أبارك للشيعة عودة الخطاب المسؤول: خطوة تاريخية تُعيد الهيبة والاحترام الداخلي والدولي للطائفة

*بقلم: ناجي علي أمّهز*
بعيداً عما يجري على الساحة السياسية من خلافات حول قرارات الحكومة بينها وبين الكتل النيابية والوزارية والأحزاب والتيارات والمؤسسات الشيعية
فإن النخب في لبنان وخارجه تنظر بارتياح وتقدير عالٍ إلى التحوّل النوعي الذي يشهده الخطاب السياسي الصادر عن الطائفة الشيعية في الأيام الأخيرة. إنها خطوة تاريخية وحكيمة طال انتظارها، إذ جاء قرار حصر التعبير عن المواقف السياسية بالجهات الرسمية من وزراء ونواب حاليين وسابقين وقيادات حزبية، لينهي حقبة من الضجيج الإعلامي الذي طالما أساء للطائفة وصورتها داخليا ودوليا، وخدم أجندات الفرقة وتسطيح الوعي.
عندما يرى اللبناني، مهما كان انتماؤه أو موقفه من حزب الله، رئيس كتلته النيابية الحاج محمد رعد وهو يبكي السيد نصر الله، فإنه يدرك حجم الاحترام والصدق والإخلاص الذي يجمع القائد برفاقه. هذا المشهد يختلف جذريًا عن صورة بوق مرتزق متزلّف يذرف دموع التماسيح أمام الكاميرات، ثم ينقلب على كل شيء حين يتوقف الدعم، فيسيء للطائفة ولشهيدها السيد نصر الله نفسه.
وعندما يستمع الشعب اللبناني لموقف الوزيرة تمارا الزين وهي تشرح بهدوء ووضوح موقفها من القرار الحكومي، يكون الأثر أعمق وأفعل من صراخ وتهديد بعض الأبواق التي لا تجلب إلا الضرر، وتثير التحريض الداخلي والخارجي ضد الطائفة.
عندما يصلك موقف الوزير السابق ابو حمدان من شخصيات شيعية ومسيحية وازنة ومقرون بالاحترام والتقدير، فان هذا الامر يختلف تماما عن ان يصلك فيديو لتصريح بوق يتحدث باسم الشيعة وهو لا يجيد الا لغة الشتم والتحريض وتركيب الافكار باسلوب مستفز يجعلك تكره نفسك انك شيعي.
بل إن المواقف الصادرة عن شخصيات شيعية، تم إقصاؤها عن منابر المقاومة الإعلامية دون أن تكون على خلاف معها، تجد صدى ومصداقية عند الاخر، تفوق مواقف تلك الأبواق المصطنعة. فهذه الأخيرة تتكلم كالببغاوات، دون أي دراية أو إلمام حقيقي بمجريات الأمور، وكل ما تنتجه هو ضجيج فارغ يتبدد سريعاً كفقاقيع الصابون.
إن خطاب الجهات الشيعية المسؤولة لا يضع الطائفة في موقع الدفاع، بل يبرز للعالم وجهها السياسي بعيدا عن من يقبله او يرفضه. فهذه الشخصيات تمتلك التوازن والحكمة والخبرة، بعكس من جعل همّه الوحيد الظهور على الشاشات ولو على حساب مستقبل الطائفة.
لقد لمسنا نتائج هذه الخطوة فورًا: فبدلاً من الجدل العقيم الذي كانت تثيره الأصوات غير المسؤولة، نشهد اليوم تفاعلاً شعبياً ورسمياً ودولياً يتسم بالاحترام والجدية. هذا التحول أعاد الهيبة والمصداقية، وعزز قوة الرسالة السياسية، ومكّنها من الوصول إلى دوائر القرار في الداخل والخارج بفعالية أكبر. لقد أثبتت الكلمة المسؤولة أنها أعمق أثراً من آلاف الصرخات الجوفاء.
هذا النهج يعيد إلى ذاكرتي ما لاحظته قبل سنوات في الساحة المارونية، حيث كان الموقف السياسي يُعبَّر عنه عبر شخصيات رسمية وقيادات حزبية، لا عبر أصوات هامشية. حين سألت عن السبب، جاء الجواب: “لا نقبل أن يمثلنا إعلامياً من لا يحمل صفة أو موقعاً مسؤولاً، مهما كان صوته عالياً”. هكذا تم ترسيخ عُرف بأن يكون الموقف عبر أصحاب الصفة، حفاظًا على صورة المكوّن وهيبته.
اليوم، وبعيداً عن التجاذبات بين الحكومة والتيارات الشيعية، نحن أمام فعل وطني بامتياز. فقوة لبنان من قوة مكوناته وتماسكها، وعندما يختار مكون أساسي بحجم الطائفة الشيعية أن يتبنى خطابًا مؤسسيًا مسؤولًا، فإنه لا يحصّن ساحته الداخلية فحسب، بل يرفع مستوى النقاش العام ويقدم نموذجًا سياسيا فعال، مما يعزز الحوار بين الساسة.
نهنئ الطائفة وقياداتها على هذه الخطوة الشجاعة التي تعكس نضجًا سياسيًا عالياً، ونأمل أن تكون فاتحة لمرحلة جديدة من العمل السياسي القائم على الحكمة والمسؤولية والمؤسساتية، فهي الطريق لعبور التحديات والحفاظ على لبنان جامعًا لكل أبنائه.