الأخبارتونس

إصلاح القضاء

بقلم الهادي كرو

لا بدٌ من التأكيد ان الدراسة معنية بإصلاح القضاء وليس بأصلاح القضاة لان إصلاح الشأن الأول يتعلق بمهمة امرها بيد السلطة العمومية في حين ان إصلاح الشأن الثاني يتعلق بوظيفة امرها بيد ذات بشرية.

لا جدال ان المقصود أساسا بالإصلاح هي مهنة القاضي المتمثلة في النظر في القضية قصد النطق بالحكم فيها وان المجلس الأعلى للقضاء لا علاقة مباشرة له بإصلاح القضاء لانه مؤسسة أحدثت للإشراف على سير القضاء على الحال التي حددها نظام يشتمل على هذه المؤسسة في تركيبة مغايرة وهكذا يتبين ان الوظيفة المعنية بالإصلاح هي التي يباشرها القاضي وتتنزٌل في نظام قضائي تكرسه بالخصوص مجلة الإجراءات الجزائية وقوانين أخرى وهذا هو ميدان إصلاح القضاء .

لا شك ان التشريع التونسي ورث هذه المجلة عن الاحتلال الفرنسي الذي جلب للبلاد تشريعا لم تتخل عنه السلطة الوطنية بعد إلاستقلال رغم ان اغلب الاعمال الإجرائية تحمل طيٌها وقائع حدثت وهي غريبة عن مجتمعنا ولها أسباب سجلها تاريخ إجراءات القضاء الفرنسي وهي تشكل في الواقع نشازا بالنسبة للقضاء التونسي .

والجدير بالتاكيد ان المقصود بالقضاء سواء في مجلة المرافعات المدنية او في مجلة الإجراءات الجزائية هو القضاء العدلي الذي تتفرٌع عنه كل الخطط القضائية الأخرى .

لا شك ان القضاء العدلي يشتمل من اصله على المادة المدنية التي تطبق عليها بالخصوص مجلة المرافعات المدنية والتجارية والمادة الجزائية التي تطبق عليها بالخصوص مجلة الإجراءات الجزائية لذا لا بد من التأكيد بان القضاة لا علاقة لهم عند مباشرة وظائفهم بهذا التقسيم لان تكوينهم يؤهلهم لتطبيق القانون سواء تعلق بالمادة المدنية او المادة الجزائية لذلك هم يتولون حسب تعيينهم النظر في القضية والحكم فيها بصرف النظر عن المادة القانونية المتعلقة بها .

لا ينكر احد ان شمولية مهنة القاضي وعدم تخصصه امر يجلب له إلإعجاب من سعة المعرفة ويكسب الهيئة القضائية مميزات السلطة وهيبتها .

إن حق القاضي الذي يمكنه من القضاء على السواء في المادة المدنية او في المادة الجزائية لا يقل قيمة عن حقه في مباشرة أي وطيفة من الوظائف القضائية فهو تارة في النيابة العمومية لدى المحكمة الإبتدائية او لدى محكمة الإستئناف او لدى محكمة التعقيب وتارة في التحقيق لدى المحكمة الإبتدائية او في دائرة الإتهام بمحكمة الإستئناف وطورا في المحكمة على إختلاف درجاتها ناحية وإبتدائية وأستئنافية وعقارية وتعقيبية .

إلا ان التطور الحاصل في جميع المواد جعل ميدان القضاء فسيحا وقد برزت علوم جديدة اكدت ضرورة التخصص والعمل به وتمكين القاضي من التفرغ لمادة قانونية تكون موضوع إختصاصه .

إن النظام الحالي للقضاء لا يضمن المساواة بين القضاة في العمل وظروفه وفي الجهد المطلوب بذله في كل خطة يباشرها القاضي ويكفي المقارنة في هذا الشأن بين التعب الذي يصيب القاضي الجالس من اجل إعداد ملفات القضايا الجزائية ودراستها والحكم فيها سواء في جلسة الحكم او خارجها والفراغ الذي يحس به في المقابل القاضي ممثل النيابة العمومية سواء خارج الجلسة او عند جلوسه على يمين المحكمة .

اما القضية المدنية فالنيابة العمومية حاضرة بالنص وغائبة في الواقع ويتجسم تدخلها في القضية مطالبة المحكمة كتابيا وعند الإقتضاء بتطبيق القانون وفي النهاية فان التعب الذي يلاقيه القضاء الجالس لا يمكن قياسه بالراحة التي ينعم بها القضاء الواقف علما وان الوقوف مجازي والجلوس حقيقي .تلك اذن هي بعض الأسباب التي تحتم المبادرة بإصلاح هذه الظاهرة في القضاء .

الإصلاح وطريقته حتى يتاكد من ليس له شان بالنظام القضائي ان القضاة عند ممارستهم لمهامهم يلتحقون بإحدى الوظائف التالية

1 – النيابة العمومية 2

– التحقيق

3 – المحكمة

4 – المحكمة العقارية

5 – محكمة التعقيب

6 – وزارة العدل مع التأكيد بان الوظائف الثلاث الأولى توجد بنفس الشكل بالمحكمة الإبتدائية وبمحكمة الإستئناف عملا بحق المتقاضي في ان ينظر في قضيته على درجتين إثنتين . إن عملية إلإصلاح الكامل القضاء تقتضي إتباع الوظائف المذكورة والمستوحاة من المجلتين المذكورتين والقوانين المعمول بها وهي بمثابة المحطات التي يمكن ان تمرٌ بها القضية دون إلتفات الى اي قطب قضائي تم إحداثه لانه عنوان بذخ لا نقدر عليه ولا فائدة ترجى من ورائه .

لا ينكر احد ان الإصلاح ضرورة يقتضيها ضمان أولا إستقلال القضاء وثانيا حسن سيره مع سرعة الفصل والإجتهاد الصائب .

من اجل ذلك فإن الإصلاح المتاكد يتعلق بفصل بعض الخطط القضائية عن بعضها وتكليف القضاة بعد التخصص بممارستها وفي ذلك ضمان لإستقلال القضاء وهو امر اوكد من الإصلاح الرامي الى حسن سير البحث في القضية الجزائية وحذف بعض محطاته وهو موضوع الإقتراح الثاني .

يقتضي الإصلاح الأول الرامي الى ضمان إستقلال القضاء العمل بمبدإ يتعلق بالقضاء الجزائي وبتقسيمه بالنظر الى القضاة الذين يمارسونه الى قسمين إثنين القضاء الواقف والقضاء الجالس والمقصود بالقضاء الواقف هي النيابة العمومية وبالقضاء الجالس هي المحاكم المنتصبة لإصدار الاحكام .

1 – القضاء الواقف او النيابة العمومية وإستقلال القضاءإن لتسمية القضاء الجزائي بالقضاء الواقف والقضاء الجالس في المادة الجزائية تاريخ في فرنسا لان الأول يضم هيئة كان أعضاؤها ينوبون الملك امام المحكمة ضد من يمتنع من خلاص الجبابة مثلهم مثل المحامين الذين ينون المتقاضين ويدافعون عنهم وهم وقوف فاصبحوا ينوبون عندنا الجمهورية وهم قضاة قل ان تراهم وقوفا ولهم حق إثارة الدعوى العامة وتتبعها .

لا يسمح النظام الجزائي بان تتعهد المحكمة من تلقاء نفسها وتنظر في القضية الجزائية بعد وقوع الجريمة إلا إذا إرتكبت في الجلسة وإنما تنشأ بمجرّد وقوع الجريمة دعوى عمومية تهدف إلى تطبيق العقوبات من أجل الإعتداء الواقع على المجتمع وعلى الحق العام وهي ملك للدولة وللجمهورية يتصرّف فيها وكلاء هم حكام يمثلون النيابة العمومية في المحاكم بمختلف درجاتها.

يمارس قضاة النيابة العمومية وظائفهم بالمحكمة المعينين بها وهم موجودون بكلّ المحاكم على إختلاف درجاتها بالنص وبالحضور. ويمثل وكيل الجمهورية بنفسه أو بواسطة مساعديه النيابة العمومية لدى المحكمة الإبتدائية ولدى محكمة الناحية وله سلطة على سائر ممثلي النيابة العمومية التابعين للمحكمة الإبتدائية.

ولئن إقتضى القانون أن النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية وتمارسها كما تطلب تطبيق القانون وتتولى تنفيذ الأحكام فإن إثارة الدعوى موكولة أساسا لوكيل الجمهورية .يمثل الوكيل العام بنفسه او بواسطة مساعديه النيابة العمومية لدى محكمة الإستئناف وهو مكلف بالسهر على تطبيق القانون الجزائي بكامل المنطقة التابعة لمحكمة الإستئناف وله سلطة على سائر ممثلي النيابة العمومية التابعين لمحكمة الإستئناف كما له حق الإستنجاد مباشرة بالقوة العامة اثناء ممارسته لوظائفه .

يمثل النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب وكيل الدولة العام بنفسه أو بواسطة المدعين العموميين لدى محكمة التعقيب وهم يقومون بالأعمال التالية في حدود هذه المحكمةـ حضور جلسة المرافعة التي تعقدها محكمة التعقيب بحجرة الشورى والتي يمكن أن يسمح للمحامي حضورها إن طلب ذلك كتابة ـ الطعن بالتعقيب بناء على الأمر الصادر من وزير العدل وذلك في أجل ستين يوما من تاريخ صدور الحكم .

ـ الطعن بالتعقيب لصالح القانون رغم فوات الأجل في الحكم إذا كان فيه خرق للقانون ولم يقم أحد بالطعن فيه في الإبان والملاحظ أن النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب لا تثير الدعوى العمومية وإنما تباشر أعمالا معينة في حدود هذه المحكمة .. خصائص النيابة العمومية ولهيئة النيابة العمومية خصائص تختلف بها عن هيئة التحقيق وهيئة المحكمة لان قضاتها يشكلون هيئة يشتركون في أداء مهامها ويمكن أن يعوّض الواحد منهم الآخر في القضية بإعتبارهم يدافعون جميعا عن شخص واحد وهي الدولة أو الجمهورية (الحق العام) خلافا لقضاة الحكموأعضاء النيابة العمومية غير مسؤولين عن نتائج ممارسة مهنتهم وغير مستهدفين لتحمّل الغرامات أو المصاريف عند صدور الحكم بعدم سماع الدعوى العامة التي اثاروها وتتبعوها .

ولقضاة النيابة العمومية السبق في القيام باعمال البحث عند وقوع الجريمة سواء مباشرة او عن طريق الضابطة العدلية ويمكنهم الإذن بالإحتفاظ بالمتهم اوإيقافه وإيداعه بالسجن بواسطة بطاقة إيداع .العلاقة بالسلطة التنفيذية لا جدال ان أعضاء النيابة العمومية هم قضاة يتبعون النظام القضائي وان هيئتهم أحدثت للدفاع عن مصالح الملك او الجمهورية وأصبحت تمارس الادعاء العمومي وبذلك فلا غرابة بان يتلقوا اليوم الأوامر من السلطة التنفيذية ويطبقون تعليمات وزير العدل بإجراء التتبعات سواء بواسطة الوكيل العام او بواسطة من يكلفه وان يقدموا للمحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى وزير العدل من المناسب تقديمها حسب الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية .

ورغم وجود النصٌ تلاقي مؤسسة النيابة العمومية اكتر الإنتقاد واشد المؤاخذات بإعتبار مها مها تشكل إعتداءا على إستقلال القضاء .لا يخفى على احد ان النيابة العمومية وإن كانت مؤسسة قضائية فإنها تتلقى الأوامر من السلطة التنفيذية بالنص الصريح وللسلطة التنفيذية على النيابة العمومية نفوذ .

والجدير بالملاحظة ان تدخل السلطة التنفيذية بواسطة وزير العدل في سير عمل النيابة العمومية وتتبع دعواها لا يشكل خطرا على سير الاحكام ونصوصها ما دام التدخل في حدود الادعاء العام .

اما الإمكانية الممنوحة من النظام القضائي للقاضي بان ينتقل في عمله من النيابة العمومية الى القضاء الجالس فإنها مناسبة تمكن السلطة التنفيذية من التدخل في القضاء وإملاء الحكم على القاضي الجالس اذا كان ضعيف الشخصية لا يقدر ان ينسى انه كان تحت نفوذ السلطة التنفيذية وما بالعهد من قدم وانه من الممكن ان يعود لهذا الشأن في نقلة قادمة .

.ان هذا السبب كاف وحده لكي تصبح وظيفة النيابة العمومية وظيفة مستقلة وموضوع تخصص في قسم القضاء الجزائي من النظام القضائي .ولا بد من التأكيد ان التخصص المتعلق بوظيفة النيابة العمومية يبقي لها كل الخصائص والصلاحيات المعترف لها بهامن القانون ومن مجلة الإجراءات الجزائية بالخصوص .

لا جدال أن إستقلال القضاء يقتضي إصلاح النظام المعمول به بما يصير القضاء الجزائي يشتمل على هيئتين مستقلتين قائمتين بذاتهما لكل هيئة قضا تها المتخصصين لا يعملمون إلا بها وهي هيئة النيابة العمومية او القضاء الواقف وهيئة الحكم اوالقضاء الجالس مع التأكيد بانه لا بد من التاسيس لهذا الإصلاح ضمن التكوين الذي يتلقاه الملحقون القضائيون بالمعهد الأعلى للقضاء وهذا شان له اهله .

الحلقة الأولى ( يتبع ) الهادي كرو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى