المصالحة “الدستورية – الدستورية ” اساس المصالحة الوطنية
لا شك ان شهر رمضان يحيل دائما الى القيم المثلى التي يتعين ان يتحلى بها الافراد و كذلك المجتمعات . و تزداد الحاجة الى استحضار هذه القيم في ظل الوضع الدقيق الذي فرضته جائحة كورونا على كل انحاء العالم و تونس تحديدا و التي تهمنا بالدرجة الاولى لاننا نتحمل جميعا مسؤولية و امانة حمايتها و العمل على تقدمها و مناعتها . و لن نتطرق هنا لمعالجة الحكومة لتداعيات الكورونا لانه من الضروري ان نقوم بذلك لاحقا و بشكل كلي حين تنتهي الجائحة و يحين وقت التقييم الهادئ و الموضوعي علما اننا نواصل من باب التناسق في الموقف دعم الحكومة التي نعتبر كحركة نداء تونس احد مكوناتها . ما نريد التطرق له هو ما يمكن اعتباره المناخ النفسي الذي اخذ ينتشر و الذي يمكن ان يلعب اذا ما تنامت بعض جوانبه دورا سلبيا يمكن ان يضعف القدرة على مقاومة الكورونا و ان يعيق الاعداد الجيد للمستقبل . من سمات هذا المناخ النفسي الميل الى تعويض الحوار بالدعوة للعنف و هو ميل انتقل من لغة الاقصاء و التهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى معلومات امنية مؤكدة بامكانية استهداف بعض الشخصيات السياسية كعبير موسي التي نعبر بالمناسبة عن كامل التضامن و التعاطف معها و ندعو الى تمكينها من الحماية الكفيلة بوضع حياتها بعيدا عن كل خطر ممكن . و هذا التضامن مبدئي و مرده ادراكنا لخطورة العنف السياسي الذي قد ياخذ بلادنا الى متاهات تبعده كليا عن الاستجابة لتطلعات الشعب التونسي و هو ايضا مدخل للتاكيد على اهمية الاسراع بانجاز مصالحة تاريخية كبرى للعائلة الدستورية تكون افضل هدية يقدمها الدساترة للشعب التونسي و احسن اشكال الاحتفال بمرور مائة عام على تاسيس الحزب الدستوري التونسي . لا نريد من خلال هذه الدعوة للمصالحة “الدستورية – الدستورية ” الغاء الاختلافات الكبرى التي تشق الصف الدستوري حاليا و لا ايضا حسابات التموقع و “حرب الزعامات ” و لكن نريد العودة الى جوهر الرسالة الدستورية بوصفها رسالة تبحث عن القواسم الوطنية المشتركة و عن البناء و عن الحوار . هناك ايضا اختلاف اكبر و هو تحديد طبيعة العلاقة مع حركة النهضة خاصة و ان ارث العلاقة بين الدساترة و الاسلامين لا يخلو من سوء فهم تاريخي و من صفحات ماض فيه الكثير من المحطات المؤلمة و الذي ساهم انحراف مسار العدالة الانتقالية عن اهدافه في عدم تخطيها مما ابقى “المخاوف المتبادلة ” حاضرة بين الطرفين . و لكن العلاقة بين الدساترة و الاسلامين لا يمكن ان تبقى في مربع العداء و الاستعداء لان هذا المربع يناقض المنطق الديمقراطي الذي يؤمن بان المختلف معك سياسيا و فكريا هو منافس سياسي تعمل على هزمه عبر الانتخابات النزيهة و الشفافة و تخضع و اياه لسلطة القانون بما من شانه ان يقضي على كل مظاهر الفساد و تتحاور معه في ما خالف ذلك من اجل الحصول على توافقات يتطور من خلالها المجتمع . و هذا التمشي هو الذي استلهم منها وريث الحبيب بورقيبة الفعلي المرحوم الباجي قائد السبسي اسلوب التعامل مع حركة النهضة بعد 14 جانفي 2011 و الذي جنب تونس مغبة الانزلاق لللعنف و حال دون اقصاء الدساترة من الحياة السياسية من خلال الفصل 15 سيئ الذكر و خلق حالة من التماسك و الوحدة داخل العائلة الدستورية ادت الى هزم حركة النهضة انتخابيا سنة 2014 . و يتعين القول في هذا السياق و من باب الامانة التاريخية ان حركة النهضة قد اضطلعت بدور ايجابي في قطع خطوات لافتة على طريق المصالحة الوطنية التي لم تتحقق لحد الان رغم الحاجة المتاكدة اليها لان لاعاقتها تكلفة مادية و مجتمعية كبرى خاصة و انها تبقي شبح العنف ماثلا و محدقا . و لا يمكن هنا الا ان نشير الى اهمية الحرص الذي ابداه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مرارا و خاصة في المواقف التي اعلن عنها مؤخرا من ضرورة انجاز المصالحة الوطنية الشاملة و ان ندعو للاسراع باطلاق قطار المصالحة الوطنية و التمهيد لذلك بالتزام متبادل من الجميع باحترام القانون و تجنب كل اشكال الخطاب العنيف و الذي يحرض على العنف و الكراهية محمد رؤوف الخماسي