المشاركة السياسية للمرأة : الإطار التشريعي و القانوني الدولي و الوطني- المعوقات وطرق التغلب عليه

بقلم: الدكتور جابر غنيمي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مدرس جامعي
المقدمة:
تعتبر المشاركة السياسية أرقى تعبير عن الديمقراطية. ويشير مفهوم المشاركة السياسية إلى مشاركة جميع الأشخاص المؤهلين قانونيًا لصنع القرار السياسي والإداري والتحكم في إدارة موارد الدولة على جميع المستويات، وعلى هذا الأساس فإن المشاركة السياسية ما هي إلى سلوك يمارسه الفرد بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في العملية السياسية القائمة في البلاد والهدف منها التأثير في آلية اتخاذ القرار، وعليه فالمشاركة السياسية يمكن عدها وسيلة أو آلية من آليات الأنظمة الديمقراطية في المجتمعات الإنسانية، كما أنها تعبير واضح عن المبدأ العام القاضي بسيادة الشعوب، فضلًا عن أنها تعبير عن انتماء الشخص لبلده.
وتختلف أشكال المشاركة السياسية من جانب المواطنين في الدولة وذلك وفقا للأنظمة السياسية المختلفة السائدة في الدولة حيث أن شكل المشاركة السياسية يتوقف على طبيعة النسق السياسي، ولذلك تتخذ المشاركة السياسية شكلها وفقا لطبيعة هذا النسق وذلك لأن كل نسق يندرج تحته عدد من الأدوار التي من المفروض أن يقوم الفرد بتأديتها. فمثلا هناك المواطن الذي يتوقف دوره في الدولة على الإدلاء بصوته في الانتخابات العامة للدولة وهناك الأفراد السياسيون المحترفون وأعضاء الأحزاب النشطين، حيث إن هؤلاء الأعضاء يتم تنظيم العلاقة بينهم على أساس الترتيب الهرمي في شغل الأدوار، حيث أن هذه العلاقة تعد علاقة تنظيمية تحدد وفقا لشكل المشاركة السياسية ومداها الذي يعني الدور الذي يقوم به المشارك السياسي.
ومن الجدير بذكر أن المشاركة السياسية لها دور هام في تحديد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية للأفراد كما أنها تلعب دورا بارزا في تحديد توافق هذه العلاقات مع مبدأ المشاركة الذي أصبح من المعالم الرئيسية للمجتمعات الحديثة التي تميزت بمدنيتها.
ولهذا يمكن القول إن المشاركة السياسية بوجه عام تعد هي أساسا جوهر المواطنة بل إنها تعبر عن حقيقتها العملية فالمواطنون هم أصحاب الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وهذه الحقوق يجب على المجتمع أن يعترف بها المجتمع لجميع أفراده ذلك بحكم العقد الاجتماعي الذي تم إبرامه بين المجتمع وبين الأفراد الذين يعيشون فيه يؤثرون فيه ويتأثرون بظروفه، وعلى هذا فإن هناك الكثير من المختصين بالجانب السياسي يعتبرون المشاركة السياسية هي أساس الديمقراطية كما أنها تعبر عن سيادة الشعب.
و تعد المشاركة السياسية للمرأة عبارة عن نوع من أنواع النشاط السياسي الذي من خلاله تقوم به بالتاثير بعمليات صنع القرارات الحكومية.
وعادة ما تتوقف المشاركة السياسية للمرأة على ظروف المجتمع الذي تعيش فيه كما أن درجة مشاركتها السياسية تتوقف على مقدار ما يتمتع به المجتمع نفسه من حرية وديمقراطية وذلك من في النواحي التي تتعلق بالمسائل السياسية، بالإضافة إلى أن درجة مشاركتها السياسية تتوقف على مقدار ما يمنحه المجتمع للمرأة من حريات اجتماعية تمكنها من القيام بهذا الدور السياسي ولذلك فإنه لا يمكن أن تتم المشاركة السياسية للمرأة بمعزل عن الظروف الاجتماعية والظروف السياسية التي يمر بها المجتمع.
و قد تعزز هذا الحق من خلال تعدد النصوص التشريعية و القانونية الدولية و الوطنية و التي تظل قاصرة على ضمانه باعتبار وجود العديد من المعوقات و التي تقتضي جملة من الحلول.
و على ضوء ذلك سنتعرض في مبحث اول الى تعدد الاطار التشريعي و القانوني الدولي و الوطني للمشاركة السياسية للمراة و في مبحث ثان الى قصوره عن ضمان هذا الحق لوجود عدة معوقات تقتضي معالجتها.
المبحث الاول: تعدد الاطار التشريعي و القانوني الدولي و المحلي المكرس للمشاركة السياسية للمراة
المشاركة السياسية للمراة مكرس على المستوى الدولي {الفقرة الاولى} و على المستوى الوطني{الفقرة الثانية}
الفقرة الاولى: على المستوى الدولي
المشاركة السياسية للمراة مكرس على المستوى العالمي {أ} و على المستوى الاقليمي{ب}
أ- على المستوى العالمي:
تضمن ميثاق منظمة الأمم المتحدة لعام 1945 الحق في المشاركة السياسية للمرأة في الديباجة.
كما تضمن الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948اشارة الى المشاركة السياسية للمراة باعتبارها انسان ضمن المادة 2 و المادة 21 .
و اكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 على الحق في المشاركة السياسية للمراة في المادة 25.
و انشأ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية اللجنة المعنية بحقوق الإنسان. و هي هيئة تتألّف من خبراء مستقلين. وترصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من قبل الدول الأطراف فيه.
وتسعى اللجنة في عملها لتعزيز تمتع الجميع بالحقوق المدنية والسياسية، ما يؤدّي إلى تغييرات عديدة في القانون والسياسة والممارسة. وبالتالي، حسّنت اللجنة حياة الأفراد في جميع أنحاء العالم بما في ذلك المراة. وتواصل بذل الجهود الحثيثة لضمان تمتع الجميع بكافة الحقوق المدنية والسياسية التي يكفلها العهد الدولي تمتعًا كاملاً وبعيدًا عن أيّ تمييز.
ونص اعلان القضاء على التمييز ضد المراة لسنة 1967 على حق المراة في المشاركة السياسية في العديد من المواد.
و قد كفل البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوي من قبل الأفراد للمراة الحق في تقديم شكوى في حالة خرق حقها في المشاركة السياسية.
و اكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت في 18 ديسمبر 1979على منع التمييز بين الرجل و المرأة في المشاركة في الحياة السياسية.
و انشأ البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة.
و قد جرى إنشاء اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة بموجب المادة 17 من اتفاقيّة عام 1979 للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي جوان 2015، صارت 189 دولة أطرافًا في الاتفاقية. واللجنة مسؤولة عن المراقبة والإشراف على تطبيق الاتّفاقيّة من قبل الدول الأطراف. وتتكون اللجنة من ثلاثة وعشرين خبيرًا مستقلًّا منتخبين من قِبل الدول الأطراف. ويتمّ انتخاب هؤلاء لمدة أربع سنوات على أساس التوزيع الجغرافي العادل مع إيلاء الاعتبار للأنظمة القانونية الرئيسية في العالم.
و تم في اطار منظمة الامم المتحدة انشاء اجهزة اخري معنية بحقوق المراة بما في ذلك الحقوق السياسية التي تشمل الحق في المشاركة السياسية. و من اهمها:
- لجنة وضع المرأة: و هي الهيئة الحكومية الدولية الرئيسية المكرسة حصريًا لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وهي لجنة وظيفية تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، تم إنشاؤها بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 11 -ثانيًا المؤرخ 21 يونيو 1946.
تلعب لجنة وضع المرأة دورًا أساسيًا في تعزيز حقوق المرأة، وتوثيق واقع حياة المرأة في جميع أنحاء العالم، وتشكيل المعايير العالمية بشأن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
وفي عام 1996، وسع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في قراره 1996/6 ولاية اللجنة وقرر أن تقوم بدور رائد في رصد واستعراض التقدم المحرز والمشاكل في تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين، وفي تعميم منظور النوع الاجتماعي في أنشطة الأمم المتحدة.
وخلال الدورة السنوية للجنة التي تستمر لمدة أسبوعين، يجتمع ممثلو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وكيانات الأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. يجتمعوا لمناقشة التقدم والثغرات في تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين لعام 1995، ووثيقة السياسة العالمية الرئيسية بشأن المساواة بين الجنسين، و الدورة الاستثنائية الثالثة والعشرين للجمعية العامة التي عُقدت في عام 2000 (بيجين بعد مرور خمس سنوات)، فضلاً عن القضايا الناشئة التي تؤثر على المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. تتفق الدول الأعضاء على المزيد من الإجراءات لتسريع التقدم وتعزيز تمتع المرأة بحقوقها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يتم إرسال نتائج وتوصيات كل جلسة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للمتابعة. - هيئة الأمم المتحدة للمرأة: تدعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة جميع جوانب عمل لجنة وضع المرأة وتيسر مشاركة ممثلي المجتمع المدني. واجهت الأمم المتحدة تحديات خطيرة لسنوات عديدة في جهودها لتعزيز المساواة بين الجنسين على الصعيد العالمي، بما في ذلك عدم كفاية التمويل وعدم وجود دافع واحد معترف به لتوجيه أنشطة الأمم المتحدة نحو قضايا المساواة بين الجنسين. ولمعالجة ذلك، في جويلية 2010، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وبذلك، اتخذت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خطوة تاريخية في تسريع أهداف المنظمة بشأن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
وجاء إنشاء هيئة الأمم المتحدة للمرأة كجزء من خطة إصلاح الأمم المتحدة، حيث جمعت الموارد والتفويضات لتحقيق تأثير أكبر. واندمجت هيئة الأمم المتحدة للمرأة واستندت على العمل الهام لأربعة أجزاء مميزة من منظومة الأمم المتحدة سابقًا، والتي ركزت حصريًا على المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. - شعبة النهوض بالمرأة:
- المعهد الدولي للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة:
- مكتب المستشارة الخاصة للقضايا الجنسانية والنهوض بالمرأة:
- صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة:
و قد اعتمدت الاتفاقيات الدولية المعنيى بحقوق المرأة نتيجة لعدة مؤتمرات عقدت لتحرير المرأة و تمكينها في شتى المجالات و منها المجال السياسي ابتداء من المؤتمر العالمي للمرأة بالمكسيك 1975 و الذي اعلن عاما دوليا للمرأة ثم المؤتمر العالمي للمراة بكوبنهاغن 1980 مرورا بمؤتمر بيكين بالصين 1995 وصولا الى مؤتمر نيويورك 2000.
الفقرة الثانية: على المستوى الاقليمي
حقوق المرأة بما في ذلك الحق في المشاركة السياسية مضمن في العديد من النصوص الواقع اقراها على مستوى التنظيمات الاقليمية.
1- على مستوى منظمة الوحدة الافريقية:
تم اقرار حق المراة في المشاركة في الحياة السياسية ضمن الميثاق الافريقي لحقوق الانسان و الشعوب لعام 1981.
و قد انشا الميثاق للجنة الافريقية لحقوق الانسان و الشعوب و التي تتكون اللجنة من أحد عشر عضوا يتم اختيارهم من بين الشخصيات الإفريقية التي تتحلى بأعلى قدر من الاحترام ومشهود لها بسمو الأخلاق والنزاهة والحيدة وتتمتع بالكفاءة في مجال حقوق الإنسان والشعوب مع ضرورة الاهتمام بخاصة باشتراك الأشخاص ذوي الخبرة في مجال القانون.
وتقوم اللجنة بما يلي:
1- النهوض بحقوق الإنسان والشعوب، وبخاصة:
أ- تجميع الوثائق وإجراء الدراسات والبحوث حول المشاكل الإفريقية في مجال حقوق الإنسان والشعوب وتنظيم الندوات والحلقات الدراسية والمؤتمرات ونشر المعلومات وتشجيع المؤسسات الوطنية والشعوب وتقديم المشورة ورفع التوصيات إلي الحكومات عند الضرورة.
ب- صياغة ووضع المبادئ والقواعد التي تهدف إلي حل المشاكل القانونية المتعلقة بالتمتع بحقوق الإنسان والشعوب والحريات الأساسية لكي تكون أساسا لسن النصوص التشريعية من قبل الحكومات الأفريقية.
ج- التعاون مع سائر المؤسسات الإفريقية أو الدولية المعنية بالنهوض بحقوق الإنسان والشعوب وحمايتها.
2- ضمان حماية حقوق الإنسان والشعوب طبقا للشروط الواردة في هذا الميثاق.
و انشأ البروتوكول الخاص بالميثاق الأفريقي لسنة 1997 المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب و التي تتلقي التبليغات من الافراد بما في ذلك النساء بشان انتهاك الحقوق الواردة بالميثاق.
و نص بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 2003 على حق المرأة في المشاركة في العملية السياسية و صنع القرار.
2- جامعة الدول العربية:
تضمن الميثاق العربي لحقوق الانسان لسنة2004 الحق في الممارسة السياسية للمواطن بما في ذلك المراة.
3- منظمة الدول الامريكية:
نصت الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لعام 1969 على حق المواطن بما في ذلك المراة على الحق في المشاركة في الحكم بما في ذلك الانتخاب و الترشح للانتخابات و ادارة الشؤون العامة.
4- مجلس اوروبا:
على مدى ما يقرب من ستين عاماً، طور مجلس أوروبا، والذي يضم اليوم 47 دولة عضو، مجموعة كبيرة من المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان، تغطي تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وحقوق الأقليات.
ومن اهم الاتفاقيات التي تم اقرارها صلب مجلس اوروبا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: وهي معاهدة وقعتها الدول الأعضاء في مجلس أوروبا في 4 نوفمبر 1950 ودخلت اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، المعروفة بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1953.
ويعد الهدف الأساسي للاتفاقية هو السماح بالتطبيق الملموس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948. ويضع هذا الهدف إجراءات قانونية تسمح لجميع مواطني الدول الأعضاء في مجلس أوروبا بتقديم طلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الدولة التي تعتبرها انتهاكاً لحقوقها بموجب الاتفاقية. ويجوز أيضاً للدولة نفسها تقديم عريضة. وتتكون المحكمة من عدد من القضاة مساوٍ لعدد الدول المتعاقدة، التي تنتخبها الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. وقد شهدت السنوات الأخيرة مناقشة مشاريع للإصلاح في إطار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حيث استكملت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ببروتوكولات إضافية، بما في ذلك البروتوكول رقم 6، الذي ينص على إلغاء عقوبة الإعدام1985. ومنذ عام 1999، تم انتخاب مفوض لحقوق الإنسان لمدة ست سنوات من قبل الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من بين ثلاثة مرشحين اقترحتهم لجنة الوزراء. وتتمثل مهامه في تعزيز الاحترام الفعال لحقوق الإنسان والوعي به، وتحديد أوجه القصور في القانون والممارسة في الدول الأعضاء.
الفقرة الثانية : الإطار التشريعي و القانوني المشاركة السياسية للمرأة على المستوى الوطني
تم اقرار المشاركة السياسية للمرأة في مختلف دساتير الدول الغربية مثل فرنسا و الولايات المتحدة الامريكية…
و تم اقرار المشاركة السياسية للمرأة في العديد من الدول العربية:
- تونس:
تضمن الفصل 39 من دستور 25 جويلية 2022″ تعمل الدّولة على ضمان تمثيليّة المرأة في المجالس المنتخبة”.
و نص الفصل 5 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء المنقح بمقتضى المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرخ في 15 سبتمبر 2022 على انه ” يتمتّع بحقّ الانتخاب جميع التونسيين والتونسيات المرسّمين في سجلّ النّاخبين، البالغين من العمر ثماني عشرة سنة كاملة في اليوم السّابق للاقتراع، والمتمتّعين بالجنسيّة التونسيّة وبحقوقهم المدنيّة والسياسيّة وغير المشمولين بأيّة صورة من صور الحرمان المنصوص عليها بالقانون”.
كما نص الفصل 19 من نفس القانون” الترشّح لعضويّة مجلس نوّاب الشّعب حقّ لكلّ:
ناخبة أو ناخب تونسي الجنسيّة مولود لأب تونسيّ أو لأم تونسيّة وغير حامل لجنسية أخرى بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي،
بالغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة كاملة على الأقل يوم تقديم ترشّحه،
نقيّ السّوابق العدليّة،
غير مشمول بأي صورة من صور الحرمان القانونية.
مقيم بالدائرة الانتخابية المترشّح عنها”.
المغرب:
نص الفصل 19 من دستور 2011 من الباب الثاني الذي حمل عنوان الحريات والحقوق الأساسية، على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور. وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب. وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
وتسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء. وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
الجزائر:
نصت المادة 35 من الدستور الجزائري على ” تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.”.
ليبيا:
تنص المادة 48 من الدستور الليبي على انه ” لكل مواطن حق التصويت في الاستفتاءات والتصويت والترشح في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وعادلة يتساوى فيها المواطنون كافة وفق القانون. ويحظر حرمان المواطنين من ذوي الأهلية منها إلا بحكم قضائي”.
و تنص المادة 58 من الدستور على ان” النساء شقائق الرجال، وتلتزم الدولة بدعم ورعاية المرأة وسن القوانين التي تكفل حمايتها ورفع مكانتها في المجتمع والقضاء على الثقافة السلبية والعادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتها ومنع التمييز ضدها وإتاحة الفرص أمامها في المجالات كافة. وتتخذ التدابير اللازمة لدعم حقوقها المكتسبة”.
موريطانيا:
ينص الفصل 26 من الدستور الموريطاني على ان ” كل مواطن مولود موريتانيا يتمتع بحقوقه المدنية و السياسية “. و ينضرف هذا الحق الى الرجل و المراة على حد السواء..
سوريا:
تنص المادة 45 من الدستور السوري: ” تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تبيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ، ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي “.
العراق:
تنص المادة 17 من الدستور العراقي” تكفل الدولة التوفيق بين دور المرأة في الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل بما يتيح لها المساهمة الفاعلة والكاملة في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما لا يتعارض مع هذا الدستور”.
مصر:
كفل الدستور المصري لكل مواطن، رجلاً كان أو امرأة، الحق في الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاءات. ونص الدستور على وجوب اتخاذ ما يلزم من تدابير لضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية، ولكن دون تخصيص نسبة معينة أو عدد محدد من المقاعد لتشغلها المرأة، فيما يعرف بنظام الكوتا، وذلك على الرغم من تطبيق هذا النظام بالنسبة لشغل المجالس المحلية .
البحرين:
نص دستور دولة البحرين الصادر في 6 دسيمبر 1973 على ان الدولة تكفل المساواة و تكافىء الفرص بين المواطنين . كما نص على ان للمواطنين الحق في المشاركة في الحياة العامة و التمتع بالحقوق السياسية بدءا بحق الانتخاب . و لم يميز الدستور بين المواطنين مما يعني اناثا و ذكورا.
قطر:
تكفل المادة 42 من الدستور القطر الدولة حق الانتخاب والترشيح للمواطنين. أي للرجل و المراة على حد السواء دون تمييز.
الكويت:
ينص قانون الانتخاب الكويتي على انه ” لكل كويتي من الذكور بالغ من العمر احدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية، و يشترط للمراة في الترشيح و الانتخاب الالتزام بالقواعد و الاحكام المعتمدة في الشريعة الاسلامية”.
ورغم تعدد النصوص القانونية و التشريعية الدولية و الاقليمية و الوطنية المكرسة لحق المشاركة السياسية للمرأة الا انها لم تستطع ضمان هذا الحق بالقدر الكاف و هو ما يقتضي جملة من الحلول.
المبحث الثاني: تكريس قانوني و تشريعي للمشاركة السياسية للمراة تعترضه معوقات تقتضي التغلب عليها
يواجه الحق في المشاركة السياسية للمراة جملة من المعوقات { الفقرة الأولى} تحتم التغلب عليها { الفقرة الثانية}
الفقرة الاولى: معوقات المشاركة السياسية للمرأة
توجد العديد من المعوقات تحول دون مشاركة المرأة في الحياة السياسية و المتمثلة في العائق الثقافي و الاجتماعي و العائق الاقتصادي وغياب الاليات و البرامج الواضحة لمشاركة المراة السياسية و تدني مشاركة المراة في الاحزاب السياسية و ضعف وعي المراة السياسي و القانوني والعائق الايديولوجي.
اسباب اجتماعية و ثقافية تتعلق بالعادات و التقاليد:
ما زلنا تحت سيطرة الموروث الثقافي و النظام الابوي القائم على عادات و تقاليد و قيم تمييزية و استمرارية التقسيم التقليدي للادوار ما بين المراة و الرجل و تؤثر الادات و التقاليد في بعض الفئات خاصة الشباب الذين ما زالوا يرفضون عمل المراة في المجال السياسي اضافة الى عدم وجود الدعم الاسري او التشجيع من قبل الرجل للمراة على الدخول في الحياة السياسية.
معوقات اقتصادية:
انتشار الفقر و بالتالي مديونية معظم الدول العربية و انعكاس هذا الفقر على المراة و الاطفال في المرتبة الاولى.
عدم استطاعة المراة توفير المال الكافي لحملاتها الانتخابية و بذلك تفقد فرضة النجاح المتوفرة للرجل.
غياب الاليات و البرامج الواضحة لمشاركة المراة السياسية:
لم تهتم التنظيمات النسائية و و منظمات المجتمع المدني بشكل عام بالمطالبة بتحسين الوضعية السياسية للمراة على لائحة اولوياتها بالاضافة الى المخاوف من العنف و الذي يعتبر احد معوقات المشاركة السياسية للمراة، و يظهر العنف في الحملات الانتخابية كاحد اهم العقبات و التي تدفع النساء الى تجنب المشاركة في الحياة السياسية سواء كانت ناخبة اومترشحة.
تدني مشاركة المراة في الاحزاب السياسية:
يلاحظ من خلال الرصد و التحليل لدور الاحزاب السياسية في البلدان العربية تدني اشراك المراة في الحياة السياسية.
العائق النفسي وضعف وعي المرأة السياسي و القانوني:
لقد ساعد ارتفاع نسبة الأمية لدى النساء و ارتفاع معدلات الأمية الثقافية التي تعاني منها المرأة خصوصا في الريف و ضعف وعي النساء بحقوقهن السياسية و عدم اقتناع المرأة بدورها و قدرتها لى المشاركة في الحياة السياسية بفاعلية و عد إيمان المرأة بقدراتها في عدم ادراكها لقوتها التصويتية و قدرتها على المساهمة الفعالة في توجيه الحياة العامة كما ان عدم ثقتها بنفسها انعكس على عدم ثقتها بالعناصر النسائية اللاتي يتقدمن للترشيح في الانتخابات العامة كنتيجة للتربية العائلية و المدرسية التي تتلقاها الفتاة منذ الصغر.
فضلا عن المسؤوليات العائلية التي تلقى على المرأة وحدها دون الرجل و عدم محاولة المرأة لتطوير قدراتها و ذاتها بانشغالها بأمور الاسرة على حساب نفسها ، هذا بالاضافة الى عدم قدرة المرأة على مواجهة المتطلبات المالية لخوض الانتخابات.
العائق الايديولوجي: من التحديات الأخرى اعتبار هذه المشاركة جزءا من أجندة غربية تفرض نفسها على المجتمعات العربية.
الفقرة الثانية: كيفية التغلب على معوقات المشاركة السياسية للمرأة
يمكن التغلب على معوقات مشاركة المرأة في الحياة السياسية بالطرق التالية:
– تحسين فرص التكافؤ الحقيقية في الانتخابات عن طريق إدراج مبدأ التناصف الرأسي والأفقي وبذلك يكون للنساء حظ أكبر بالوصول الى المجالس النيابية والمحلية.
- اعتماد آلية الكوتا: كوتا مطبقة أثناء عملية الترشيح وكوتا تستهدف النتائج. فالتمييز الإيجابي يمكن ان يعزز في القانون الانتخابي. وقد تكون هذه فرصة جيدة لوضع هذه الأحكام موضع التنفيذ في قانون الانتخابات البلدية الذي يجب ان ينص على ألية نظام التمثيل النسبي الذي يعدّ أكثر ضمانا لتمثيلية النساء.
- تكثيف برامج ودورات التدريب والقيادة النسائية وتصميم وتنفيذ برامج لبناء أو دعم قدرات النساء لمساعدتهن على اكتساب الثقة في مؤهلاتهن.
- إلزام الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية على ضمان تمثيلية النساء في الهياكل العليا.
- بعث لجنة خاصة بشؤون المرأة داخل البرلمان تهدف الى تحقيق وتقديم تقرير والإشراف على القرارات والممارسات الحكومية. مع الأخذ بعين الاعتبار المقاربة النوعية عند تقييم مشاركة النساء وعدم الاكتفاء بالمقاربة الكمية أي المشاركة الفعلية في صياغة المشاريع والبرامج والقرارات.
- تشجيع المؤسسات العامة والخاصة على إنشاء قاعدة بيانات خاصة بقضايا المساواة بين الجنسين لتكون لبنة من أجل التخطيط لتحسين وضع النساء.
- دعم النساء في تكوين شبكات علاقات و تواصل.
- العمل على إقناع الفئات الأضعف على أنّ المشاركة السياسية هي الوسيلة الضرورية لتغيير أوضاعها.
- القيام بحملة وطنية ولا سيما في المناطق الريفية لتعليم النساء الأميات اللاتي يتم في كثير من الأحيان التلاعب بهن من قبل محيطهن.
الخاتمة:
يعد موضوع المشاركة السياسية للمرأة من الموضوعات ذات الاهمية في وقتنا المعاصر و يلقى اهتماما بالغا من الباحثين و القائمين على شؤون الحكم و السياسة و مؤسسات المجتمع المدني و الرأي العام لارتباطه بمبدا المساواة الذي يعد من اهم المبادىء الحاكمة و الحقوق الراسخة في حياة الافراد و الشعوب .
و لا شك انه رغم الاعتراف للمرأة بحقها في ممارسة حقوقها السياسية شانها في ذلك شان الرجل على نحو ما نصت عليه المواثيق و الاعلانات و الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان بوجه عام و بحقوق المراة بوجه خاص . الا انه بان جليا عدم ممارسة المراة لحقوقها السياسية على الوجه الاكمل لوجود عدة معوقات ثؤثر عليه سلبا. و لذلك فان النصوص القانونية غير كافية لنيل المراة لحقوقها السياسية و مباشرتها فعلا الا بتوافر عدة ضمانات تكفل لها قدرا من الفاعلية و تحميها من العبث و الانتقاص.
المراجع: - دساتير تونس- ليبيا- الجزائر- المغرب- موريطانيا- العراق- سوريا- البحرين – السودان- مصر- قطر- الكويت- فرنسا- الولايات المتحدة الامريكية.
- اسماعيل دنيا العرب، المرأة العربية من العنف و التمييز الى المشاركة السياسية، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت
- ا.عبد المجيد السخيري ، المشاركة السياسية للمرأة و دورها في مراكز القرار، مؤسسة الوراق للنشر و التوزيع.
- ا. حمدي عبد الرحمان، المشاركة السياسية للمرأة، دار الفجر للنشر و التوزيع.
- محمد سعيد فهمي، المشاركة الاجتماعية و السياسية للمرأة في العالم الثالث، دار المناهل