أخبار عالميةالأخبار

واشنطن بوست *انتصار حركة ”طالبان” يكشف حقائق هامة عن الشرق الأوسط

ركز المحللون في الشرق الأوسط على معنى انتصار حركة “طالبان” بالنسبة للدور الأميركي. فرأى البعض فيه بيانًا لتراجع دورها وخيانتها لمبادئها وحلفائها وتخليها عنهم في دليل آخر على صحة المقولة المنسوبة للرئيس المصري حسني مبارك من أن “المتغطي بأميركا عريان”.

Read this piece in English: What the Taliban victory spells out for the Middle East

وأعرب البعض عن اقتناعهم بهلاوس من قبيل أن الولايات المتحدة “سلّمت” أفغانستان إلى “طالبان” كجزء من خطة لاستخدام الإسلاميين السنة ضد إيران. البعض الآخر، ومن بينهم قوميون ويساريون، رحبوا به باعتباره انتصارًا لحركة تحرر شعبية ضد الإمبريالية الأميركية. ويبدو وكأن لدى كل مواطن شيئًا يقوله عن أميركا وفشلها، لكنني لم أجد الكثير من المراجعة النقدية لما يخبرنا به انتصار “طالبان” عن المجتمعات الشرق أوسطية نفسها وعن السياسة فيها وفي دولها. وعن هذا، لدي خمس ملاحظات.

أولًا: أن أنصار الديمقراطية الليبرالية من أمثالي ليسوا قوةً سياسيةً يعتمد عليها. فقد فشلوا في بناء قواعدهم تدريجيًا في ظل النظم الاستبدادية مثل إيران وتركيا ومصر وتونس ما قبل فترة الثمانينيات. وفشلوا في قيادة انتفاضات شعبية وفي استغلال الفرص السياسية التي أتاحتها تلك الأخيرة في 2011. وفي أفغانستان كما في العراق فشلوا في تقوية مركزهم السياسي رغم جهود “بناء الدولة” التي استمرت سنوات طويلة بدعم من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول الأوروبية. بالطبع كان هناك فساد وسوء إدارة وتدخل أجنبي لعبوا أدوارًا سلبيةً هامة. لكن في نهاية المطاف هذه هي ظروف السياسة في العالم الحقيقي. وفي هذا العالم فإن الليبراليين الشرق أوسطيين هم – في أحسن الأحوال – حراس للقيم الديمقراطية. أما كطرف سياسي فهم بلا قيمة.

ثانيًا: أن أفكار بناء الدولة ونشر الديمقراطية بالقوة قد ماتت. عودة “طالبان” للحكم تغلق القوس الذي فتحته أحداث 11 سبتمبر 2001، وتحطم أحلام البعض باستخدام القوة الأميركية لاستئصال شأفة التطرف الإسلامي من خلال إحداث تحولات داخلية في المجتمعات الشرق أوسطية. ويعني هذا أيضًا العودة لقبول الاستبداد الشرق أوسطي باعتباره شر لا بد منه. فسواء كان حكمًا عسكريًا أم ملكيًا أم ديكتاتورية أغلبية، سيتمتع مستبدو الشرق الأوسط بحرية حركة أكثر من أي وقت مضى خلال العقدين الماضيين. سيتعرض المستبدون للنقد بسبب انتهاكهم لحقوق الانسان، لكن فقط من باب تسجيل المواقف. لكن من غير الوارد أن تقدم حكومة أجنبية على تعريض علاقتها بهؤلاء المستبدين للخطر من أجل حثهم على إدخال إصلاحات ديمقراطية.

ثالثًا: إن الفروق الدقيقة بين الإسلاميين هي مجرد فروق دقيقة. المتعاطفون مع الإسلاميين ممن يلتمسون الأعذار لهم دائمًا ما يؤنبون المحللين الذين يضعون كل الإسلاميين في سلة واحدة، من “المتطرفين” مثل مقاتلي الدولة الإسلامية وطالبان إلى “المعتدلين” مثل الإخوان المسلمين وتنظيماتها الشقيقة. لكن حين انتصرت “طالبان” تبخرت هذه الفروق. فكما هو منتظر احتفل المتطرفون. لكن كذلك فعل المعتدلون الذين حيوهم باعتبارهم قوة تحرير إسلامية وأشادوا باعتدالهم. أما قادة حركة “حماس”، وهي تنظيم متفرع عن الإخوان المسلمين، فقد هنأوا “طالبان” باعتبارهم مثالًا يحتذى به وحركة ذكية لم تنخدع بالوعود الزائفة كالديمقراطية والانتخابات.

رابعًا: لا يعني هذا مزيدًا من الاستقرار لنظم الشرق الأوسط بل مزيدًا من الجمود. فكما كان الحال في الماضي، فإن قشرة الهدوء التي يفرضها الاستبداد لا تحل الصراعات الاجتماعية حول التحديث بقدر ما تخفيها. وفي معظم الأحوال تزيد من حدتها. هذا هو ما حوّل الاختلاف بين التحديثيين والتقليديين إلى صراع صفري وجذري بين علمانيين وإسلاميين. وبالتالي حين تتعطل قبضة الاستبداد لأي سبب تسقط دول الشرق الأوسط في يد الإسلاميين الذين يقيمون استبدادًا جديدًا. هذا هو ما حدث في إيران بالثورة عام 1989، وفي السودان بانقلاب عسكري عام 1989، وفي تركيا بالانتخابات عام 2002، وفي أفغانستان بالقتال المسلح منذ السبعينيات. لا توجد في الشرق الأوسط قوة سياسية يعتمد عليها تدفع في اتجاه نظام تعددي يقيم استقراره على أساس قدرته على تمثيل المصالح والهويات المختلفة وإدارتها. على الأقل ليس بعد.

خامسًا: إن تقلص الدور الأميركي في الشرق الأوسط سيؤدي لمزيد من التنافس لا التعاون الإقليمي. فكل القوى الإقليمية – إيران، إسرائيل، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، قطر، والمملكة العربية السعودية – لديها خطط ورؤى لتشكيل المنطقة. لكن لا تستطيع أيٌ منها فرضها على الآخرين. وفي نفس الوقت لا تستطيع هذه القوى التعاون فيما بينها. تقليديًا، كانت القوى الخارجية هي التي تحتوي التنافس والنزاعات الإقليمية وعند الضرورة تضع حدودًا للمدى الذي تصل اليه. أما اليوم فلا الولايات المتحدة ولا روسيا أو الصين لديهم القدرة أو الرغبة في القيام بذلك.

باختصار، كل تداعيات انتصار “طالبان” على المنطقة سيئة. لم يكن الشرق الأوسط قبل 11 سبتمبر 2001 منطقة مستقرة بدول ناجحة ومجتمعات معتمدة على نفسها. وهي ليست في وضع أفضل اليوم بعد عقدين من الغليان والآمال المحطمة وتآكل القيادة الأميركية. وفي غياب من يمسك بدفة القيادة فإن فرص تدهور الأوضاع أكبر من فرص تحسنها. لقد حرص الرئيس بايدن على عدم توريث من يخلفه عمليةً فاشلةً في أفغانستان، لكنه قد يكون بذلك قد ورّثه مشكلة أكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى