أخبار عالمية
حين تُقتل الحقيقة في غزة: جريمة مقتل صالح الجعفراوي وعائلة دغمش تكشف الوجه الحقيقي لحماس

يارا المصري
في الوقت الذي ينتظر فيه الفلسطينيون أن توحّد المقاومة صفوفهم في مواجهة الاحتلال، فوجئنا بمشهد مأساوي داخل غزة يكشف وجهاً آخر أكثر قسوة: وجه السلاح حين يُوجَّه إلى أبناء الوطن أنفسهم.
ما حدث في الأيام الأخيرة من مقتل الصحفي صالح الجعفراوي، وسقوط ضحايا من عائلة دغمش على يد عناصر تابعة لحركة حماس، ليس حادثاً فردياً ولا سوء تفاهم عابراً. إنها جريمة سياسية وأخلاقية وإنسانية بكل معنى الكلمة، تُظهر أن من يرفع شعار المقاومة لم يعد يرى في أبناء شعبه سوى خصوم يجب إخضاعهم أو إسكاتهم.
كان صالح الجعفراوي صحفياً شاباً مخلصاً، يوثّق بصور هاتفه ومعاناته واقع غزة المنهكة من الحصار والقصف. لم يكن يحمل سلاحاً ولا يتآمر على أحد، بل كان يحمل كاميرا وصوتاً صادقاً.
لكن الحقيقة كانت أثقل على البعض من الرصاص، فسقط صالح مضرجاً بدمه بينما كان يؤدي واجبه المهني والإنساني في تغطية الاشتباكات التي اندلعت في حي صبرا.
قتله ليس مجرد خطأ ميداني، بل رسالة تخويف موجهة إلى كل صحفي وناشط يحاول أن يقول ما لا يروق للسلطة المسيطرة. من يقتل الصحفيين يخشى الكلمة أكثر من الرصاص، ويخاف الصورة أكثر من الطائرة.
منذ سيطرة حماس على قطاع غزة، لم يعد السلاح وسيلة للدفاع عن الأرض بقدر ما أصبح أداة لتصفية الحسابات الداخلية.
الاشتباكات الأخيرة مع عائلة دغمش ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من مظاهر الهيمنة الأمنية والانتقام السياسي.
كل من يختلف أو يرفض الخضوع يصبح “مشبوهاً” أو “عميلاً”، وهي التهمة الجاهزة لتبرير أي جريمة.
لكن هذه المرة، لم يعد الأمر خافياً. الشارع شاهد، والدم شاهد، والصورة لا تكذب.
حين تخرج المقاومة إلى الشوارع لتقتل أبناء شعبها، فإنها تفقد معناها وتتحول إلى سلطة قمعية تحكم بالخوف لا بالثقة.
الدم الفلسطيني الذي يُسفك اليوم على أيدي فلسطينيين هو أخطر من رصاص الاحتلال، لأنه يضرب جوهر ما تبقّى من نسيج اجتماعي ووحدة وطنية.
كيف يمكن لحركة تقول إنها “تحمي المقاومة” أن تُرعب الناس في بيوتهم؟
كيف لمن يطالب بالعدالة أن يقتل صحفياً لأنه نقل الحقيقة؟
غزة اليوم لا تحتاج إلى مزيد من البنادق، بل إلى ضمير وقيادة مسؤولة توقف هذا الانهيار الأخلاقي قبل أن يتحول إلى عادة جديدة.
مقتل صالح الجعفراوي وعائلة دغمش هو إنذار أخير لكل من لا يزال يصدق أن العنف الداخلي يمكن أن يُبنى عليه وطن.
السكوت عن الجريمة خيانة، وتبريرها جريمة مضاعفة.
المقاومة التي تقتل أبناءها لم تعد مقاومة، بل سلطة تخاف من الحقيقة، وتخشى أن ترى في المرآة وجهها الحقيقي: وجه القمع والاستبداد.