مقالات

اللعبة الإقليمية في العالم العربي، والحروب الآن على حدود الصين

 

بقلم: ناجي علي أمّهز

 

ربّت ترامب على كتف نتنياهو وهما يتمشيان في حديقة البيت الأبيض، ثم قال:

“يا صديقي… أنت اليوم السيد المطلق في المنطقة العربية.

نحن معك، لا سمح الله أن نكون أمامك بل نحن خلفك. ولانه لم يعد هناك خوف على إسرائيل، فأنتم في أمان تام. فقد اثبتت الحرب على غزة بان هناك عشرات الملايين من العرب والمسلمين مستعدون لفدائك بدمائهم، ووضع كل قدراتهم بين يديك. لذلك أغادر سوريا والعراق وبعض دول الخليج وأنا مطمئن… المنطقة لك.”

 

ابتسم نتنياهو، ابتسامة عريضة: “الشكر لك يا صديقي… لولاك، لا أدري ما كنت سأفعل. ولكن كنا نعرف ان العرب لن يتحركوا للدفاع عن غزة، لانه عند حرق المسجد الأقصى في آب عام 1969، قالت غولدا مائير: “لم أنم ليلتها وأنا أتخيّل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجاً من كُل صوب، لكن عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أُمة نائمة”

من حينها فهمنا ان العرب امة نائمة ونحن نحقق سياستنا في المنطقة، بالتاكيد بفضل ضغوطكم الهائلة على الدول العربية. هنا قاطعه ترامب: “لا لا ياصديقي نحن نعلن عن ضغطنا كي يظهر ان هناك شيء يمارس على القادة العرب، بمعنى اوضح نحن نحاول ان نجد اعذار للقادة العرب امام شعوبهم” قال نتنياهو اتفهم افتهم، ولكن، أتمنى عليك أمراً صغيراً آخر: لا تدع حربك مع الصين تشغلك عنا، وكما تعرف، مساحة اسرائيل صارت صغيرة على شعبها.

وحقيقة ان مشاهد قتل الفلسطنيين يوميا يؤثر على نفسية شعبنا اليهودي، لذلك قررنا أن نخفف عنائهم ونعطيهم دولة في الأردن، ندفع تكاليفها من حسابنا الخاص، والتي ستكون تقريبا ٢٠٠ مليار دولار.”

هنا فتح ترامب عينيه بدهشة:

“٢٠٠ مليار دولار؟! أليس هذا المبلغ مبالغًا فيه؟!”

 

ابتسم نتنياهو بخبث يهودي أصيل:

“إذا حسبتَ عائدات قناة بن غوريون ومساحة الضفة وغزة، فالمبلغ يبدو رمزياً كما ان المبالغ التي كان العرب سيدفعونها لاعادة بناء غزة هي نفسها سنعطيها للفلسطنيين يعني اننا لم ندفع الاموال من جيبتنا مع انه يؤلمنا ان يقال اننا دفعنا شيء نحن تعودنا على الاخذ.

كما اننا نريد أيضاً قطعة صغيرة من سوريا مع شعبها، نحتاج مزيدًا من الجنود و.للأسف، أبناء بعض الطوائف اليهودية لا يتحمسون للخدمة العسكرية.

كما ان شعبنا بحاجة للغذاء، والأرض الجنوبية في لبنان بجودة الشمال الإسرائيلي…لذلك قررنا أخذ الجنوب اللبناني، لا سمح الله للاحتلال، بل للزراعة والازدهار. ومقابل كل ما سنفعله سنقدم لامريكا هدية صغيرة وهي ثروات لبنان البحرية… سنقدمها لكم عربون وفاء من دون مقابل، حتى تكاليف الشحن على حسابنا!”

 

ضحك ترامب طويلاً، وقال:

“كرمٌ من كيس غيرك!”

ثم استدعى أحد مستشاريه:

“أحضر ورقة وقلمًا. ونوقع على أن تكون ثروات لبنان البحرية ملكًا لنا.”

 

وقع نتنياهو. ووقع ترامب.

لكن نتنياهو بحركة سريعة أخرج ورقة أخرى: “سيدي الرئيس أمضِ لي هنا أيضاً ، أنك تسمح لإسرائيل بحماية المنصات النفطية”.

 

ضحك ترامب:

“أنتم اليهود… لا تمنحون شيئاً بالمجان! هذا يعني ان ثمن حمايتكم للمنصات النفطية سيعادل كلفة الانتاج، لا بأس لك ما تريد هناك كثر في المنطقة يدفعون لنا الاموال مقابل بقائهم في الحكم، سناخذ منهم الاموال ونعطيكم اياها مقابل حمايتكم للمنصات وناقلات النفط والغاز.

 

وضحك الحاضرون.

 

ثم تابع ترامب، بنبرة الواثق الذي يملك العالم في قبضة يده:

“صديقي نتنياهو، الشرق الأوسط صار بلا جدوى. وما ربحناه من حرب اوكرانيا بسنوات قليلة يعادل كل الحروب العربية منذ ٨٠ سنة الى اليوم، كما ان سوق النفط ينهار؛ خلال عامين، أكثر من ٣٠٪ من شعوبنا تخلت عن سيارات الوقود. والحرب التقليدية اصبحت شيء من الماضي السحيق بظل الذكاء الاصطناعي والحواسيب الكمومية التي جعلت حتى من السلاح النووي هراءً…

 

روسيا تملك عشرات القنابل ولم تستطع حتى التهديد بها!

أنتم أيضاً تملكون رؤوسًا نووية، ولا فائدة!”

 

ابتسم، ثم أكمل، كمن يلقي خطبة وداع للعالم القديم:

“اليوم من يملك الصناعة والتكنولوجيا، يملك العالم. روسيا بكل ما كان لها وما تمتلكه من مساحات واسلحة وحتى رغم انها قومية موحدة لم تنتج سلامًا إلا بضغطنا. اليوم، نحن القطب الأوحد، وحقيقة هذا الشعور مرعب، احيانا اقول انه يجب على رؤساء العالم أن يشكروني لأنني لا زلت أكلّمهم على الأرض، بدل أن أطلّ عليهم من السماء!”

 

ضحك ضحكة فيها شيء من الجنون.

ثم تمتم:

“لكن الصيني… يزعجني.

لذا، قررت أن أشعل حربًا بين الهند وباكستان.

هذه الحرب ستقطع طريق الحرير عن الصين.”

 

هنا حرّك نتنياهو شفتيه وقال بنبرة خفيفة:

“نعرف، نعرف… لكن ماذا عن إيران؟

ألا يمكن إسقاط النظام وإحضار نظام عميل كزمن الشاه؟ نتقاسم نحن وإياهم المنطقة العربية، وندفع لك ما تريد.”

 

ردّ ترامب وقد علت نبرة الحكمة فجأة:

“يا صديقي، إيران ضرورة وجودية. لو سقطت، سيتمدّد بركان التطرف الاسلامي إلى كل المنطقة.

لن يبقى للأقليات أثر، ويتزعزع الاستقرار في اوروبا هذا ان لم تسقط امام المتطرفين، وحقيقة المعركة مع الصين الاهم الان.

نعم، إيران عدوة لنا ولكم… لكنها عدو عاقل.

بل هي الضمانة الباقية لعدم انزلاق المنطقة إلى الهاوية.”

 

وقبل أن يصلا إلى مائدة الغداء، قطف ترامب غصناً صغيراً من شجرة، وضعه على إصبعه بحيث توازن الغصن تمامًا.

ثم قال لنتنياهو:

“ماذا ترى؟”

أجاب نتنياهو:

“توازن.”

فقال ترامب، بابتسامة العارف:

“هكذا هي إيران اليوم… التوازن العالمي، الذي نحتاجه جميعاً.”

 

“وجلسا يتناولان الغداء، فكان النبيذ الاحمر من نتاج العرب، واللحم المشوي من خراف غزة، والأواني والصحون الأثرية منهوبة من متاحف العراق، والملاعق الذهبية مسروقة من خزانة ليبيا، أما الطاولة فقد كانت قطعة اثرية من سوريا المنكوبة. بينما الكراسي من عظام الشعوب المقهورة.

 

وبينما انشغلا بتقطيع الغنيمة، تقدم خادم بزي أنيق وتحدث بلغة عربية قائلاً:

– هل يرغب سيدي الرئيس وضيفه الكريم بشيء إضافي؟

فضحك ترامب، وضحك نتنياهو، وقد وصلت الرسالة ببلاغة لم تحتج إلى شرح.”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى