صحيفة (العرب) الليبية العالمية اللندنية
تظل تجربة صحيفة (العرب) العالمية تكتسي أهمية بالغة في تاريخ الصحافة الليبية والعربية باعتبارها أول صحيفة ليبية وعربية صدرت يومياً في العاصمة البريطانية لندن، سواء اختلفنا مع بوصلة خطها وأسلوبها التحريري أو موقفها القومي المعلن، أو توجهاتها المواكبة لتطورات السياسة الليبية والعربية والعالمية منذ بدايات إصدارها، أو اتفقنا على أنها تجربة ليبية شخصية فردية، نالت الكثير من الاحترام والمتابعة، وحققت مستوى من النجاح والتألق والانتشار سواء داخل ليبيا أو خارجها، كما تحدت بقوة العديد من التحديات والصعاب والأعاصير الأيديولوجية التي واجهتها وحاولت إيقافها وإسكاتها، أو كسبها لصفها بشراء ذمتها، وتمويلها المباشر أو تحت واجهة الدعم والإعلانات، وكل ما هو متعارف عليه في المجال الصحفي والإعلامي ظاهراً وما تخفيه الكواليس. أصدرت الصحفية الأستاذة / فوزية الهوني ..”بنت أبيها” .. ابنة الصحفي المؤسس الراحل الأستاذ أحمد الصالحين الهوني رحمه الله، سنة 2016 كتابها (سيرة أب .. صورة وطن) استعرضت فيه بعضاً من حياة والدها الراحل الأستاذ أحمد الصالحين الهوني رحمه الله، ومن خلال تلك الحياة الزاخرة بالعطاء والمثابرة والجد ومشروع الحلم الشخصي تقدم لكل الصحفيين المهنيين الممارسين، وطلبة الصحافة بكلية الإعلام، والمهتمين بتسجيلات التاريخ الوطني، شذرات قصيرة أو رؤوس عناوين لبعض المحطات التاريخية التوثيقية المهمة لميلاد الصحيفة الرائدة، وانطلاق مسيرتها، استذكرتها وسجلتها كشاهدة عيان ومشاركة فاعلة في تجربة (العرب) الصحفية، التي صدر عددها الأول يوم الأربعاء الموافق 1 يونيو 1977م. ففي الفصل الثاني من الكتاب (ص29-46) الذي جاء بعنوان (أنتَ أورثني هذا الحنين) تسرد السيدة فوزية الهوني قصة صحيفة (العرب) الليبية وبداياتها في لندن، كما تناولت في الفصل الثالث (ص 47-59) المعنون (لا أحدَ يشبه أبي) توزيع المهام والوظائف والأدوار على أفراد العائلة الهونية التي تشرف وتدير عملية الإصدار اليومي لصحيفة (العرب) بقيادة المايسترو الراحل أحمد الصالحين الهوني رحمه الله موزعة بين طرابلس ولندن وبغداد وتونس. كما توضح طبيعة علاقة والدها المؤسس الراحل مع أمراء السعودية، والشيخ زايد رئيس دولة الامارات العربية، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وكذلك تشير الى زيارة السيدين أحمد قذاف الدم وعبدالعاطي العبيدي إلى والدها والتفاهم معه، بما يوحي الاتفاق على خط سياسي معين تنتهجه الصحيفة يخفف حدة صوتها، ربما إلى درجة المهادنة ثم التأييد للسياسة الليبية آنذاك، لضمان عودته لليبيا سالماً وممارسته لحياته الطبيعية بها، وهذا ما حصل بعد ترتيبهما مقابلة له مع العقيد معمر القذافي في خيمته. وإن كانت صحيفة (العرب) العالمية قد استهلت مشوارها التنظيمي والعملي بالاستعانة بخبرات مبدع صحيفة (الحقيقة) العريقة الأستاذ الراحل رشاد الهوني رحمه الله، إلاّ أنه سرعان ما انسحب من (العرب) لأسباب لم تفصح عن تفاصيلها المؤلفة، ولكن صحيفة (العرب) واصلت صدورها وإشراقها اليومي بانتظام محققة حضوراً لافتاً في المشهد العربي حتى صارت مصدراً إخبارياً ومعلوماتياً مهما لمعظم الأحداث التي تدور في الوطن العربي والعالم. ويفاجئنا الأستاذ الراحل أحمد الصالحين الهوني رحمه الله بمقالة في ذكرى تأسيسها العشرين يفصح فيها بأن حلم إصدار صحيفة (العرب) لم يكن اختياراً ظرفياً بسبب إقامته في لندن بعد خروجه وأسرته من ليبيا في منتصف سبعينيات القرن العشرين الماضي، وذلك حين أورد في مقاله الافتتاحي المنشور بتاريخ 3/6/1996 بعنوان (العرب تدخل عامها العشرين .. بمبادئها تواجه الردة والانبطاح والفساد) والذي تضمنه كتاب المؤلفة فوزية الهوني، قوله (.. لم يكن تأسيس “العرب” فكرة طارئة بل حاولنا إقامة مؤسسة الإعلام العربي في الستينات ليساهم فيها كل العرب. وقد قدمتُ عام 1968 بصفتي حينذاك وزير للإعلام في بلادي مشروع المؤسسة إلى الجامعة العربية فنال المشروع موافقة جماعية من جميع الزملاء الكرام ووزراء الإعلام في تلك الفترة. كانت مصر عبدالناصر في مقدمة المؤيدين لذلك المشروع .. وللأسف ظل ذلك المشروع إلى يومنا هذا يقبع في دهاليز بيت العروبة!!. وقد أحيينا الفكرة بعد هجرتنا إلى بريطانيا .. وحمانا الله من الأنظمة وصدرت “العرب” بفضل إنسان ليبي عظيم رجل أعمال سلمنا ما طلبناه بدون قيد أو شرط ليختفي بعدها .. لم نلتقي به رغم كل محاولات الوفاء لخلقه وكرمه. أكثر من عشرة أعوام لم نلتقي رغم ما سعينا للقاءه لنقول له إنك عظيم في زمن ندر فيه العظماء أمثالك. وفي احتفالنا بدخول عامنا العشرين نحييه وسنعلن يوماً قريباً عن اسمه بعد أن نستسمحه آملين لقاءه الكريم…) ص 173-174 ويبدو لي – والله أعلم – أن الحاج أحمد الصالحين الهوني قد توفي ولم يفصح أو يلتقي بالإنسان الليبي العظيم، كما وصفه، وهو رجل الأعمال الذي قدم له المساعدة المالية والعون والدعم المعنوي وتشجيعه على تحقيق حلمه الصحفي وإطلاق صحيفة (العرب)، ولم يتمكن كذلك من رد دين المبلغ المالي له. وقد ظل هذا الأمر غريباً جداً في نفسي، ومحيراً لم يقبله عقلي الذي بدأ يطرح العديد من التساؤلات في ذهني .. كيف لم تستطع علاقات امبراطورية العرب الوصول إلى ذاك الرجل العظيم؟ وكيف عجز الحاج أحمد الهوني شخصياً عن ذلك؟ أم أن للأمر ملابسات أخرى لازالت مجهولة ولم يحن الوقت بعد لإعلانها؟ لذلك نجد ابنته الأستاذة فوزية الهوني تفصح، بعد رحيل والدها، عن أسماء الشخصيات التي ساعدته في تأسيس صحيفة (العرب) العالمية في لندن حين ذكرت في قولها (.. استنفر أبي أقرب الناس إليه ممن يعتمد على إخلاصهم وخبرتهم، فالتحق به شقيقه حسن الهوني، ثم رشاد الهوني، رئيس تحرير صحيفة “الحقيقة” المتوقفة آنذاك، والذي سيشاركه فيما بعد، كما انضم إليه رجل الأعمال الليبي الحاج علي السلاك، وأقرضه الحاج يحي عمر مبلغاً مالياً يعينه على بدء مرحلة جديدة من حياته العملية، وكان أن رفض الحاج عمر رفضاً باتاً استعادة المبلغ
الدكتور يونس شعبان الفنادي