مدير «الجونة السينمائي» انتشال التميمي: المهرجان وُلد ليبقى

غياب «الجونة» أكد حضوره كدعامة أساسية في المشهد السينمائي بالمنطقة
محمد قناوي – القاهرة
تضمن الملف الصحفي لمهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته السادسة حوارا صحفيا مع انتشال التميمي مدير المهرجان أجرته الزميلة الصحفية “ناهد نصر”يتحدث خلاله عن عودة المهرجان بعد توقف عام كامل، ليواصل ما بدأه قبل سبع سنوات، مؤكدا خلال الحوار أنه أكثر إيمانًا وثقة في حضوره المؤثر في المشهد السينمائي في المنطقة، وفي الرؤى والمفاهيم التي تأسس عليها منذ دورته الأولى، وفي خبراته المتراكمة وقدرته على ضخ دماء جديدة في عروقه، بمرونة وتطلع إلى آفاق جديدة.
انتشال التميمي، مدير المهرجان الذي تولى إدارته منذ دورته الأولى عام 2017، وواضع النواة التي استقرت عليها مفاهيمه الراسخة حتى الآن، يتحدث عن الدورة الجديدة، وعن الجونة السينمائي كنموذج وأسلوب عمل، ويجيب على أسئلتنا:
- يعود مهرجان الجونة السينمائي في دورته السادسة بعد توقف لمدة عام بنفس الانفتاح والانضباط والتنوع وروح التحديث والمواكبة التي ميزته وجعلته يولد كبيرًا منذ دورته الأولى. فما برأيك القيم والأفكار والتوجهات التي حافظت وتحافظ على نجاح وتقدم المهرجان في وجه العواصف؟
في تصوري ما جعل مهرجان الجونة السينمائي ينجح طوال السنوات الماضية ويحظى بالاحتفاء على مستوى الجمهور والنقاد، هو المفهوم الذي بني عليه المهرجان. فقد بدأ بطريقة متكاملة منذ الدورة الأولى، كمنصة للعرض السينمائي، وهو ما يتطلب برنامج عروض قوي وطازج، وهذه نقطة أساسية وجوهرية، فدون برنامج عروض ناجح من الصعب نجاح أي مهرجان سينمائي. العنصر الآخر هو أن يكون المهرجان منصة للإنتاج المشترك. بدأنا منصة الجونة السينمائية بجزئيها جسر الجونة ومنطلق الجونة السينمائي منذ الدورة الأولى، واستطعنا من خلال هذه المنصة أن ندعم فنيًا وماديًا مجموعة كبيرة من مشاريع الأفلام في مرحلة التطوير، وما بعد الإنتاج. هذا بالإضافة إلى الحفل الموسيقي الذي يرافق كل دورة، والمعارض التي تقام على هامش المهرجان. هناك أيضًا ذلك العدد الكبير من النجوم الذين يمنحون لمهرجان الجونة نكهة فريدة، خاصة وأنهم يبقون طوال أيام المهرجان ولا يكتفون فقط بالظهور على السجادة الحمراء، فيمثلون زادًا كبيرًا لدعم المهرجان. كل هذه العناصر تكاملت منذ الدورة الأولى بشكل مدروس لتمثل المفهوم الخاص لمهرجان الجونة السينمائي.

- ما سبب توقف مهرجان الجونة السينمائي، وكيف أثر هذا التوقف على المهرجان وترتيباته وبرامجه المختلفة؟
توقف مهرجان الجونة السينمائي العام الماضي، كان بالنسبة لكثيرين بمثابة علامة على نهاية المهرجان. دعم ذلك الانطباع ما حدث لمهرجان دبي الذي أعلن التوقف لعام لكنه لم يعد، وكذلك الحال بالنسبة لمهرجان أبو ظبي ومهرجانات أخرى. لكننا كنا واثقين من العودة، لذلك على سبيل المثال احتفظنا بالجزء الأكبر من فريق العمل. كانت هذه الفترة بمثابة فرصة لنلمس عن قرب قيمة وأهمية المهرجان لدى الجمهور والنقاد والمختصين كأحد الدعامات الأساسية في دعم الحركة السينمائية في المنطقة، بالاضافة إلى كونه أيضًا فرصة تعرض جزءًا من أحدث إنتاجات السينما العالمية خلال العام، لذلك تم استقبال خبر العودة بحفاوة وترحاب كبيرين. لقد عدنا بقدرات تنظيمية أكبر، وتوجهات أعمق ستكون واضحة للجميع من خلال البرامج المختلفة للدورة السادسة.
- يعود مهرجان الجونة باسم مخضرم في منصب المدير الفني وهي المخرجة والمنتجة ماريان خوري. لماذا وقع الاختيار على ماريان وكيف تجري الأمور مع المدير الفني الجديد ونحن على أعتاب الدورة الجديدة؟
استقطاب ماريان خوري كمديرة فنية لمهرجان الجونة السينمائي هو إضافة مهمة ساعدت على توسيع آفاق المهرجان. فأي مهرجان عليه بالتأكيد ليس فقط الاستمرار بطاقاته وخبراته المتراكمة، لكن أيضًا من خلال ضخ دماء وأفكار جديدة تعمل على تحسين وتطوير الأداء. نحن هذا العام لا نحظى فقط بوجود ماريان خوري، ولكن أيضًا بوجود كلًا من أندرو محسن، وموفق الشوربجي الذي يعمل في المهرجان منذ خمس سنوات ضمن الفريق الفني للمهرجان، وهي إضافة مهمة جدًا. هناك أيضًا في منصة الجونة السينمائية تولي الناقد أحمد شوقي إدارة منطلق الجونة السينمائي، ويوسف الشاذلي، الذي تولى إدارة جسر الجونة. كل هذه إضافات تساهم في تعزيز القيمة الفنية لفريق المهرجان المكون من مجموعة من الخبرات الهامة أيضًا من بينها نيكول جيميه، وتريزا كافينا، ورامان شاولا.

- إدارة المهرجان فريق متكامل ومفاهيمنا مستقرة
- ما أبرز التغيرات التي تطرأ على البرامج المختلفة للمهرجان هذا العام في وجود ماريان خوري مديرًا فنيًا والأعضاء الجدد في الفريق؟
الأعضاء الجدد في الفريق ليسوا غريبين عن مهرجان الجونة السينمائي. ماريان خوري كانت ضمن لجنة تحكيم أحد دورات المهرجان، كما أنها حضرت الدورات الخمس الماضية، ومعرفتي الشخصية بماريان تمتد لأكثر من 25 سنة، وقد قمت بتكريمها في مهرجان الفيلم العربي في روتردام منذ سنوات طويلة، وظلت علاقتنا علاقة تعاون بين منتجة ومبرمج مهرجانات طوال السنوات الماضية. ونفس الشي متعلق بباقي أعضاء الفريق حيث تربطني بأندرو محسن، وأحمد شوقي علاقة ممتدة. هم يعرفون المهرجان بشكل جيد مما جعل دخولهم ضمن نسيج المهرجان وإسهامهم يتم بشكل طبيعي. خاصة وأن دخولهم ضمن فريق المهرجان حدث بعد مهرجان كان السينمائي، أي بعد أن تم إنجاز جزء لا بأس به من برنامج وخطة المهرجان للعام. إلا أن دخولهم المكثف ساهم في دفع العجلة نحو اتجاهات وأفكار جديدة وبالأخص في مجال الصناعة في منصة الجونة السينمائية وجسر الجونة، سواء من خلال توسيع نطاق الندوات والمحاضرات، أو من خلال نقل جلسات المشاريع والندوات إلى البلازا مقر المهرجان الرئيسي واعتباره قلب المهرجان Festival Hub، وأتصور أنها نقلة مهمة في حياة المهرجان ستمثل دفعة كبيرة للمستقبل.
- التزام «آي ايفنت» و«أوراسكوم» بدعم المهرجان يؤكد إيمانهما بأهمية الفعل الثقافي رغم الأزمة
كيف يحقق مهرجان الجونة هذا العام التوازن الصعب بين الظرف الاقتصادي الضاغط وبين الحفاظ على الجودة الفنية وابتكار أشكال متجددة لدعم المشهد السينمائي بكل أشكاله سواء لجهة الصناعة أو الثقافة السينمائية؟
من المؤكد أن وجود وضع اقتصادي مريح يساعد في إنجاح المهرجان وتقدمه بشكل أفضل، لكن العنصر الاقتصادي لا يمثل أبدًا العامل الوحيد أو الحاسم لنجاح أو جودة مهرجان سينمائي، فكثير من المهرجانات الصغيرة رغم صغرها ومحدودية مواردها قدمت دورات ناجحة في حدود إمكانياتها. لكننا بالطبع نسعى لتوسيع موارد المهرجان من خلال التواصل مع عدد كبير من الجهات والشركات الداعمة. جميعها بالتأكيد تواجه نفس الظرف الاقتصادي الصعب، لكنها أيضًا تدرك جيدًا أن هذا الفعل الثقافي يجب أن يستمر، وأن المهرجان فرصة ترويجية حقيقية لها، لذلك هي ملتزمة معنا هذا العام. لم نعاني إطلاقًا على صعيد الدعم المقدم الى منصة الجونة السينمائية من خلال الرعاة المختلفين سواء الذين شاركونا منذ الدورة الأولى، أو دورات لاحقة أو الذين انضموا لنا هذا العام، أو من الجهات والشركات التي تدعم المهرجانات ككل. لا نزال نعتقد أن المهرجانات لديها قدرة جيدة على استقطاب هذه الجهات، كما أن لديها ثقة في أن الأموال يتم إنفاقها بشكل عقلاني في مكانها المناسب لخلق مهرجان ناجح.

- ما الذي تقوله المؤشرات حتى الآن لجهة التوسع في الحضور الجماهيري للمهرجان وهو أمر طالما مثل طموحًا مستمرًا لمهرجان الجونة السينمائي منذ دورته الأولى؟
أي مهرجان يضع نصب عينيه دائمًا أن يكون لديه جمهور أوسع. هناك بالطبع مهرجانات محظوظة لأنها تقع في بلدان يتمتع سكانها بثقافة سينمائية عالية منذ الطفولة، وهناك بلدان مطحونة تعاني من إلغاء دروس الموسيقى والرسم والفنون لسبب أو لآخر. بالنسبة لنا في مهرجان الجونة السينمائي فإن هناك توسع في إقبال الجمهور اتضح بشكل جلي خلال كل دورة من الدورات السابقة من الأولى حتى الخامسة. فعلى الرغم من أن الحضور الجماهيري في الدورة الأولى كان كبيرًا على غير المتوقع في مهرجان يخطو خطواته الأولى، فإن كل عام يمر تزيد معه أعداد الجمهور. مهرجان الجونة ليس مغلقًا على سكان مدينة الجونة، بل يقصده الجمهور من أنحاء مختلفة داخل مصر والعالم العربي وأوروبا أيضًا للاستمتاع بعطلة فنية جميلة. في الدورة الأخيرة للمهرجان كان هناك كثافة كبيرة ومفاجأة للحضور الجماهيري في فعاليات المهرجان المختلفة.
- نفتخر بأننا قدمنا نموذجًا خلاقًا ومحفزًا لكثير من المهرجانات في المنطقة
- وجودك على رأس مهرجان الجونة السينمائي منذ تأسيسه عام 2017 وحتى دورته السادسة بكل التحديات الصعبة والنجاحات الاستثنائية والتقاليد الأصيلة التي صارت نموذجا يحتذى. كيف تنظر لما تحقق وما الآفاق الجديدة التي يتطلع لها المهرجان؟
في الحقيقة ما يميز عمل مهرجان الجونة السينمائي هو الطابع الجماعي للإنجاز، إذ أن لدينا أكثر من قائد وأكثر من مساهم رئيسي نتعاون جميعًا الواحد منا يكمل الآخر على المستوى الفني واللوجيستي وعلى مستوى التخطيط والإدارة والمفهوم. صحيح أنه منذ الدورة الأولى حيث توليت الإدارة كان المفهوم الرئيسي الذي بني عليه المهرجان معتمدًا على ما تعلمته خلال تجاربي السابقة، لكن كان هناك أيضًا التجارب الفنية المختلفة لفريق الإدارة في العمل اللوجستي وإدارة المشاريع التنموية والثقافية. لذلك منذ الدورة الأولى للمهرجان حكم أسلوب العمل التعاون والتكامل بين أعضاء الفريق، وخلال السنوات الست صارت عدة تغييرات في الجانب الإداري لكن في نهاية الأمر توصلنا إلى الصيغة المستقرة الموجودة حاليًا. نفتخر بأننا قدمنا نموذجًا خلاقًا جعل الكثير من المهرجانات الأخرى في المنطقة تنظر إليه بإعجاب وحفزها إلى تقليده، فأهم شيء في عمل المهرجانات وأتصور أي شيء آخر في الحياة هو المنافسة والتحدي الإيجابي والبناء والمفيد للعمل. أتصور أن هناك آفاق كبيرة جدًا لهذا المهرجان سواء في جودي أو في عدم وجودي، في وجود فلان أو في عدم وجوده، فالمهم أننا أسسنا لطريقة عمل وأسسنا فريق ومفهوم وأسسنا لواقع يقول إن هذا المهرجان ولد لكي يبقى.