سوق الحسبة في الخليل.. سر المعركة الخفية التي تهدد قلب المدينة القديمة

تتجه الأنظار إلى مدينة الخليل مع تصاعد التحذيرات من مشروع استيطاني إسرائيلي يستهدف سوق الخضار المركزي القديم، المعروف باسم “الحسبة”، ما ينذر بتوسيع البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة، التي تُعد من أعرق المدن الفلسطينية.
ويأتي ذلك وسط جهود فلسطينية قانونية وشعبية لوقف هذا المخطط، الذي يرى فيه الحقوقيون خطوة جديدة لفرض واقع جديد في المدينة.
الاستيلاء على الحسبة.. خطوة على طريق التهويد
كشفت لجنة إعمار الخليل عن نوايا الاحتلال الإسرائيلي للاستيلاء على أرض السوق المركزي القديم، الواقع في منطقة السهلة، بهدف إقامة بؤرة استيطانية جديدة.
وهذه الخطوة، بحسب اللجنة، ليست معزولة عن سياق أوسع من المخططات الهادفة إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على البلدة القديمة، التي تشهد توسعًا استيطانيًا متسارعًا.
وخلال اجتماع موسّع عُقد في متحف الخليل القديمة، استعرضت الوحدة القانونية التابعة للجنة إعمار الخليل التداعيات القانونية والسياسية لهذا المشروع.
كما ناقش المشاركون الخطوات الممكنة للتصدي له، مؤكدين أن السيطرة على “الحسبة” تعني مزيدًا من التضييق على السكان الفلسطينيين، في إطار سياسة تهدف إلى تهويد المنطقة وتغيير معالمها التاريخية.
تداعيات المشروع: التاريخ في مهب الريح
أوضح مهند الجعبري، مدير عام لجنة إعمار الخليل، أن الاحتلال يستغل ذرائع أمنية وقانونية لتبرير استيلائه على الممتلكات الفلسطينية.
وأكد أن سوق الحسبة، الذي يُعد جزءًا من النسيج العمراني للبلدة القديمة، يواجه خطرًا يهدد مكانته التاريخية والتراثية، وهو ما يستدعي تحركًا عاجلًا على المستويين المحلي والدولي.
كما أشار الجعبري إلى أن تنفيذ هذا المشروع قد يكون بمثابة “الضربة القاصمة” لاستقرار الحياة في البلدة القديمة، إذ يسعى الاحتلال إلى خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات، ما يُسهل عليه فرض السيطرة على المنطقة بالكامل.
معركة قانونية لحماية السوق
في المقابل، تخوض بلدية الخليل معركة قانونية في المحاكم الإسرائيلية لوقف المشروع، وأفاد المحامي أمجد أبو حديد، ممثل البلدية، بأنهم قدّموا دعوى قانونية في التاسع من يناير الماضي، لإثبات ملكية البلدية للسوق، والطعن في محاولات الاحتلال لانتزاعه تحت ذريعة “عدم استغلاله”.
وأوضح أبو حديد أن نجاح الاحتلال في السيطرة على “الحسبة” سيُشكل سابقة خطيرة، تفتح الباب أمام مشاريع تهويدية أخرى في البلدة القديمة.
أهمية الموقع واستراتيجية الاحتلال
بدوره، لفت المستشار القانوني للجنة إعمار الخليل، توفيق جحشن، إلى أن سوق الحسبة يُعد من أقدم الأسواق في المدينة، ويحتل موقعًا استراتيجيًا بالقرب من مستوطنة “أبراهام أفينو”، التي تُعد من أكبر المستوطنات في المنطقة.
وحذّر جحشن من أن الاحتلال يستهدف هذا الموقع الحيوي لتحقيق اختراق داخل البلدة القديمة، ما يُهدد سلامة السكان الفلسطينيين، ويُضيق الخناق عليهم، في محاولة لدفعهم إلى الرحيل.
تحرك شعبي ودبلوماسي
على صعيد التحركات الميدانية، أعلنت بلدية الخليل عزمها مواصلة الإجراءات القانونية، بالتوازي مع تكثيف الجهود الدبلوماسية لحشد دعم المجتمع الدولي.
كما دعا ممثلو المؤسسات الحقوقية إلى تنظيم فعاليات احتجاجية، وإطلاق حملات إعلامية لتسليط الضوء على المخطط الاستيطاني وخطورته على الهوية الفلسطينية.
وأكد المشاركون في الاجتماع أن التجارب السابقة، مثل الدفاع عن المسجد الإبراهيمي، تثبت أن التحرك الشعبي والدعم الدولي عنصران أساسيان لوقف مثل هذه المشاريع.
رسالة إلى العالم
وسط هذه التطورات، وجّهت لجنة إعمار الخليل نداءً عاجلًا إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية الدولية للتدخل ووقف المخطط.
وأكدت اللجنة أن هذا المشروع يُخالف القوانين الدولية التي تحظر الاستيلاء على الممتلكات في الأراضي المحتلة، داعيةً الدول العربية والإسلامية إلى دعم الجهود الرامية لحماية البلدة القديمة.
معركة الصمود مستمرة
يظل سوق الحسبة شاهدًا على تاريخ مدينة الخليل العريق، لكنه في الوقت ذاته يُجسد معركة الفلسطينيين المستمرة في الدفاع عن أرضهم وهويتهم، وفي ظل محاولات الاحتلال لفرض واقع جديد، تبقى إرادة الصمود والجهود القانونية والدبلوماسية هي الأمل الأخير لحماية هذا الإرث التاريخي من التهويد.
بقلم: أماني يحيي