الرئيسيةتونسمقالات

تونس تبني اقتصادها الجديد: بين تفكيك معيقات الماضي وبناء الثروة المستقبلية

 

 

تحليل اقتصادي خاص بشمس اليوم

بعد مسار طويل من محاربة الفساد، ومحاولات إصلاح المنظومة السياسية والإدارية، تجد تونس نفسها اليوم أمام منعطف اقتصادي حاسم. لقد آن الأوان للانتقال من مرحلة “تطهير الدولة” إلى “تشييد الدولة المنتجة”، من اقتصاد الريع والانتظار إلى اقتصاد القيمة والمبادرة.

أولاً: من معالجة الفساد إلى خلق الثروة

محاربة الفساد كانت ولا تزال ضرورة وطنية، لكن القضاء على الفساد وحده لا يُنتج الثروة. الاقتصاد لا يُبنى على ما أُزيل، بل على ما يُبتكر. ومن هنا، فإن التحدي الأكبر أمام الدولة التونسية يكمن في بناء نموذج اقتصادي جديد ينهض على ثلاث قواعد: الاستغلال الذكي للموارد، الحوكمة الفعالة، ورؤية إنتاجية واضحة.

ثانياً: أين الثروات الكامنة؟

1. الصيد البحري والاقتصاد الأزرق: سواحل تونس تمتد لأكثر من 1300 كم، ومع ذلك تظل مساهمة الصيد البحري في الناتج الوطني ضعيفة. تطوير هذا القطاع عبر تقنيات حديثة واستثمارات في التصدير يمثل بديلاً حقيقياً للفلاحة التقليدية.

2. الطاقات المتجددة: تونس من أكثر الدول تعرضًا للشمس في المتوسط، ورغم ذلك لا يزال الاستثمار في الطاقة الشمسية دون الإمكانيات. نموذج “المدن الذكية” التي تعتمد على الطاقة النظيفة يمكن أن يحرك عجلة الابتكار والاستثمار.
الجهات الداخلية: الاقتصاد التونسي كان دائمًا متمركزًا في الساحل، والآن حان وقت إحداث التوازن. تحويل المدن الداخلية إلى منصات إنتاج وتكنولوجيات جديدة عبر حوافز حقيقية سيخلق فرصًا ويخفف من النزوح الداخلي.

ثالثاً: من الدولة المهيمنة إلى الدولة الممكنة

الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي لا يعني انسحاب الدولة، بل تحوّل دورها من الفاعل الوحيد إلى “الممكن والمنظم”. المطلوب:

– تحرير الاستثمار من البيروقراطية العقيمة.
– توفير بنية تحتية رقمية ومادية فعالة.
– تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

رابعاً: كيف نرفع مؤشر النمو؟

مفتاح النمو ليس فقط في ضخ الأموال، بل في ضمان استدامة الإنتاج، تحفيز ريادة الأعمال، وتوسيع قاعدة التصدير. يمكن لتونس أن تتحول إلى قطب تكنولوجي أو زراعي أو سياحي متميز في المتوسط إذا توافرت الإرادة السياسية والرؤية الاقتصادية الواضحة.

خامساً: المدن الذكية والسياحة المستدامة

السياحة يجب ألا تظل حبيسة البحر والشاطئ، بل يجب أن تتجه نحو المدن الذكية: مدن مبرمجة، صديقة للبيئة، ومتعددة الوظائف، تستقطب الجيل الجديد من السياح الذين يبحثون عن تجربة متكاملة: رقمية، ثقافية، خضراء.

تونس ما بعد الأزمة

المستقبل الاقتصادي لتونس يتطلب تحالفًا استراتيجيًا بين الدولة والمجتمع والمستثمر. نحن أمام لحظة بناء، لا لحظة تبرير. المطلوب قيادة، وجرأة، وخطة وطنية تضع تونس في صدارة دول الجنوب المتجهة نحو التحول الاقتصادي.

تونس لا تنتظر، بل تنهض وتبني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى