مقالات قانونية

جريمـة التفـريط في معقـول

إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد مدرس جامعي


ينصّ الفصل 278 من المجلّة الجنائية على أنّ “ايعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها ألف دينار كل من يعدم أشياء يعلم أنها معقولة أو يتلفها أو يعيرها أو يخفيها.
والمحاولة موجبة للعقاب.
ويضاعف العقاب إذا وقع الفعل ممن تمّ تعيينه حارسا للأشياء المعقولة.”.
يؤخذ من هذا الفصل أنّ المشرّع أوجب إلى جانب توّفر الركن المادّي والمعنوي.
يتمثل الركن المادّي لجريمة الفصل 278 من المجلّة الجنائية في “فعل الإختلاس” أو “الإعدام”.
لم يعرّف المشرّع التونسي المقصود “بالإختلاس” أو “إعـدام” الأشياء. لكن يتمثل إعدام الأشياء المعقولة أو المرهونة في كلّ تبديد أو إزالة كليّة للشيء وليس مجرّد إتلافه أو تدهور وضعه مثلما هو مشترط لقيام جريمة خيانة المؤتمن.
لا تثير عبارة “الإعدام” إشكالا فيما يتعلّق بتحديد مفهومها بالقدر الذي يثيره فعل الإختلاس، الذي يتخذ أشكال مختلفة بحسب ما إذا كان واقعا في إطار العقلة أو في إطار الرهن، وبحسب ما إذا كان ذلك الرهن حيازيا أو غير حيازي.
لتقريب مفهوم الإختلاس من الذهن، من المتجّه إبراز المقصود من هذا المفهوم من خلال التطبيقات القضائية. حيث يعتبر من قبيل الإختلاس مثلا نقل الشيء المعقول من مكانه المعتاد دون إشعار عدل التنفيذ. صدر في هذا السياق، القرار التعقيبي الجزائي المؤرّخ في 5 مارس 1977 الذي جاء في إحدى حيثياته : “وحيث إقتضى فقه القضاء أنّه لا لزوم لأن يكون المعقول مفقودا أو مخفي بل يكفي عدم وجوده أو عدم إحضاره عند الطلب”
و بخصوص الركن المعنوي فتعتبر جريمة التفريط في معقول من صنف الجرائم القصدية.
ويتمثل القصد الإجرامي في علم المدين بوجود العقلة وتعمّد الجاني التفريط في مكاسبه المعقولة ، إضرار بحقوق الدائن القائم بالتتبّع وفق قواعد طرق التنفيذ المدني لإستخلاص دينـه من تلكـم المكاسب.
يرجع لقاضي الأصل البحث عن نيّة التحايل لدى الجاني، على قواعد التنفيذ المدني. من خلال التفريط أو إختلاس ما وقعت عقلته أو وهنه من مكاسب. لأنّ وجود تلك المكاسب هو محرّك الأساسي لإنطلاق إجراءات التنفيذ المدني.
كما يتمّتع قاضي الموضوع بسلطة تقديريّة واسعة في هذا المجال للتثبّت من توّفر الركن الأدبي وإلاّ كان حكمه عرضة للنقض.
و في مادّة العقـل، فإنّ نيّة الغش أو التحيّل يمكن أن تستخلص من إرتكاب فعل الإختلاس أو الإعدام بالرغم من علم الجاني بوضعية المكاسب المعقولة بكونها تحت يد العدالة، ويكفي وحصول العلـم لـدى الجاني بضرب عقلـة على مكاسبه حتى يتوّفر الركن القصدي في جانبـه.
وقد إشترط المشرّع كذلك وجود أركـان خاصّة بجريمـة التفريط في معقول (الفقرة الأولى) حتى تكون المؤاخذة الجزائيّة ممكنـة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الأركان الخاصة بجريمـة التفريط في معقول.
حسب الفصل 278 من المجلّة الجنائية، تتمثل الأركان الخاصّة بجريمة التفريط في معقول، في ضرب عقلة على مكاسب المتهّم (أ) وأن يقع تعيين حارسا على تلك المكاسب المعقولة (ب).
أ- ضرب عقلـة عـلى مكاسب المتهّـم:
عبّر المشرّع التونسي عن ركن وجود عقلة على مكاسب المتهّم بعبارة “الإنسان الذي عرقل عليه كسبـه”.
تعتبر العقلـة شرطا أساسيّا، بدونـه لا يمكن أن تنهض جريمة التفريط في معقول. بالرغم من ذلك فإنّ المشرّع الجزائي لم يقم بتعريفها، ويرجع ذلك إلى أنّ مصطلح العقلة، يعتبر مفهوم مدني بالأساس، متداولا في مادة طرق التنفيذ.
بالرجوع إلى الفصل 309 من مجلّة المرافعات المدنية، عرّف المشرّع العقلة بالإستناد إلى الأثر الذي ترّتبه. إذ نصّ الفصل المذكور “تهدف كلّ عقلة إلى وضع ما تتناوله من الأموال تحت يد العدالة ومنع المدين من التصرّف فيها في مضرّة دائنيه”.
إعتبر الفقهيه MICHEL VÉRON أنّ عبارة العقلة في نطاق جريمة التفريط في معقول، يجب أن يؤخذ في معناه التقني sens technique، الذي يعني إحدى طرق التنفيذ الهدف منها وضع الأموال تحت يد العدالة.
لم يحدّد المشرّع في جريمة التفريط في معقول، نوع العقلة التي يترّتب عنها قيام الجريمة. لذلك فإنّه يمكن القول، أنّ نطاق التجريم يشمل جميع أنواع العقل، بإعتبارها إجراء تقوم به سلطة التنفيذ المدني بالنيابة عن الدائن يتمّ بمقتضاها وضع أموال المدين تحت يد القضاء، ثمّ يباشر عدل التنفيذ بيعها طبقا لمقتضيات القانون. يترّتب عن ضرب العقلة منع المدين من القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بحقوق الدائن العاقل، فتكون بذلك الإختلاسات المرتكبة من طرف المعقول عليه خاضعة للعقاب المقرّر بالفصل 278 من المجلّة الجنائية. مهما كانت طبيعة العقلة تحفظيّة أو تنفيذية أو توقيفيّة وسواء وقعت على مكاسب منقولة أو عقاريّة.
تثير جريمة التفريط في معقول إشكالا مستـمدّا من وجود عنصر العقلة في هذه الجريمة. يتمثل في معرفة هل أنّ جريمـة الفصل 278 جنائي تعتبر قائمة في حين أنّ العقلة باطلـة؟
تعرّض الفقه الفرنسي إلى هذه المسألة بإطناب معتبرا أنّ عدم صحّة العقلة من الناحية الشكلية أو الأصليّة لا يحول دون قيام جريمة التفريط في معقول وأنّ الحكم ببطلان العقلة بصورة لاحقة لا تضمحل به جريمة التفريط في معقـول.
أمّا فقه القضاء الفرنسي فقد كرّس هذا الإتجاه وبرّره بالإستناد إلى مبدأ “الغلط الشائع يولد الحق”  error communis facit jusوهو مبدأ عام قامت عليه نظرية الظاهر، وطبّق هذه النظرية فقه القضاء الفرنسي في المادّة الجزائية وتحديدا في جريمة التفريط في معقول لمّا تكون العقلة باطلة، فإنّها تبرز كإجراء تنفيذي حقيـقي.
تشترك العقلة بإعتبارها إجراء تنفيذي مع بعض الإجراءات الأخرى التي يترّتب عنها وضع مكاسب المدين تحت إشراف العدالة ورفع يد صاحبها عنها وهو ما يعرف بالمفعول التجميدي للعقلة. هذا الأثر ترّتبه أيضا إجراءات التفليس حيث نصّ الفصل 476 من المجلّة التجاريّة على أنّه “تأمر المحكمة في الحكم الصادر بالتفليس بوضع الأختام. يمكن إجراء هذه التدابير في كل وقت بطلب من الأمين” يعتبر وضع الأختام من بين الإجراءات الوقائيّة التحفظيّة التي ترمي إلى حماية دائني المفلس. فهل أنّ التفريط الواقع في أحـد الأموال المختومـة يخضع لمقتضيات الفصل 278 من المجلّة الجنائيـة؟
تعـرّض المشرّع التونسي إلى هـذه الصورة وخصّص لهـا نصّ خاصّ وهـو الفصل 153 من المجلّة الجنائية الـذي ورد تحـت عنوان “في كسـر الأختام وإعـدام آلات الإحتجـاج”.
كما نظّم المشرّع الجزائي الفرنسي جريمة التفريط أو إختلاس الأشياء التي وقع ختمها في نطاق إجراءات التفليس صلب الفصل 434-22 من المجلّة الجنائية الفرنسية معتبرا إيّاها جنحة مستقلّة عن جريمة التفريط في معقـول.
إلى جانب ضرب عقلة على مكاسب المتهّم، فقد إشترط المشرّع أن يكون الجاني عالما بوجود العقلة، وثبوت العلم لدى الجاني بحصول عقلة على مكاسبه يتمّ بصفة رسميّة بواسطة محضر” إعلام بعقلـة” يحرّره عدل التنفيذ ويبلّغه للمعقول عليه. كما يتمّ هذا العلم بأي طريقة أخرى فإذا نازع المعقول عليه في ذلك فإنّه يجب على المحكمة أن تتثبّت من شرط علم المعقول عليه بالعقلة، وإلاّ كان حكمها قاصر التسبيب مستهدفا للنقض، وهو ما ذهبـت إليه محكمـة التعقيب في قرارها الصادر بتاريخ 6 جوان 1989.
إلى جانب ضرب عقلة على مكاسب المتهّم وعلم هذا الأخير بها. يجب أن تكون المكاسب المعقولة تحت حراسة الجاني أو الغير وهو ما يحيلنا إلى الركن الثاني.
ب- تعيين حارس على المكاسب المعقولـة:
بالـرجوع إلى أحكام الفصل 278 من المجلّة الجنائية، إشتـرط المشرّع أن تكون المكاسب المعقولـة، والتي وقع التفريط فيها تحت حراسـة المعقول عليـه أو الغيـر.
تعني حراسة الأشياء المعقولة، قيام المدين المعقول عليه أو الغير بحفظها من التبديد أو الإختلاس.
وإعتبـر الفقيه Jacques Borricand أنّ شرط تعيين حارس على المكاسب المعقولة، هو الذي يجعل التفريط في تلك المكاسب يرتب خطورة كافية تبرّر إدانة المتهّم جزائيا. أمّا في صورة عدم تعيين حارسا على المكاسب المعقولة، فإنّ أي تفريط فيهـا لا يرتب إلاّ المسؤوليّة المدنيـّة.
إنّ إسناد الحراسة إلى المدين المعقول عليه، أو إلى الغـير يعتبر مسألة تقديريّة ترجع لإجتهاد سلطة التنفيذ.
وإعتبر فقه القضاء الفرنسي في هذا السياق أنّ المدين المعقول عليه، إذا كان هو الحارس على مكاسبه المعقولة. فإنّ ذلك يعني أنّه قبل القيام بهذه المهمّة ويتجلّى قبوله في وضع إمضاءه على محضر العقلـة.
ميّز المشرّع التونسي من حيث العقاب المقرّر لجريمة الفصل 278 من المجلّة الجنائية، بين وقوع التفريط أو إعدام المكاسب المعقولة بين يدي المعقول عليه الحارس لتلكم المكاسب، وبين حصول التفريط في المكاسب المعقولة الموجودة تحت حراسة الغير. حيث رتب المشرّع بالنسبة للصورة الأولى عقابا بالسجن لمدّة ثلاث سنوات، في حين جعل عقاب الصورة الثانية بخمسة سنوات سجنا.
يمكن تبرير هذه التفرقة في عقاب جريمة التفريط في معقول، حسب الشخص المكلّف بحراسة المكاسب المعقولة. أنّ المشرّع يعتبر إمكانية إرتكاب جريمة التفريط في معقول من طرف المعقول عليه الحارس تكون أوفر، نظرا لسيطرة المتهّم مادّيا على مكاسبه المعقولة، وبقاءها تحت إدارته يعرّضها للتفريط. أمّا في صورة إسناد حراسة الأشياء المعقولة للغير، فإنّ إمكانية التفريط فيها تكون صعبة. خاصّة إذا كانت تلك المكاسب منقولة، حيث يتمّ رفعها ووضعها تحت حراسة شخص أجنبي عن المدين المعقول عليه. يتطلّب ذلك بذل مصاريف ومجهود إضافي من سلطة التنفيذ والدائن العاقل. إذا إرتكب المعقول عليه الجريمة، فإنّ ذلك يعني وجود إضمار ونيّة سابقه لإرتكاب جريمة التفريط في معقول. الأمر الذي ربّما دفع بالمشرّع إلى تشديد العقاب في هذه الصورة.
إذا توّفرت الأركان القانونية لجريمـة التفريط في معقول، فإنّه تقع مؤاخذة الجاني جزائيّا وهـو ما يحيلنا إلى الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية : المؤاخـذة الجزائيـة.
تقع المؤاخذة الجزائيّة من أجل إرتكاب جريمة التفريط في معقول، التي جـاء بهـا الفصل 278 من المجلّة الجنائية على شخص محدّد معـني بالتتبّع دون غيره (أ) حتى يتسّنى تسليط العقاب الجزائي عليه (ب).
أ- الشخص المعني بالتتبّع في جريمة التفريط في معقول:
أشار الفصل 278 من المجلّة الجنائية إلى الشخص المعني بالتتبّع بأنّه “الإنسان الذي عرقل عليه كسبه ويعـدم أو يختلس أو يحـاول إعـدام أو إختلاس الأشياء المعرقلـة…”.
يستخلص من أحكام هذا الفصل، أنّ المعني بالتتبّع في جريمة التفريط في معقول هو المدين المعقول عليه دون غـيره. يشترط فيه أن يكون مالكا للشيء المعقول حتى يكون التفريط فيه موجبا للعقـاب.
إنّ إشتراط المشرّع ملكيّة المدين للشيء المعقول، هو تكريس لفكرة الضمان العام التي جاء بها الفصل 192 من مجلّة الحقوق العينيّة “مكاسب المدين ضمان لدائنيه”. لذلك لا يجوز للمدين (المعقول عليه) أن يؤدّي ديونه من مكاسب غيره، فإذا ضربت عقلة على مكاسب الغير وقام المدين بالتفريط فيها فلا يمكن في هذه الصورة مؤاخذته من أجل جريمة التفريط في معقول. بإعتبار أنّ شرط ملكيّة المدين للمكاسب المعقولة مفـقـود.
أمّا في صورة ضرب عقلة على مكاسب الغير، وقام المالك الحقيقي بإسترجاع مكاسبه المعقولة مباشرة دون إثارة إشكال تنفيذي في إستحقاق تلك المكاسب. فإنّه لا يجوز في هذه الحالة تتبّع المالك الحقيقي من أجل جريمة التفريط في معقول. ذهبت إحدى المحاكم الفرنسيّة في هذا السياق، إلى إعتبار أنّ قيام المدين بإعادة الشيء المعقول إلى مالكه الحقيقي لا ينضوي تحت جريمة التفريط في معقول لإنتفاء الإضرار بحقوق الدائنين لأنّ هؤلاء لن يتمكّنوا من إستخلاص ديونهم من ثمن بيعه طالما أنّ ذلك المال لا يدخل في الذمّة المالية لمدينهم.
يترّتب عن تحديد الشخص المعني بالتتبّع، من أجل جريمة التفريط في معقول، بأنّه المدين المعقول على مكاسبه لا مكاسب غيره. سواء كان تاجرا أو غير تـاجر، بإعتبار أنّ الفصل 278 لم يشترط صفـة معيّنة لقيـام جريمـة التفريط في معقـول.
لكن يطرح إشكال بالنسبة لمؤاخذة الذوات المعنوية، من أجل إرتكاب جريمة التفريط في معقول. أقرّ المشرّع الفرنسي في هذا المجال المسؤوليّة الجزائية للذوات المعنوية من أجل إرتكاب جريمة التفريط في معقول. صلب الفصل 314-13 من المجلّة الجزائية الفرنسية. لكن في ظل أحكام الفصل 278 من الجلّة الجنائية التونسية من الصعب تتبّع الذوات المعنوية، من أجل إرتكاب جريمة التفريط في معقول، بإعتبار أنّ النصّ يتحدّث عن “الإنسان الذي عرقل عليه كسبه” ولا يمكن تحميل عبارة “الإنسان” أكثر من معناها وسحبهـا حتى على الأشخاص المعنوية لأنّ ذلك يتنـافى وقواعد تفـسير النصّ الجزائي. يبقى بذلك المشكل مطروحا في إنتظار تدّخل المشرّع لسدّ هـذه الثغـرة.
أمّا بالنسبة لإثارة الدعوى العموميّة ضدّ مرتكب جريمة الفصل 278 من المجلّة الجنائية، فإنّ هذه الإثارة يمكن أن تحصل من طرف الدائن العاقل بناء على شكاية مباشرة للنيابة العموميّة. لكن من الناحية العمليّة، تثار الدعوى العموميّة من أجل جريمة التفريط في معقول بناء على إعلام من طرف عدل التنفيذ بمجرّد إكتشافه للجريمة عند إجراء مقابلة بين الأشياء المعقولة وما تمّت عقلته (محضر تفقد معقول). ينهي عدل التنفيذ إعلامه بإرتكاب الجريمة للنيابة العمومية مشفوعا بجميع المؤيّدات وخاصة محضر العقلة والسند التنفيذي الذي أجريت بمقتضاه العقلة، محضر الإعلام بالعقلة ومحضر تفقد معقول إلى جانب الشكاية باسم الدائن.
إنّ إثارة الدعوى العموميّة بناء على إعلام من طرف عدل التنفيذ إلى النيابة العموميّة. يستند إلى مقتضيات الفصل 29 من مجلّة الإجراءات الجزائية، الذي ينصّ “على سائر السلط والموظفين العموميين أن يخبروا وكيل الجمهوريّة بما إتصّل بعلمهم من الجرائم أثناء مباشرة وظائفهم وأن ينهوا إليه جميع الإرشادات والمحاضر والأوراق المتعلّقة بهـا…”.
تؤدّي إثارة الدعوى العموميّة من أجل جريمة التفريط في معقول وثبوت جميع أركان الجريمة تسليط العقوبات الجزائية.

ب- العـقـاب:
أورد الفصل 278 من المجلّة الجنائية عقوبتين متبانيتين، بحسب ما إذا كانت المكاسب المعقولة قد أنيطت حراستها بعهدة المتهّم المعقول عليه أو إلى الغير. حيث ينجّر عن التفريط في المعقول الموجود تحت يد المدين عقوبة مدّتها ثلاث سنوات سجنا وخطيّة قدرها ألف فرنك، في حين ترتفع العقاب البدني إلى خمس سنوات سجنا وتبقى الخطيّة بنفس المقدار إذا كان التفريط واقعا على معقول أسندت حراسته للغيـر.
يستخلـص من هذه التفرقـة في العقـاب، أنّ المشرّع يعتبر أنّ وجود المكاسب المعقولة تحت حراسة الغيـر، بمثابة ظرف تشـديد يستوجب تسليـط عقوبـة أكـثر صرامـة.
كمـا أنّ المحاولـة في جميع الأحوال، معـاقب عليها بنفس العقوبات المقرّرة للجريمة التامّـة.
تخلّى المشرّع الفرنسي عن هذه الازدواجيّة في العقاب، سعيا منه لتبسيط نظام الزجر. حيث أقرّ جزاء موحّدا للحالتين سـواء أجريت العقلة تحت يد الغير أو تحت يـد المدين نفسه واضعـا عقوبـة سالبة للحـريّة بثـلاثة سنـوات وخطـيّة تقدّر بـ F2500000 فرنـك.
أمّا إذا كان الجاني من الذوات المعنويّة، فإنّ العقوبة الأصليّة ماليّة. تقدّر بخمسـة أضعاف المقدار المقرّر للأشخاص الطبيعيـين، كحدّ أقصى طبقا للفصل 131-38 من المجلّة الجنائية الفرنسيـّة.
كما خولّ المشرّع الفرنسي للقاضي الجزائي، تطبيق العقوبات التكميليّة في الحالتين سواء كان الجاني شخص طبيعي أو معنوي تتمّثل في حجز الأموال المختلسة وتعليق أو نشر حكم الإدانـة. وهي عقوبات صرامة من شأنها أن تجعل المدين المعقول عليه يعدل عن مشروع الجريمة. تتحّقق بذلك الحماية الجزائية اللازمة للدائن العاقل في الحصول على دينه، وعدم عرقلة السير الطبيعي لإجراءات التنفيذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى