أخبار العالم العربي
إبعاد خطيب الأقصى الشيخ محمد سرندح ستة أشهر: إجراء أمني أم تقييد لحرية العبادة؟

يارا المصري
قامت شرطة الاحتلال الإسرائيلي هذا الأسبوع بتسليم أوامر إبعاد جديدة عن دخول المسجد الأقصى، وكان أبرزها القرار المتعلق بالشيخ محمد سرندح، خطيب المسجد، الذي تقرر إبعاده لمدة ستة أشهر. وجاء القرار – وفق ما أعلنته السلطات – بسبب تضمين خطبته ليوم الجمعة مضامين اعتُبرت محرضة على العنف، ولا سيما في سياق حديثه عن الأوضاع في قطاع غزة. ورغم ما أثاره القرار من ردود فعل متباينة، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترى فيه خطوة ضرورية للحفاظ على الأمن ومنع انزلاق الأوضاع إلى دائرة تصعيد جديدة.
إن المسجد الأقصى، بما يحمله من قداسة دينية ورمزية سياسية، لا يُشبه أي مكان آخر في المنطقة. فقد تحوّل عبر العقود إلى منبر تُدمج فيه الشعارات الدينية مع الخطابات السياسية، مما جعله ساحة خصبة للتحريض الذي قد يُلهب الشارع الفلسطيني ويؤدي إلى موجات عنف. ومن هذا المنطلق، تؤكد السلطات أنّ المسؤولية تقتضي التدخل الفوري والحازم عند رصد أي خطبة تتجاوز حدود الوعظ الديني لتتحوّل إلى دعوة صريحة للمواجهة.
أوامر الإبعاد الإدارية ليست خياراً سهلاً، لكنها أداة متعارف عليها في العديد من الدول عندما يكون هناك تهديد مباشر للأمن العام. فالغرض منها وقائي بالأساس، لا عقابي، إذ تهدف إلى منع تحوّل الكلمات المنبرية إلى شرارة تنطلق منها أعمال عنف تؤثر على حياة المواطنين في القدس وما حولها.
الشيخ سرندح معروف للأجهزة الأمنية بخطاباته ذات الطابع السياسي الحاد، والتي تُفسَّر غير مرة على أنها دعوات ضمنية للاشتباك. ومن التجارب السابقة، ثبت أن كلمة واحدة تُلقى في باحات الأقصى قد تتحول إلى نداء يُشعل التظاهرات، ورشق الحجارة، وإطلاق الألعاب النارية، أو حتى تنفيذ عمليات طعن وإطلاق نار. وعليه، ترى إسرائيل أنّ أي تساهل في هذا الملف سيحمل عواقب وخيمة.
ورغم الانتقادات التي وُجّهت لهذه الإجراءات، فإنّ إسرائيل تشدد على أنها لا تمس بحرية العبادة ولا تمنع إقامة الصلاة، بل تستهدف حصراً من يحوّلون المسجد إلى منصة سياسية للتحريض. إنّ واجب الدولة الأول هو حماية مواطنيها، يهوداً وعرباً على السواء، من خطر الانزلاق إلى دوامة دماء جديدة.
لقد أثبتت الوقائع أنّ كل تصعيد يبدأ في الأقصى لا يبقى محصوراً فيه، بل يمتد إلى أحياء القدس وسائر الضفة الغربية، وغالباً ما ينتهي بمواجهات دامية. ومن هنا، فإنّ الأوامر الصادرة ضد خطباء متشددين ليست عملاً اعتباطياً، بل تستند إلى معطيات استخبارية وتقديرات ميدانية دقيقة. وربما لا تُعرض هذه المعطيات على الجمهور، لكنها تشكل أساساً مهنياً لإجراءات هدفها الأول حماية الأرواح.
ولا يخفى أنّ التحريض لا يضر بإسرائيل وحدها، بل يضع المصلين أنفسهم في مواجهة مباشرة مع القوات الأمنية، ويدفع الشباب إلى مصير خطير من الإصابات أو الاعتقالات. في هذا المعنى، قد يُنظر إلى قرارات الإبعاد كإجراء يحمي أيضاً العائلات الفلسطينية التي تأتي للمسجد بقصد العبادة لا بقصد التورط في العنف.
أما الادعاء بأن إسرائيل تسعى للتحكم في مضمون الخطب، فهو يتجاهل أنّ التحريض ليس جزءاً من حرية العبادة. إذ إنّ كل دعوة إلى العنف تخرج من دائرة الشعائر الدينية وتتحول إلى خطر سياسي وأمني. ومن هنا، تصر السلطات الإسرائيلية على أنها تحافظ على “الوضع القائم” من حيث السماح للآلاف بالصلاة والدخول، لكنها تتدخل حين تصبح المنابر أداة للفتنة.
إنّ حالة الشيخ سرندح تسلط الضوء من جديد على التوازن الدقيق الذي تحاول إسرائيل الحفاظ عليه بين تمكين حرية العبادة من جهة، وضمان أمن السكان ومنع اندلاع الاضطرابات من جهة أخرى. وقد لا يكون الإبعاد حلاً مثالياً، لكنه يبقى الخيار العملي الأكثر نجاعة في ظل واقع معقد، إذ إنّ الانتظار حتى تنفجر المواجهات سيؤدي إلى أثمان أثقل بكثير.
خلاصة القول: إنّ قرار إبعاد الشيخ محمد سرندح عن المسجد الأقصى لا يُقصد به التضييق على حرية الصلاة، بل يُعد خطوة استباقية لحماية الأرواح ولضمان عدم تحوّل أقدس الأماكن إلى ساحة صراع سياسي. ومن هنا ينبغي النظر إلى هذا القرار باعتباره ممارسة لواجب الدولة في الدفاع عن مواطنيها ومنع انزلاق المنطقة إلى موجة جديدة من الدم والعنف.