مقالات

سلسلة في قضايا الأمن الإجتماعي الإستراتيجي كتبها سعيد فارس سعيد

سلسلة في قضايا الأمن الإجتماعي الإستراتيجي

كتبها

 

سعيد فارس سعيد :

 

1. أدوات الاستبداد والظلم.

2. دور المثقف في مواجهة الطغيان

3. وعي الشعوب ومسؤولية الجماهير في التغيير.

4. العدالة كقيمة كبرى.

5. العدالة بين الناس (العدالة الاجتماعية والإنسانية).

6. الحرية والعدالة لا تفترقان.

7. الضمير الإنساني كحارس للعدالة والحرية.

8. الشجاعة والموقف كقوة لحماية العدالة والحرية.

9/ ,العدالة الإنتقالية الهادئة .

_______

 

1. أدوات الاستبداد والظلم

هؤلاء هم أهم أدوات الاستبداد والظلم.

 

كتب/ سعيد فارس سعيد :

 

البعض ممن يدعي الوجاهة والثقافة، يعيش حالات النقص والتكبر والاستكبار، فلا يستطيع أن يخرج من تحت عباءة التعصب والتطرف لقبيلته أو عشيرته أو طائفته. هؤلاء البعض نراهم يلعنون كل مؤمن بمبادئ وقيم الخير وإنسانية الإنسان، ويحاربون كل شريف ناجح بعمله، وخاصة الشرفاء من رجال الفكر، ليس من أجل هدف نبيل أو اختلاف بالرأي، بل من أجل الشيطان، ولخدمة غرورهم، ولأنهم ينتهجون نهج وعقيدة الإقصاء فلا يستطيعون أن يشاهدوا إلا أنفسهم فقط، متوهمين بأن الأرض والسماء والحياة هي ملك خاص لهم.

 

هؤلاء هم أهم أدوات الاستبداد والظلم بالمجتمعات المتخلفة، لذلك يعتمد عليهم أي نظام استبدادي ظالم.

 

2. المثقف الحقيقي…

ضمير الأمة

 

ليس المثقف من يملأ الكتب بالكلمات، ولا من يتزين بالمصطلحات والحديث عن الفكر والعقلانية.

المثقف الحقيقي هو من يحمل همَّ الناس في قلبه، ويجعل من قلمه سيفًا للحق لا مرآةً لغروره.

 

هو من يرى في الظلم خيانة، وفي الصمت جريمة، وفي التبرير سقوطًا لا يُغتفر.

المثقف الحقّ لا يقف على أبواب السلطان، بل يقف في وجهه إن حاد عن العدل.

لا يبيع صوته لمنصب، ولا يساوم على كلمته بثمن زائل.

 

المثقف ليس زينة المجتمع، بل وعيه.

ليس تابعًا للجماهير، بل قائدًا لبصيرتها.

هو من يوقظ العقول حين يغفو الناس، ويزرع الشك في وجوه الأكاذيب حتى يُثمر يقينًا بالحق.

 

أيها المثقفون، أنتم الحصن الأخير حين تنهار القيم، وأنتم النور حين يعمّ الظلام. فلا تخونوا أقلامكم، ولا تخافوا من العزلة؛ فكل فكرٍ حرٍّ يبدأ وحيدًا، ثم يصير أمة.

 

3. وعي الشعوب…

طريق الحرية

 

الشعوب لا تُستعبد بالقوة وحدها، بل بالجهل، وبالخوف، وبالاعتياد على الصمت.

فالاستبداد لا يعيش طويلاً إلا حين يجد من يسكت عنه، أو من يُصفق له، أو من يبرر جرائمه باسم الأمن أو الدين أو الوطن.

 

الوعي هو السلاح الذي تخشاه كل سلطةٍ ظالمة، لأن الشعب الواعي لا يُخدع بالشعارات، ولا يُقاد بالعصا، ولا يبيع حريته بوهم الاستقرار.

 

يا أبناء الوطن، الحرية لا يصنعها بطل واحد، بل وعي الملايين.

لا تنتظروا منقذًا، فالمنقذ الحقيقي هو أنتم، حين تعرفون، وتفكرون، وتقولون: لا، في وجه كل باطل.

 

إن التغيير لا يبدأ من الشوارع، بل من العقول.

حين يتحول السؤال إلى عادة، والشك إلى وعي، والحلم إلى فعل، عندها تسقط أوهام الطغيان، وتنهض الأمم من تحت الركام.

 

4. العدالة…

روح الأوطان

 

العدالة ليست قانونًا يُكتب، بل ضميرًا يُحكم به.

هي النور الذي يُرشد السلطة إلى طريق الصواب، وهي الميزان الذي تُوزن به إنسانية الأمم.

 

من دون العدالة، تتحول القوة إلى بطش، ويصير الحكم غنيمة لا مسؤولية، وتنقلب الأوطان إلى غابة يعلو فيها صوت الظالم، ويُسكت فيها صوت الحق.

 

العدالة ليست في المحاكم وحدها، بل في الكلمة، في الفرصة، في النظرة إلى الإنسان كإنسان.

هي في أن يأخذ كل فردٍ حقه دون تمييز، وأن يشعر كل مواطن أن كرامته محفوظة، لا تُشترى ولا تُمنح.

 

أيها الحاكم، العدل هو ما يبقيك في القلوب قبل الكراسي، وهو ما يحفظ الدولة حين تسقط كل الجدران. ومن عدل في رعيته، كتب اسمه في صفحات الخلود، ومن ظلم، لُعن في ذاكرة التاريخ مهما طال حكمه.

 

أيها الناس، العدالة تبدأ منّا، من تعاملنا مع بعضنا، من إنصافنا في الكلمة، وصدقنا في الشهادة، ونزاهتنا في الموقف.

 

5. العدالة بين الناس…

العدالة الاجتماعية والإنسانية

 

العدالة لا تُقاس في القصور ولا في قاعات المحاكم وحدها، بل في الشوارع، وفي المدارس، وفي أماكن العمل، في نظرة إنسان لإنسان، وفي كلمة تُقال بإنصاف أو تُلقى بجور.

 

العدالة الاجتماعية ليست مجرد توزيع للثروة أو سنّ للقوانين، بل هي أن يشعر كل فرد أنه محترم، وله مكان في هذا الوطن، أن يُعامل الإنسان كإنسان، لا بلون بشرته، أو أصله، أو اسمه، أو طبقته.

 

حين يرى الفقير عدالة في رزقه، والعامل كرامة في جهده، والمريض عناية في علاجه، والمرأة احترامًا في إنسانيتها، حينها فقط تكون العدالة حيّة تمشي بين الناس.

 

العدالة ليست أن نمنح المحتاج صدقة، بل أن نمنحه حقه.

وليست أن نعطي الضعيف عطفنا، بل أن نعطيه فرصته.

 

6. الحرية والعدالة…

توأمان لا يفترقان

 

الحرية بلا عدالة فوضى، والعدالة بلا حرية قيد بوجهٍ جميل.

فكما لا يُبنى الجسد بنصف روح، لا تقوم الأمم بنصف قيمة.

 

الحرية تمنح الحق في التعبير، والعدالة تضمن ألّا يُسحق صوت الضعيف تحت صراخ القوي.

كل نظام يرفع شعار الحرية دون عدالة، يطلق العنان للفوضى والتمييز، وكل نظام يرفع شعار العدالة دون حرية، يبني سجنًا من الصمت والخضوع.

 

7. الضمير الإنساني…

الحارس الخفي للعدالة والحرية

 

الضمير هو العين التي ترى الحق، والقلب الذي ينبض بالعدل، والروح التي تحرس الحرية.

 

الضمير لا يُشترى، ولا يُخدع، ولا يُغفل، يهمس للإنسان بالحق حتى وإن صمت العالم، ويقوده للعدل حتى وإن طال الظلم حوله، ويذكّره بالحرية حين تتراجع الكلمات تحت وطأة الخوف.

 

لا فرق بين إنسان يعيش بلا ضمير وإنسان محاصر بالظلم، فكلاهما فاقد للحرية الحقيقية، وكلاهما بعيد عن العدالة.

 

8. الشجاعة والموقف…

القوة الحقيقية في حماية العدالة والحرية

 

الشجاعة ليست صخبًا في الكلام، ولا تهورًا في العمل، بل هي الوقوف على الحق حين يكون الجميع صامتًا، والقول بما يجب أن يُقال حين يرضى الآخرون بالباطل، والعمل بما يجب أن يُعمل، حتى لو كان الطريق صعبًا وموحشًا.

 

كل أمة تنهض، وكل مجتمع يحيا، وكل إنسان يبقى، يفعل ذلك لأن شجعانًا اتخذوا موقفًا، حتى لو كانوا قلة، لأن الأفعال، لا الأقوال، هي التي تصنع التغيير، وتبني الحرية، وتحمي العدالة.

 

الظالمون يخافون من موقف واحد صادق، والباطل ينهار أمام قلب شجاع، والحق يزدهر حين يجد من يحميه بلا خوف، بلا تردد، بلا مساومة.

 

فلتكن شجاعتكم دائمًا، وليتخذ كل موقفكم قيمة، وليبق الحق حيًا في أقوالكم وأفعالكم، وهكذا تُصان العدالة، وتُحفظ الحرية، ويُبنى الإنسان.

 

🕊️ العدالة الانتقالية الهادئة: مدخل للسلام الاجتماعي في سورية الجديدة

 

في المراحل التي تلي الحروب والانقسامات، لا يكون التحدّي في إسكات البنادق فقط، بل في إعادة بناء الوعي الجمعي والثقة بين المكونات.

فالسلام لا يتحقق بقرارات فوقية أو بتنازلات شكلية، بل بالعدالة التي تُعيد التوازن بين من ظُلم ومن ظَلَم، دون أن تُشعل نار الانتقام.

من هنا تأتي العدالة الانتقالية الهادئة كمدخل واقعي لبناء سورية جديدة، تسير بخطى حكيمة نحو الاستقرار والمواطنة المتساوية.

 

✦ أولًا:

مفهوم العدالة الانتقالية الهادئة

 

العدالة الانتقالية ليست شعارًا سياسيا أو حملة انتقامية، بل هي منظومة قيم وآليات قانونية واجتماعية تهدف إلى:

 

١/كشف الحقيقة دون تشهير،

٢/محاسبة المجرمين دون تعميم،

٣/وجبر الضرر دون إذلال.

 

فالعدالة الانتقالية الهادئة هي تلك التي تعالج الجروح دون أن تفتحها مجددًا، وتُعيد التوازن دون أن تهدم ما تبقّى من روابط المجتمع.

إنها عدالة تقوم على الوعي، لا على الصراخ، وعلى المصارحة، لا على المزايدة.

 

✦ ثانيًا:

الخطوة الأولى – إعادة الأموال المنهوبة

 

أحد أهم المفاتيح لبدء المصالحة الوطنية الحقيقية هو استعادة المال العام المنهوب.

 

لذلك يتوجب على كل من استفاد من منظومة الفساد السابقة —

من المسؤولين السابقين والشبيحة والنافذين والمقرّبين من القوى الخارجية —

 

أن يبادروا طوعًا إلى إعادة الأموال التي سُلبت من قوت الشعب.

ويُخصّص جزء كبير من هذه الأموال لإعمار القرى والبلدات المتضرّرة سواء في ريف حلب وشمال سورية، أوفي سائر المناطق التي عانت من التدمير والتهجير.

 

فردّ الأموال المنهوبة ليس فقط تصحيحًا للخطأ، بل هو بوابة الشرف الوطني لمن يريد أن يبدأ صفحة جديدة مع الوطن.

 

✦ ثالثًا:

الخطوة الثانية – الفرز والمحاسبة القضائية

 

بعد إعادة الحقوق، لا بد من إعادة النظر في وضع كل من تلطّخت يداه بالدماء.

فمن شارك في القتل أو ارتكب جرائم ضد المدنيين، يجب أن يُحال إلى القضاء الوطني المستقل، لينال عقابه العادل دون تشفٍّ أو انتقام.

 

إنّ العدالة التي لا تفرّق بين القاتل والضحية تُحوِّل المجتمع إلى غابة،

 

بينما العدالة الواعية تُعيد الثقة بالدولة، وتمنح كل مواطن الإحساس بأنّ القانون هو السيد.

 

✦ رابعًا:

البعد الاجتماعي والنفسي

 

من دون معالجة الجرح النفسي والطائفي الذي خلّفته الحرب، لا يمكن لأي مصالحة أن تنجح.

لذلك فإن العدالة الانتقالية يجب أن تترافق مع:

 

١/برامج توعية ومصالحة مجتمعية في القرى والبلدات،

٢/إعادة دمج كل من لم تتلطخ أيديهم بالدماء في الحياة العامة،

٣/دعم أسر الضحايا دون تمييز.

 

بهذا الشكل يتحوّل القانون من أداة عقاب إلى جسر اجتماعي للثقة والسلام.

 

✦ خامسًا:

ماهي العدالة الانتقالية الهادئة؟

 

العدالة ليست في كسر الخصم، بل في تحرير الضمير الجمعي من الخوف والانتقام.

إنّ تطبيق العدالة الهادئة يضمن الأمن الاجتماعي ويمنع الانفجار الطائفي، لأنّ الظلم حين يتكرر يصبح وقودًا لحروب جديدة.

 

والعدالة الهادئة هي عدالة العقلاء، لا الغوغاء؛

وهي فعل وطني سامٍ،

لا انفعال سياسي عابر.

 

✦ وأخيرا :

إنّ سورية الجديدة تحتاج إلى عقلٍ باردٍ وقلبٍ كبيرٍ.

وإلى عدالة لا تُذلّ أحدًا ولا تُبرّئ ظالمًا.

فلا بناء بلا محاسبة،

ولا استقرار بلا تسامح.

 

وإنّ العدالة الانتقالية الهادئة هي الخطوة الأولى نحو شرق يولد من تحت الرماد، لا من تحت الركام.

 

سعيد فارس سعيد

كاتب وباحث استراتيجي سوري مستقل

“صوت من أجل شرق يولد من تحت الرماد، لا من تحت الركام.”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى