مقالاتمنوعات

إستقلال القضاء

بقلم الهادي كرو

الجزء الرابع1 – السلطة القضائية

مقدمة

بعد ان تمٌ التطرٌق لموضوع السلطة القضائية وإستقلال القضاء ضمن دراسة تالٌفت من ثلاثة اجزاء خصصت للوقوف على مفهوم السلطة القضائية وإستقلال القضاء في احكام دستور اول جوان 1959 يخصٌص الجزء الرابع لبيان مفهوم السلطة القضائية وإستقلال القضاء المستمدٌ من احكام التشريع الصادر بعد الثورة والمكللة باحكام الدستور الصادر يوم 31 جانفي 2014 .

ولا بد من التأكيد ان مفهوم السلطة القضائية تغيٌر بعد الثورة بما يجعل السلطة القضائية تسجل هبوطا في سلٌم قيم السلط العمومية ويجعل القضاء يحقق إستقلالا يخلف له العزلة والإحتياج.

إستقلال القضاء وإستقلال القضاة . والمؤكد ان لفظ الإستقلال إذا تعلق بالقضاء يكون له إصطلاحا معنى يختلف عن معناه إذا تعلق بالقضاء وبالسلطة القضائية . وفي هذا المعنى يكون الإستقلال بالنسبة للقضاء رهين إرادة السلطة الحاكمة وهيمنة الاحزاب السياسية رغم وجود الدستور الذي يسانده والقانون الذي يحميه.واما إستقلال القضاة فإنه لا يحتاج في أي زمن او مكان الى دستور يدعٌمه وإلى قانون يدافع عنه وإنما يحتاج من القضاة الى رجولة ترعاه وكرامة تذود عنه .

ولا بد في هذا الصدد من إبراز الفرق الوظيفي الموجود في ميدان القضاء العدلي بإعتباره السلطة القضائية الأصلية بين القضاء الجالس والقضاء الواقف وإعتماد الوقوف عنوان على إنتفاء الإستقلال بالنسبة اليه طبقا للاحكام الواردة بالفصول 21 و22 و23 من مجلة الإجراءات الجزائية .

إن صلاحيات النيابة العمومية المتعلقة بإثارة الدعوى العمومية وتتبٌعها بالخصوص تقتضي بالضرورة إعفاء النيابة العمومية من ممارسة سلطة الإذن بالإيقاف سواء كان إحتفاظ او تحفظيا ومن صلاحيات حاكم التحقيق في صورة الجنايات او الجنح المتلبس بها تطبيقا لاحكام الفصلين 26 و34 من مجلة الإجراءات الجزائية لان النيابة العمومية متكونة من قضاة غير مستقلين يطبقون بالنص تعليمات وزبر العدل عضو السلطة التنفيذية.

إن القاضي الجالس هو القاضي المستقل الذي لا يتلقى التعليمات من ايٌ كان ولا يملى عليه نص الحكم سواء بمقابل او بدونه ولا سلطان عليه لغير القانون خلافا للقاضي الواقف عضو النيابة العمومية فإن الإستقلال بالنسبة اليه يفيد انه لا يمكن ان يتلقى التعليمات إلا من وزير العدل ولا ينفذ سواها .

لئن كان هذا هو المفهوم المعروف للقضاة وللسلطة القضائية ولإستقلالهما فان المفاهيم تغيرت بعد الثورة واصبح لإستقلال القضاء معنى جديدا تتوضح معالمه بالتبعية بعد الوقوف على المدلول الجديد للسلطة القضائية وللنظام الجديد لمجلس الأعلى للقضاء .إن المعروف بالسلطة القضائية عند عامة الناس هو القضاء العدلي بإعتباره المؤسسة المؤهلة للنظر في النوازل المدنية والجزائية وإصدار الاحكام فيها وكثير هم الذين لا يعرفون القضاء الإداري وصلاحياته و من لم يسمعوا بالقضاء المالي ومهامه وقد ساعدت على هذا الفهم احكام دستور 1959 المتعلقة بالسلطة القضائية والقوانين المنظمة للحكم التي تعتبر القضاء العدلي قضاء الحق العام الذي تخصص له وزارة العدل لتعتني بشؤونه وهي وزارة سيادة في حين ان القضاء الإداري والمالي قضاء متخصص ينتمي الأول للوزارة الأولى وينتمي الثاني إلى وزارة المالية .

اما الهيئة التي كانت مكلفة بالسهر علي الحياة المهنية للقضاة وهي المجلس الأعلى للقضاء فإنها لم تكن معروفة إلا من اهل الشأن ومن الذين لهم علاقة بالقضاء العدلي خصوصا والسلطة القضائية عموما فإذا بدستور 2014 يحدث تغييرا للمفاهيم سواء تعلقت بالسلطة القضائية اوبالمجلس الأعلى للقضاء وعلى هذا الأساس يخصص الفصل الأول للسلطة القضائية بعد الثورة والفصل الثاني للمجلس الأعلى للقضاء بعد الثورة .

الفصل الاولالسلطة القضائية بعد الثورةتمهيدالمفهوم الجديد للسلطة القضائية لقد احدث دستور 2014 تغييرا كاملا لمفهوم السلطة القضائية واعطاها حجما كبيرا مقارنة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية . رغم ان الهيئات التي تتكون منها السلطة القضائية متعددة ورغم طريقة جمعها لا تبعث على الإدماج وإنما على التفريق فإن السلطة القضائية لا ترتقي في دستور 2014 لا لرتبة السٌلطة التنفيذية ولا لرتبة السلطة التشريعية منفصلتين ولا تعتبر من السلطة المكونة للدولة بل هي سلطة قائمة بذاتها وكانها خارجة عن نظام الحكم المعمول به في الدولة ..

لقد أصبحت السلطة القضائية تضمٌ بنص دستوري القضاء العدلي والقضاء الإداري والقضاء المالي و يتولى السهر على هياكل القضاء الثلاث مجلس أعلى للقضاء يتكوٌن من ترسانة من الأعضاء اغلبهم لا يجلسون لإصدار الاحكام ولهم تخصص يجعل إشرافهم على السلطة القضائية تدخٌل في سير القضاء .

من الجائز ان يتبادر للذهن ان التركيبة الحالية للمجلس الأعلى للقضاء وهو الهيئة المكلفة بتسيير شؤون السلطة القضائية لا يبررها سوى إرادة المجلس التاسيسي في ان يوجد بين من يشرفون على القضاء وعلى القضاة من هم ليسوا بقضاة .وإن إحداث هيئة قائمة بذاتها تتولى وحدها السهر على المهنة ومتطلبات وهي مستقلة عن السلط المكوٌنة للدولة وعن وزارة العدل لا يمكن ان تحقق الإستقلال للسلطة القضائية إلا اذا كان المال الازم لتواجدما بين سلط الدولة وهي مستقلة عنها ماديا .

لقد نتج عن إهتمام المجلس التاسيسي بالسلطة القضائية إنشاء دولة مكوٌنة من ولايات القضاء العدلى والقضاء الإداري والقضاء المالي يشرف عليها المجلس الأعلى للقضاء وسط الدولة الرسمية وفي عزلة عن السلط المكونة لها .

إن الراي القائل بان عزل السلطة القضائية عن وزارة العدل وهي وزارة سيادة جاء إستجابة من المجلس التاسيسي لطلب بعض القضاة وهو يهدف عندهم الى أبعاد نفوذ السلطة التنيذية على القضاء بإلغاء أسبابه .

والجدير بالملاحظة ان هذه الإستجابة نتج عنها خضوع السلطة القضائية لسلد الدولة خاصة عند إستدراج السلطة القضائية الى المساءلة الرسمية من السلطة التشريعية والزام القضاة بان يمثل ينوبهم تحت قبة البرلمان ليناقش مجلس نواب الشعب التقرير السنوي في مفتتح كل سنة قضائية في جلسة عامة للحوار مع المجلس الأعلى للقضاء.وهذا التقرير يعدّه المجلس الأعلى للقضاء سنويا ويحيله إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس نواب الشعب، ورئيس الحكومة في أجل أقصاه شهر جويلية من كل سنة، ويتم نشرهحسب مقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 114 من دستور 2014 والجدير بالملاحظة ان النظام الحالي للسلطة القضائية وللمجلس الأعلى للقضاء روعيت فيه قاعدة الترج في الاحكام لقد إعتنت بالسلطة القضائية بعد الثورة القوانين المنظمة للسلط العمومية أولا ثم دستور 2014 ثانيا ولذا يخصص القسم الأول من هدا الفصل للسلطة القضائية والقوانين المنظمة للسلط العمومية ويخصص القسم الثاني للسلطة القضائية ودستور 2014 .

القسم الاولالسلطة القضائية والقوانين المنظمة للسلط العمومية لئن كان من الطبيعي ان تشتمل القوانين المنظمة للسلط العمومية الصادرة بعد الثورة على الاحكام المتعلقة بالسلطة القضائية إلا انها عمدت كل مرة وبصفة تدريجية الى تغيير إطارها القانوني سواء قبل ان يصدر دستور 2014 بقصد الإشارة والتمهيد لإحكامه المنتظرة بعد صدوره لذلك يتم الرجوع اليها على التوالي وحسب تاريخ صدورها لمعرفة تدرج موقف السلطة الحاكمة من السلطة القضائية ومن إستقلال القضاة المعني خصوصا بالدراسة.ان القوانين المتعلقة بتنظيم السلد العمومية الصادرة قبل دستور 2014 قد مهدت لاحكام السلطة القضائية التي ارساها هذا الدستور .لقد نظمت السلط العمومية بعد الثورة وقبل صدور دستور 2014 القوانين التالية .

1 – المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية .

2 – القانون التاسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلق بالتنظيم الموقت للسلط العمومية الذي انهى العمل بالمرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية المذكور.

لذا تخصص فقرة لكل قانون من القانونين السابقين .الفقرة الأولىالمرسوم عدد 14 لسنة 2011 1 –

المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وهو يمهد للإعلان عن نهاية العمل بدستور 1959 وقد تضمنت ديباجته ” أن الوضع الحالي للدولة…لم يعد يسمح بالسير العادي للسلط العمومية، كما صار من المتعذر التطبيق الكامل لأحكام الدستور “، أي دستور 1959 .وقد صدر هذا المرسوم في العهد الذي كان فيه فؤاد المبزع الرئيس الموقت للجمهورية من 15 جانفي 2011 الى 13 ديسمبر2011. والباجي قائد السبسي رئيسًا للوزراء بداية من 7 مارس 2011 الى 13 ديسمبر 2011 وخلفه حمادي الجبالي .

لقد عوض الباجي قائد السبسي الوزير الأول محمد الغنوشي الذي كان يرأس الحكومة قبل رحيل بن علي وواصل رئاسة أول حكومة بعد الثورة في المدٌة المتراوحة بين 15 جانفي 2011 و27 فيفري 2011. يوم إستقال إثر احتجاجات عنيفة ضده وضد حكومته وبقي فؤاد المبزع في منصب رئاسة الجمهورية .

ومن حظ السلطة القضائية ان القوانين المتعلقة بنظام الحكم لم تلغ اهم القوانين الجاري بها العمل ومنها بالخصوص القانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 المتعلق بنطام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة لئن تعلق القانون عدد 29 لسنة 1967 بالقضاء العدلي فإن المرسوم عدد 14 لسنة 2011 لم يهمل المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات تجسبا لما سيصدر في دستور 2014 فقد خصص لهما القصل 3 الفصل 3 ـ

تمارس المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات صلاحياتهما طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمتعلقة بضبط تنظيمهما وتحديد مشمولات أنظارهما والإجراءات المتبعة لديهما.

واهم هذه القوانين الفقرة الثانيةالقانون التاسيسي عدد 6 لسنة 2011وقد انهى القانون عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلق بالتنظيم الموقت للسلط العمومية العمل بالمرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية المذكور الذي ينص في الفصل 27 على ان المجلس الوطني التاسيسي يقرٌ ما تمٌ من تعليق العمل به بدستور الأول جوان 1959 ويقرر إنهاء العمل نهائيا به بصدور هذا القانون التاسيسي . يطلق المنتفعون بالثورة على هذا المرسوم إسم ” الدستور الصغير ” وهو يعطى البلاد تنظيما جديدا للسلط العمومية يعكس صورة الحكم التي سيتبناها الدستور الذي سيصدر سنة 2014 وقد خصص هذا المرسوم للسلطة القضائية التي تعنينا الفصلين 22 و23 .الفصل 22 ـ تمارس السلطة القضائية صلاحياتها باستقلالية تامة.

بعد التشاور مع القضاة يصدر المجلس الوطني التأسيسي قانونا أساسيا ينشئ بموجبه هيئة وقتية ممثلة يحدد تركيبتها وصلاحياتها وآليات تكوينها للإشراف على القضاء العدلي وتحلٌ محل المجلس الأعلى للقضاء.يسن المجلس الوطني التأسيسي قوانين أساسية يتولى من خلالها إعادة تنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس القضائية العليا العدلية والإدارية والمالية وضبط أسس إصلاح المنظومة القضائية طبق المعايير الدولية لاستقلال القضاء.الفصل 23 ـ تمارس المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات صلاحياتهما طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل والمتعلقة بضبط تنظيمهما ومشمولات أنظارهما والإجراءات المتبعة لديهما.

الباب السادس ثمٌ صدر القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي المنشور بالرائد الرسمي عدد 37 المؤرخ في 7 ماي 2013 صحيفة 1643 .

والمؤكد ان هذا القانون لا يتعلق بتنظيم الحكم بصفة عامة وإنما هو قانون تفصيلي يتعلق بهيئة تشرف على جزء من السلطة القضائية في المفهوم الجديد الذي يعطيه لها دستور 2014 وهو خلافا لراي المجلس القومي التاسيسي يفيد ان القضاء العدلي هو الأصل والقضاء الإداري والمالي هما من فروعه المتخصصة .

ولئن كانت احكام القوانين المنظمة للسلط العمومية بمثابة التمهيد لاحكام دستور 2014 المتعلقة بالسلطة القضائية فإن القنون عدد 15 لسنة 2013 يمهد لمجلس القضاء المتعلق بالقضاء العدلي ببعتباره جزء من المجلس الأعلى للقضاء في تركيبته الجديدة .

هذا وإن تواصل العمل بالقوانين المنظمة للحكم موقٌتا وإنهاء العمل بها وقع بيانه في الفصل 148 من دستور سنة 2014 .الحلقة الثانية القسم الثانيالسلطة القضائية ودستور 2014

يتبع ) الهادي كرو

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى