مقالات
محمد العماري : عيد العمال العالمي: لماذا غرة ماي؟

نشأت فكرة النقابات في بريطانيا بعد الثورة الصناعية ولا سيما في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، وأصبحت أكثر تماسكاً وقوة في بداية التاسع عشر، عندها شعر أرباب العمل بأنها باتت تشكل خطورة على مصالحهم، فأوعزوا إلى ممثليهم في البرلمان الانجليزي بوضع قانون (1800) موضع التنفيذ. هذا القانون المجحف مُنعت بموجبه الإضرابات لأنه ينصّ على معاقبة أي تكتل يظهر بين العمال. إلا أن العمال شددوا من نضالهم معتبرين أن إلغاء هذا القانون، هو من المهمات الرئيسية التي تقع على عاتقهم. وظلوا يقاومون هذه القوانين التعسفيّة بتوحيد مساراتهم في النضال بين الدفاع عن مصالحهم المهنيّة وممارسة الضغط من أجل الإصلاحات السياسية، وبين الاستماتة في الدفاع عن أنفسهم في المطالبة بإلغاء القوانين الجائرة المُحدّة من الحراك النقابيّ. فتصاعد نضال العمال منذ سنة 1816 ممّا اضطر البرلمان الانجليزي سنة 1824 “إلى تعليق القانون 1800 وتجميد منع الإضرابات” جزئياً. هذا التراجع الحكومي تحت الضغط، كان البداية الفعلية لتمكين الحركة النقابية الانجليزيّة بوصفها حركة منظمة حيث تضاعف تأسيس النقابات بعد إلغاء هذا القانون.
أما في فرنسا فكان صراع العمّال مع السلطة الحاكمة فظيعا ودمويّا، فقد تعرض عمال النسيج في مدينة ليون سنة 1830 الذين كانوا يشتغلون 18 ساعة في اليوم، إلى القمع بالرصاص خلال تحركاتهم للمطالبة بتحسين وضعياتهم الاجتماعيّة وكانت الحصيلة 357 بين مدنيين وعسكريين. وكذلك سنة 1834 حيث بلغ عدد ضحايا القمع السلطوي 342 قتيلا و600 جريحا. أما سنة 1848 فكانت الحصيلة ثقيلة. فقد بلغت حسب المؤرخين 3000 قتيل و15000 حالة تهجير دون محاكمة..[1]
كذلك الحال في أمريكا، إذ لم يختلف التعامل مع الطبقة الشغيلة عما وقع في أوروبا.. ففي الأوّل من شهر ماي من سنة 1886 نظم العمال في ولاية شيكاغو، ومن ثم في تورينتو، إضرابا عن العمل حقق نجاحا جيدا حيث أربك الحركة الاقتصادية في المدينة، وقد شارك في هذا الإضراب أكثر من 300 ألف عامل في المصانع التي يعملون فيها في جميع أنحاء البلاد.يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار “ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع”. فكان الردّ قويّا ودمويّا حيث أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت منهم أعدادا كبيرة، ثم محاكمة وإعدام 4 من قادة النقابات رغم عدم ثبوت الأدلة، لشبهة قنبلة ألقاها مجهول في اليوم الثالث من الاحتجاج أدت الى قتل 7 من افراد الشرطة و4 من العمال..
لقد كان الصراع العمالي مريرا ومكلفا مع الحكومات المدعومة من رأس المال في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كامل القرن التاسع عشر تقريبا، حتى تم إقرار الاعتراف بحق وجود النقابات والتنصيص على هذا الحق في اغلب دول العالم، ممّا خوّل للعمال الحصول على عديد المكاسب، بعد أحداث الأوّل من شهر ماي 1886 الدموية في شيكاغو وقد تمحورت هذه المكاسب حول:
1- تحديد ساعات العمل ب ثمان ساعات في اليوم. مع 8 ساعات للراحة و8 ساعات نوم
2- منع تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثماني سنوات.
3- تحديد ساعات العمل بالنسبة للشباب من الجنسين دون 18 سنة بست ساعات إلى أن يبلغوا سن 18 سنة.
4- المساواة في الأجر بين الجنسين.
5- اعتبار الأوّل من شهر ماي يوما عالميا للعمال من اجل تحقيق هذه المطالب وعلى رأسها تحديد ساعات العمل.
وفي سنة 1889 بباريس خلال انعقاد المؤتمر الأول الدولي الاشتراكي تقرر بأن يصبح الأوّل من شهر ماي من كل سنة رمزا لانتصار إرادة العمال، وعيدا عالميا يوحد الشغالين بالفكر والساعد في جل بلدان العالم، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي اختارت يوم 2 سبتمبر «the labour Day» [2]
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل لقد استطاع العمال “أن يؤلفوا بينهم اتحادا أمميّا جامعا لهم وموحّدا لغايتهم ” فتأسس أول مكتب نقابي سنة 1902 تحت اسم “المكتب النقابي الاممي[3]”ثم تأسست بعد ذلك “الجامعة الأممية” في أمستردام بُعَيْدَ الحرب العالمية الأولى سنة 1919 حيث بلغ عدد المُنتقبين (Syndiqués) سنة 1920 في العالم 50.000.000 منتقبا.[4]
محمد العماري.
[1] Le syndicalisme en France.P.18,19
[2] L’Union Générale de Travail- Nouri Boudali p: 189
[3] الطاهر الحداد: العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية. ص 21
[4] الطاهر الحداد: العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية. ص 22