمل السلطة التنفيذية القسط الاوفر من المسؤولية لانها تبادر بمشاريع القوانين المتعلقة بفبول المعاهدات والإتفاقيات الدولية والموافقة عليها والإنضمام اليها .

المعاهدة والعدل

إن القيمة القانونية المعاهدة الموافق عليها من المجلس النيابي والمصادق عليها اعلى من القوانين الداخلي وادنى من الدستور حسب الفصل 20 من الباب الأول من دستور 2014 المتعلق بالمبادئ العامة وهذه القاعدة تلزم الدولة بسن قانون يتعلق بحقوق واجبات المعاهدة وتطبيقه ولو كانت احكامه غريبة عن ثقافة الشعب وطباعه وطموحاته ولا تحقق المصلحة ومن الآثار المترتبة عن قبول بعض المعاهدات والمصادقة عليها الإنضمام الى الدول والمنظمات التي صادقت عليها والإلتزام بسنٌ القوانين الداخلية المعنية بها وهذا امر عادي يسائر للتطور ما دامت احكام القوانين الجديدة متفقة مع مقاصد المعاهدة ولا تمسٌ من الحرية الشخصية و مصالح الشعب وطموحاته .

لقد صادقت تونس يوم 28 ماي 1964 على المعاهدة الوحيدة لسنة 1961 المعدٌلة باتفاق مارس 1972 والتي ترتب عنها في الداخل علاج المدمنين فانشاء مكتب وطني لإخضاع المدمين للعلاج لم يشتغل وبقيت المعالجة بمستشفى الامراض العقلية بمنوبة وصادقت على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988التي إعتمدها المؤتمر في جلسته العامة السادسة انمعقدة يوم 19 ديسمبر 1988 وصدر إثرها قانون المخدرات الحالي عدد 58 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 .

يا خيبة المسعى لو كان سبب المصادقة على المعاهدة هو الإغراء المعلن عنه في المادة 10 من الإتفاقية المتعلقة يالتعاون الدولي وتقديم المساعدة الى دول العبور وهو التالي ” تتعاون الأطراف مباشرة من خلال المنظمات الدولية او الإقليمية المختصة لمساعدة ومساندة دول العبور ولا سيٌما البلدان النامية التي تحتاج الى مثل هذه المساعدة والمساندة ويكون ذلك بقدر الإمكان عن طريق برنامج للتعاون التقني فيما يخص الأنشطة المتعلقة بتجريم العقاقير المخدرة ” القانون الداخلي والعدل يتعلق القانون عدد47 لسنة 1964 بتحجير زراعة التكروري وحصاده ومسكه وعرضه وتوزيعه والتوسط فيه وشراء هذه النبتة وبيعها واحالتها بدون عوض ونقلها وتصديرها وتوريدها وجولانها وتحويلها واستخدامها واستعمالها واستهلاكها وبتحجر زراعة خشخاش الافيون وحصاد سائر اصنافه .

تستوجب المخالفة وإرتكاب الجريمة العقاب بالسجن من عام الى خمسة اعرام وبالخطية من مائة دينار الى عشرة الاف دينار . .. ويحكم بأقصى العقوبات وبالخطية على من شرّك غيره في إنتاج التكروري وتحضيره وتسهيل استعماله وتضاعف العقوبات عند العود وتكوين عصابة او التواطئ بقصد ارتكاب الجرائم المذكورة وعلى من ارتكب احدى جرائم التكروري ضد قاصروعند مشاركة موظف اثناء او بمناسبة قيامه بوظيفه . والمحاولة موجبة للعقاب والفصل 53 المتعلق بظروف التخفيف لا ينطبق على جرائم الفصلين 4 و5 .

* ويحكم بعقوبة السجن ولو ارتكبت مختلف الأعمال المكونة لعناصر الجريمة بدول متعددة والحكم بعقوبات تكميلية أحيانا امر وارد . يتضح مما سبق بيانه ان العقاب واحد عند ارتكاب أي جريمة من جرائم المخدرات المتعددة والمعنية بالقانون عدد 47 لسنة 1964 لان الجرائم متساوية الخطورة وتتاتى خطورتها الجريمة من البلاد والمكان التي ترتكب فيه الجريمة .. رغم ان هذا القانون متفق مع مقاصد المعاهدة ولا يضر المواطنين ويلزم الدولة بمحاكمة المجرم ولو ارتكب مختلف الأعمال المكونة لعناصر الجريمة المعنية بالمعاهدة بدول متعددة وبعقابه بالسجن ورغم ذلك فقد وقع إلغاؤه ولم تخف الحكومة أسباب التخلي عنه وتعويضه بقانون المخدرات الحالي عدد 52 لسنة 1992 . الجزء الر ابع القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 8 ماي 199 لم يعط للقانون عدد 52 لسنة 1992 تعريفا للمادة المخدرة وضبط المخدرات المعاقب عليها بالجدول ـ

ب ـ الملحق بالقانون. ويشتمل الجدول وقت صدور القانون على مائة وثلاثة وستين مادة 163 أضاف لها القانون عدد 6 لسنة 2009 المؤرخ في 26 جانفي 2009 ثلاث مواد مخدرة وكلها غريبة عن المجتمع التونسي باستثناء القنب الهندي ( التكروري ) والخشخاش وقد تعرٌف أصحاب المال والجاه السنين الأخيرة على مادتي الكوكيين والمورفين . حين ضبط القانون المادة المخدرة المعاقب عليها وادرجها في قائمة ملحقة بالقانون تسمى الجدول “ب” فإنه يترتب عنه وجوب التنصيص بالحكم القاضي بالإدانة على نوع المادة الصادر من أجلها الحكم بالعقاب والحاكم ملزم بالقضاء بعدم سماع الدعوى عندما تكون المادة أداة الجريمة غيرمخدرة وغير مدرجة بالجدول “ب” الملحق بالقانون عدد 52 لسنة 1992 .

والمؤكد ان غاية معاهدات المخدرات هي مكافحة جرائم زراعة المادة المخدرة والإتجار بها وهي متعددة وخطيرة وعقابها شديد لانها ترتكب عادة في دول ومن دول ومنظمات وعصابات التهريب فإذا بقانون المخدرات عدد 52 لسنة 1992 ينص على جرائم المخدرات وعلى عقاب كل نوع منها بعقوبات متفاوتة ويستهل احكامه بالتنصيص على جريمة لم تقصدها المعاهدة ولا قيمة لها حسب مقاصدها وهي جريمة استهلاك أو مسك لغاية الإستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها وهي الجريمة التي يقدر الشعب على فعلها ولم تقصدها المعاهدة ورغم ذلك فإنها لا تكافح بالطريقة العادية والقانونية التي تكافح بها عادة ظاهرة الإجرام التي لا يخلو منها مجتمع وهي إعتداءات معروفة وافعال منبوذة في كل المجتمعات وإنما تكافح بطريقة مخالفة لكل الأعراف والمبادي ولمفهوم العدل العام والخاص .

بإستثناء الجريمة الملعونة استهلاك او مسك لغاية الإستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها وجريمة الترويج التي صنعنا ها و التي لاعلاقة لها بجريمة الترويج في المعاهدة وفي قانون المخدرات عدد 52 لسنة 1992 فإن مكافحة الجرائم الأخرى امر مستحيل لعدم وجودها مثل زراعة النبتة المخدرة التي لم ترخص الحكومة فيها وتراقب مع ذلك زراعتها في ” المحابس ” وفي الجفن على الأرض وفوق السطوح و المخدرات الخطيرة تعبر البلاد وتتاركة الفتات للشباب .

لعل سبب المبالغة في مكافحة جريمة الفصل الرابع من القانون عدد 52 لسنة 1992 وهي استهلاك أو مسك لغاية الإستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها هو الدعم الإتحاد الأوروبي والدول والمنظمات الأجنبية المترتب عن المصادقة على المعاهدة . ومن الممكن ان يكون عدم التصدي ومكافحة الجرائم التي تفشت في البلاد بعد الثورة سببه المفهوم الجديد للحرية ولحقوق الإنسان عند بعض المواطنين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى