مقالات قانونية
القانون في زمن التكنولوجيا… حارس المجتمع في عالم بلا حدود

بقلم المحامي والمستشار القانوني : عمر العوضي
يعد القانون الحارس الصامت لأمننافي عالم سريع التغير، يظل القانون هو الدرع الذي يحمي المجتمع من الانزلاق نحو الفوضى. قد لا نراه، لكنه حاضر في كل تفاصيل حياتنا؛ في أمان منازلنا، وفي طمأنينة أسرنا، وفي ثقتنا بأن حقوقنا مصونة. ومع الثورة التكنولوجية، ازدادت أهمية هذا الدرع، إذ لم تعد المخاطر تقتصر على الشوارع أو الجرائم التقليدية، بل أصبحت تهددنا عبر شاشات أجهزتنا.
فالتكنولوجيا: سلاح ذو حدين، فهي منحتنا سرعة التواصل وسهولة إنجاز المعاملات، وفتحت أمامنا أبوابًا واسعة للتعلم والعمل. لكن الوجه الآخر لهذا التقدم يحمل تهديدات خطيرة… فالأدوات التي تسهّل حياتنا قد تتحول إلى أسلحة بيد المجرمين، الذين يستطيعون إيذاء ضحاياهم عن بُعد، ودون أن يغادروا أماكنهم.
لم تعد السرقة تحتاج إلى كسر خزنة أو اقتحام بنك، بل قد تبدأ برسالة نصية أو بريد إلكتروني يوهمك بأنه من جهة رسمية، يطلب “تحديث بياناتك” لحماية حسابك، وفي لحظات تجد أموالك قد اختفت.
وفي غمضة عين قد تجد ضحية الابتزاز الالكتروني من خلال صور أو معلومات خاصة، مع التهديد بنشرها ما لم يتم دفع المال أو تنفيذ مطالب المجرم. هذه الجرائم تضرب الضحية نفسيًا واجتماعيًا، وتترك جروحًا عميقة.
كذلك الأطفال أكثر عرضة لخطر التنمر الإلكتروني أو الاستغلال من خلال الألعاب أو غرف المحادثة. ضعف خبرتهم وفضولهم الطبيعي يجعلهم فريسة سهلة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأسرة والمجتمع.
ووفقاً لبوابة المعلومات Statista ، وموقع bright defense وشركة أمن المعلومات Getastra، ومجلة “SQ Magazine”تشير الدراسات الى أن التكلفة العالمية المتوقعة لجرائم الإنترنت عام 2025:بين 9.22إلى 10.5 تريليون دولار سنويًا حسب تقارير مختلفة وقد تصلنحو 11.36 تريليون دولار بحلول عام 2026، وصولاً إلى 13.82 تريليون دولار في 2028. كما يُسجل اختراق أو هجوم إلكتروني كل 39 ثانية تقريبًا عالميًابمعدل 97 ضحية لكل ساعة، الهجمات الأكثر شيوعًا وأسرعها نموًا هوالتصيد (Phishing)حيث يُشكل حوالي 80%من الجرائم الإلكترونية، مثلاً خلال عملية “Operation First Light 2024” للإنتربول الدولي شاركت بها 61 دولة لإيقاف المحتالين عبر الإنترنت؛ تم اعتقال 3,950شخصًا ومصادرة أصول بقيمة257 مليون دولار، بالإضافة إلى تجميد آلاف الحسابات البنكية، وفي أفريقيا مثل عملية Serengeti اعتقل فيها أكثر من 1000 متورط وتعرّف على 35,000 من الضحايا مع خسائر مالية تقارب 193 مليون دولار.
إن الجرائم الإلكترونية لا تسلب الأموال فقط، بل تسلب راحة البال. يعيش الضحايا في دوامة من القلق، ويخسرون الثقة بالآخرين، بينما تتحول الأسر إلى ساحات توتر وخوف. وعلى مستوى المجتمع، تضعف الثقة في المعاملات الرقمية، ما قد يبطئ عجلة التطور الاقتصادي.
ومع ذلك دولة كانت الإمارات استباقية في وضع تشريعات صارمة لمواجهة هذه الجرائم فأصدرت قانون مكافحة الشائعات والجرائم الالكترونية في 2021، تشملتجريم الاختراق والاحتيال والابتزاز الإلكتروني.، ومعاقبة نشر المواد الإباحية للأطفال.، وحماية الأنظمة والمعلومات الحكومية والخاصة.، وقد تصل العقوبات إلى السجن لسنوات طويلة، وغرامات بمئات الآلاف، إضافة إلى التعويضات للضحايا، والرسالة واضحة أن الفضاء الرقمي ليس ساحة بلا قانون.
ومن هنا يجب الوقاية تحت شعار مسؤولية مشتركة، مهما بلغت قوة القانون، يبقى الوعي هو خط الدفاع الأول. فيجب على الأسرفتح حوار صريح مع الأبناء حول مخاطر الإنترنت، وعلى أفراد المجتمع عدم مشاركة البيانات الشخصية إلا مع جهات موثوقة.، والإبلاغ عن أي جريمة فورًا، وعدم الرضوخ للمبتزين.
التكنولوجيا مثل البحر… تحملك إلى آفاق جديدة إذا أحسنت الإبحار، لكنها قد تغرقك إن فقدت السيطرة. القانون هو القبطان الذي يرسم المسار، لكن الوعي هو البوصلة التي تحميك من الانحراف.، فلنكن جميعًا حراسًا لأنفسنا وأسرنا، ولنجعل من المعرفة درعًا يحمي مجتمعنا في عالم لا يعترف بالحدود.