الأخبارتونس

السرقة

إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد

إن الجرائم على إختلافها تحمل طابع عصرها ، فهي تنشأ و تتطور بتأثير العوامل           و الظروف التي تتخلل نظام المجتمع الإنساني في نواحيه المتعددة و ذلك على إمتداد فترات زمنية متفاوتة ، و لا تحيد جريمة السرقة عن هذا المسار .
و لئن إعتبرت جريمة السرقة ليست بالجريمة الجديدة فإنها تعد كذلك من أكثر الجرائم المثيرة للجدل و الإستفسار و الإختلاف في الفقه و فقه القضاء .
بصفة عامة فإن جرائم الإعتداء على الملك و بالوجه الخصوص جريمة السرقة تعد من قبيل الجرائم الأكثر إثارة للجدل لما قد يبدو في مفهومها من مرونة تجعلها قابلة لإحتواء أنماط متعددة من مظاهر السلوك الإجرامي و نجد هذه الأهمية التي يكتسبها مفهوم جريمة السرقة و التي ما فتئت تتجلى على مستوى عناصره المختلفة ، مصادرها بالأساس في غياب التحديد التشريعي الدقيق لهذا المفهوم .
فالسرقة  لغة هي أخذ الشخص ما ليس له بصورة مستترة فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس    و مستلب و إن منع مما في يديه فهو غاصب .
أما على المستوى التشريعي فإنه يمكن إستيقاء مفهوم من خلال ما جاء صلب الفصل 258 من المجلة الجزائية على أن ” من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة “. و عليه فإن السرقة هي إختلاس شيئا على غير ملك خاص .
من خلال ما جاء صلب هذا الفصل نتبين أن المشرع التونسي لم يختلف عن أغلب التشريعات الأخرى في العالم كالمشرع المصري الذي إعتبر أن ” كل من إختلس منقولا مملوك منقولا لغيره فهو سارق ” هذا و قد نص على نفس الشيء القانون المغربي بقوله    ” أن من إختلس منقولا مملوكا للغير يعد سارقا “. في حين إعتبر كل من  المشرع الفرنسي و المشرع البلجيكي أن السرقة هي إختلاس شيء للغير عن سوء قصد.
ما تجدر ملاحظته أن أغلب النصوص التشريعية الواردة ، تبدو قاصرة عن إعطاء مفهوم قاطع لجريمة السرقة، فقد إكتفى المشرع التونسي صلب الفصل 258 من المجلة الجزائية بتحديد الركن المادي لهذه الجريمة و المتمثل في الإختلاس ، الشيء الذي فتح الباب لإجتهادات فقهية فقد رأى البعض أنها أخذ مال الغير خفية أي دون علمه و بدون رضاه .
إن الحاجة لضبط مفهوم دقيق و واضح لجريمة السرقة أمر تفرضه ضرورة التمييز بين هذا الصنف من الجرائم و الجرائم الأخرى المجاورة له و المنضوية في نطاق جرائم الإعتداء على الملك كجريمتي التحيل و خيانة الأمانة .
نظرا لخطورة جريمة السرقة و لمالها من إنعكاسات على النظام العام و السلم الإجتماعي فإن المشرع الجزائي التونسي قد قسم جريمة السرقة إلى صنفين رئيسيين يتعلق الصنف الأول بجريمة السرقة المجردة أو السرقة البسيطة و هي التسمية التي يطلقها عليها بعض الفقهاء ، و هذا الصنف تتوفر فيه جميع أركان جريمة السرقة و المتمثلة في إختلاس منقول مملوك للغير بغير رضاه و بنية التملك دون أن يضاف لهاته الأركان أحد العناصر القانونية التي يعلق عليها القانون أثرا على توفرها .
و أما الصنف الثاني فهو يتعلق بجريمة السرقة المركبة أو ما يسمى جريمة السرقة الموصوفة و هي الجريمة التي تتوفر فيها كل أركان السرقة البسيطة إلا أن هاته السرقة قد تقترن بعنصر من العناصر التي علق عليها القانون أثرا معينا، و هاته العناصر التي إقترنت بها جريمة السرقة الموصوفة لها خصوصية معينة بحيث أنها في مرحلة أولى  لا تكون عناصر إضافية و إنما هي عناصر أساسية نص عليها المشرع الجزائي بالتحديد من خلال الفصل 260 من المجلة الجزائية .
للإشارة فإن هذه العناصر وعند توفرها تساهم في تحول صبغة السرقة من بسيطة إلى مركبة أي من مجردة إلى موصوفة بالتالي فإن العقوبة تقترن بظرف من ظروف التشديد و في صورة ما إن لم تقترن جريمة بعنصر من عناصر التشديد يقع تكييفها على أنها بسيطة       و لا يقع التشدد في عقابها .
على الرغم من نجاعة هذا التقسيم فإن السرقة بصفة عامة عرفت تطور تاريخي هام بحيث كان محل إهتمام النظريات و التشاريع السماوية منها و الوضعية و التي حاولت حصر إهتمامها في تحديد ماهية جريمة السرقة في مرحلة أولى و تحديد الآثار المترتبة عنها في مرحلة ثانية .
جدير بالذكر أن هاته التشاريع كانت متنوعة من ذلك مثلا التشريع الفرعوني الذي وسع من مفهوم الجريمة ليشمل كافة مظاهر الإستيلاء على مال الغير كغيرها من جرائم التحيل       و خيانة الأمانة ، و تعد خاصة إذا تسلطت على ممتلكات شخص عادي في حين تعتبر عامة إذا تسلط الإعتداء على ممتلكات الآلهة أو الملك .
أما التشريع البابلي فلقد إختلف عن التشريع الفرعوني حيث أنه ميز جريمة السرقة بنوع من الخصوصية فلم يحصرها فقط في الأشياء المنقولة سواء أ كانت تابعة للذوات الطبيعية      أو الآلهة  لتشمل بذلك كل الأشخاص سواء أ كانوا أحرارا أم عبيد.
لكن و بالرغم من إهتمام هذه التشاريع بهاته الجريمة إلا أنها لم يقع التطرق إليها بشكل واضح و دقيق إلا من خلال التشاريع السماوية كالتشريع اليهودي الذي أكسب السرقة طابعا دينيا حيث حرمة و جرمت بإسم الدين ، و كذلك التشريع الإسلامي الذي إعتنى بهذه المسألة بقوله سبحانه و تعالى في سورة البقرة ” و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون” و على الرغم من إختلاف المذاهب في تعريفها إلا أن النص القرآني جاء صريحا في تحريمها من خلال إقرار عقوبة لمرتكبها و يظهر ذلك بقول الله سبحانه و تعالى ” و السارقة و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا…”.
نظريا فإن أهمية الموضوع تتلخص أساسا في سكوت المشرع و عدم إقراره لتعريف قاطع لجريمة السرقة الشيء الذي أتاح فرصة الإجتهاد و الإستنباط لعديد الفقهاء الذين لئن إختلفت تراكيب صياغتهم للمفهوم فإن المضمون كان على غاية من التشابه .
تطبيقيا فإن التمييز بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة ساهم في تكييف الأفعال المكونة للجريمة و ظروف قيامها  الشيء الذي مكن من  تحديد مدى خطورتها على المجتمع عامة و على أصحاب الأموال خاصة و بالتالي إقرار العقوبة المتناسبة مع التكييف سواء أ كان بالتشدد أو عدمه .
و دراسة السرقة يقتضي التعرض إلى أركانها )الفقرة الأولى( و عقوبتها )الفقرة الثانية(
الجزء الأول: أركان جريمة السرقة
تقتضي جريمة السرقة بالإضافة إلى الركن الشرعي توفر الركن المادي) أ( و الركن المعنوي )ب(
أ- من حيث الركن المادي:
يتمثل الركن المادي عموما في الفعل أو السلوك الذي يجرمه القانون الجزائي و يرتب عن القيام به عقوبة و هذا الفعل يمكن ان يكون فعلا إيجابيا أو فعلا سلبيا يتمثل في الإمتناع عن القيام بما أوجبه القانون.
بالنسبة للركن المادي لجريمة السرقة سواء المجردة او الموصوفة فإنه يتميز عن الركن المادي في بقية الجرائم الأخرى بحيث أن هذا الركن يمكننا من تمييز جرائم السرقة المجردة و الموصوفة عن غيرها من الجرائم المشابهة لها كجريمة التحيل و خيانة الأمانة و جريمة الإستيلاء على الأموال العمومية ، لذلك فإن الإختلاس هو الركن المادي الذي تشترك فيه جريمة السرقة المجردة و السرقة الموصوفة، و المقصود بذلك سواء أ كانت جريمة السرقة مجردة أو موصوفة فإنها يجب أن تتضمن فعل إختلاس كركن مادي أساسي في هاتين الجريمتين .
إن المقصود بالإختلاس هو القيام بفعل مادي محسوس ينتقل بموجبه الشيء من حيازة مالك ليدخل في حيازة الجاني فهو عبارة عن فعل مادي يستطيع شخص من خلاله أن يحول ملكية شيئا ما من مالكه الحقيقي إليه ، رغم أن السرقة الموصوفة لها عناصر إضافية خاصة بها إلا أن ركن الإختلاس يعد ركنا أساسيا لقيامها و تمييزها مثلما هو الحال في جريمة السرقة الموصوفة و السرقة المجردة ، فبدون الركن المادي لا يمكن الحديث عن جريمة السرقة .
للإشارة فإن المشرع التونسي لم يتعرض لتعريف الإختلاس بصفة صريحة و مباشرة إلا أنه حدد محل السرقة في الإختلاس و يظهر ذلك من خلال ما جاء بالفصل 258 من المجلة الجزائية الذي نص على أنه ” من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة ” كما عرفه الفقه الفرنسي بأنه ” أخذ مال الغير بدون علمه أو بدون رضاه “.
في الوقت الذي سكت فيه المشرع عن إعطاء تعريف قاطع للإختلاس فقد ظهرت العديد من النظريات أبرزها التقليدية التي تبناها القانون الفرنسي حيث يقوم الإختلاس على نقل الشيء أو نزعه من حيازة مالكه و إدخاله في حيازة الجاني بغير علم المجني عليه و بدون رضاه.
وقع نقد هذه النظرية و التخلي عنها و في المقابل تبني نظرية أخرى و هي النظرية الحديثة التي تقوم على نظام الحيازة بعنصريها المادي و المعنوي .
فأما العنصر المادي للحيازة فهو يتمثل في جميع الأفعال المادية التي تفيد معنى الحيازة كإستعمال الشيء و التصرف فيه.
على عكس القانون المصري الذي حدد موضوع الإختلاس فأوجب أن تكون من المنقولات فإن المشرع التونسي لم يتطرق إلى هذا التحديد بصفة صريحة .

وتقتضي جريمة السرقة:

  • أن يكون موضوع السرقة مالاً:
    لا يصلح الشيء محلا للسرقة إلا إذا كان مالا، ويقصد بالمال”كل شيء يصلح محلا لحق عيني وعلى وجه التحديد حق الملكية”.
    ويمكن أن تكون قيمة المال مادية تقدر بثمن أو معنوية كالخطابات والصور التذكارية فهي تصلح محلا للسرقة بغض النظر عن قيمتها سواءاً كانت مادية أو معنوية .ولا أهمية لقيمة المال المسروق كبيرة أم ضئيلة، فالشيء يكتسب صفة المال أياً كانت قيمته.
  • ان يكون المال المسروق ذو طبيعة مادية:
    وهذا الشرط تفرضه طبيعة الأخذ أو الإختلاس في جريمة السرقة بإعتباره الإستيلاء على الحيازة الكاملة، وهو مالا يتصور إلا بالنسبة للأشياء المادية.
    والشيء المادي هو ما يشغل حيزا ملموسا في الفراغ الكوني أو هو كل ما له كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي أو هو كل ماله طول وعرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته .وصورة مادة الشيء سواء لدى القانون:فالأجسام الصلبة والسوائل والغازات جميعا ذات كيان مادي،ومن ثم تصلح جميعا موضوعا للسرقة،فالسوائل على إختلاف أنواعها لها كيان مادي وعلى سبيل المثال فالماء-وإن كان في مجاريه الطبيعية مباحا-إلا أنه إذا استولى عليه شخص حازه بذلك وملكه، فمن إعتدى على ملكيته وحيازته كان سارقا. وتطبيقا لذلك فإن الشخص الذي يستولي على المياه من الأنابيب أو المستودعات التي تختزنه فيها هيئه لتنقية المياه وتوزيعها دون أن يتفق معها على ذلك يعتبر سارقا .وتقع السرقة على الغازات أيضا على الرغم من أنها لا تدرك بالحس لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه سواءٌ في أنابيب أو قوارير ومن أمثلة هذه الغازات غاز الكلور وغاز البوتجاز، فإذا كان الشيء غير مادي،أي معنوي فإنه لا يصلح أن يكون محلا للسرقة كالحقوق والآراء والأفكار والشعر والنثر،لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس ولكنها إذا أفرغت في محرر كعقد أو كتاب، فإن هذه المحررات تصبح مالاً ماديا يصلح لأن يكون محلا للسرقة وهكذا تقع السرقة على مادة العقود التي تدون فيها الحقوق أو الكتب التي تدون فيها الأفكار.أما الحقوق والأفكار في حد ذاتها لا تحميها نصوص السرقة وإنما تحميها نصوص خاصة ، كقانون حماية الملكية الفكرية.
    والمنافع-أي حالة إستعمال الشيء-تتجرد من الكيان المادي لأنها مجرد حالة ومن ثم لا تصلح محلا للسرقة،فمن إتخذ مكانا في وسيلة نقل عامة دون أن يدفع مقابلا لذلك ومن طهى طعاما على موقد لغيره ومن برد شرابا في ثلاجة غيره كل أولئك لا يرتكبون سرقة.ولكن الشيء الذي تصدر منه المنفعة له كيان مادي فيصلح موضوعا للسرقة:فمن إستولى على وسيلة النقل أو الموقد أو الثلاجة يرتكب سرقة .
  • أن يكون المال المسروق مملوكا للغير:
    يشترط في موضوع السرقة أن يكون مملوكا للغير، فالسرقة إعتداء على الملكية ولا يتصور هذا الاعتداء إلا إذا نال الفعل مالاً مملوكا للغير،ذلك أنه إذا وقع الفعل على مال يملكه المتهم فهو استعمال لحقه عليه، وإذا انصب على مال غير مملوك لأحد فهو إكتساب مشروع لملكيته.والفعل في الحالتين مشروع، فلا تقوم به السرقة، ومعنى ذلك أن الفصل في الإدعاء بالسرقة يفترض فصلا في ملكية المال المدعى بسرقته،
    عموما فإن الركن المادي لجريمة السرقة يعد من العناصر الرئيسية لتكييف الجريمة إلا أن الركن المعنوي لا يقل عنه أهمية.
    ب- الركن المعنوي:
    يتمثل الركن المعنوي لجريمة السرقة المجردة و السرقة الموصوفة عموما في توفر النية الإجرامية أو ما يعرف في أغلب التشاريع كالتشريع التونسي بالقصد الجنائي و الذي يتمثل في النية الإجرامية المتجهة إلى خرق القانون الجنائي أو في الإرادة المتجهة إلى إرتكاب فعل مجرم مع العلم بهذا التجريم .
    و على هذا الأساس فإن القصد الجنائي يستوجب  علم مرتكب الجريمة بأن الفعل الذي قام به مخالف للقانون الجنائي بمعنى عدم مشروعيته .
    في نفس الإطار يمكن أن نعرج إلى التمييز بين الدافع و القصد فالقصد سبق و إن تعرضنا إليه أما الدافع فنعني به ” هو السبب الذاتي الذي جعل المجرم يرتكب  جريمة و هو بذلك متغير و مختلف من حالة لأخرى و من شخص لأخر”.
    فالسارق مثلا يمكن أن يكون قد إرتكب جريمة السرقة لأنه في حاجة إلى المال أو لأنه يريد تقديم مساعدة لشخص آخر في أمس الحاجة له .
    و لكن بالرغم من أن الدافع الجنائي غير مأخوذ به في معظم الحالات و الإكتفاء بالقول أن القصد الجنائي يتمثل أساسا في الإرادة المتجهة إلى مخالفة القانون الجنائي فإن هذه الإرادة قابلة للإختلاف من صنف لأخر من الجرائم . و عليه فإنه يمكن القول بأن القصد الجنائي الذي يمثل الركن المعنوي إلى صنفين  القصد الجنائي الخاص و القصد الجنائي العام       و نقصد بهذا الأخير إرادة الجاني إلى القيام بالفعل المجرم مع العلم بأن القانون يجرمه      و يقرر لفائدته عقوبة ، و أما القصد الجنائي الخاص فنعني به النية و الإرادة المتجهة لإحداث نتيجة إجرامية محددة من ذلك مثلا في جريمة السرقة لا يكفي لإكتمال ركنها المعنوي أن تكون للفاعل إرادة متجهة للإستيلاء على مال الغير بل يجب كذلك أن تكون له نية أ و إرادة متجهة إلى إمتلاك هذا المال لذلك لا يعد سارقا من إختلس شيئا من المال  و هو يعلم أنه على ملك غيره إذا كان قد فعل ذلك بنية إرجاع هذا المال إلى صاحبه       أو تسليمه للسلطة التي لها النظر .
    من خلال ما وقع بسطة نتبين أن جريمتي السرقة الموصوفة و السرقة المجردة لهها خصوصية تميزهما من خلال الترابط الوثيق و الإلتصاق بين القصد الجنائي العام           و الخاص ، و بإعتبارها جريمة قصدية أي عمدية فإنه لا يكفي توفر العلم و الإرادة لتحقق الإختلاس و إنما يجب أن تتوفر نية التملك بحيث يستنتج شق من الفقهاء ضرورة توفر هذا العنصر الأخير و هي عبارة ” سوء النية ” التي تضمنها الفصل 379  من المجلة الفرنسية و الفصل 258 من المجلة الجزائية Frauduleusement و الفصل 311 من قانون العقوبات المصري , حيث رأت محكمة التعقيب التونسية أن القصد الإجرامي خاضع لإجتهاد قضاة الأصل و ترى محكمة النقض المصرية أن القصد الجنائي في جريمة السرقة ينحصر في قيام العلم عند الجنائي وقت إرتكاب الجريمة و أنه يختلس مال الغير رغم إرادة مالكه بنية تملكه لنفسه , فلا يكفي توفر العلم بمكونات الواقعة الإجرامية لقيام القصد الجنائي فلابد أن تتجه إرادة الجاني إلى إخراج المال من حيازة صاحبه و إدخاله في حيازته أو حيازة غيره فإذا حمل شخص مثلا حقيبة من مكان لأخر جاهلا [ان شخصا أخر قد وضع داخلها مالا مملوكا للغير لا يعد سارقا لإنتفاء علمه بأنه يخرج مالا من حيازة صاحبه .
    و نظرا لأهمية العنصر الثاني في جريمة السرقة و هو نية التملك ذهب بعض الفقهاء و فقه القضاء لإعتباره قصدا جنائيا خاصا في جريمة السرقة و لا يمكن قيام ركنها المعنوي إلا إذا توفر القصد الجنائي العام قصد جنائي خاص المتمثل في نية التملك و ذلك تحت تأثير نظرية الفقيه ” ميل قارسون ” في الإختلاس الذي أكد على أن القصد الجنائي الخاص في جريمة السرقة يتمثل في نية الجاني في تملك ذلك الشيء ، فالإختلاس بمفهومه القانوني يتمثل في الإستيلاء على الشيء بركنيه المادي و المعنوي فإذا كان العنصر المعنوي يفيد نية المستولي للتصرف في الشيء بصفته مالكا أي نية الحلول محل المالك الأصلي  و التمتع بكامل عناصر الملكية لذا لابد من البحث لدى الجاني عن نية التملك لتوفر الركن المعنوي للجريمة ، فمثال لذلك إذا أخذ شخص شيئا على ملك غيره و ذلك للإطلاع عليه و إرجاعه لمالكه الأصلي فإن ذلك الشخص لا يعتبر سرقا و هذا ما تعرضت له محكمة التعقيب التونسية في أحد قراراتها ” السرقة إختلاس الشيء من مالكه و بنية إمتلاكه و إذا لم تتوفر تلك النية فلا عقاب عليه “.
    هذا وقد عرف الفقيه Robertrorin القصد الإجرامي بأنه غش خاص”  un dol spécial” و يرى أن الجانب السلبي لمفهوم التملك بذكرنا بأبدية حق الملكية في حين أن كل سارق     لا يبحث بالضرورة عن هذا العنصر فالإختلاس هو تنقيص من ذمة مالية أكثر مما هو إنتفاع لذمة مالية أخرى ، و لكن بالرجوع لفقه القضاء نلاحظ أن أغلب القرارات تتجاهل نية التملك عند الجاني و تعتمد على عنصر أخر و هو إرادة الجاني حرمان المالك من ملكية الشيء المختلس كما نجد إتجاه ثاني لا يهتم بالنفع الحاصل بقدر ما حصل للذمة المالية للمتضرر من نقص و هذا ما أكدته عليه محكمة التعقيب حيث قضت في عديد قراراتها بالإدانة في غياب نية التملك لدى الجاني من ذلك الحكم بالإدانة في صورة إختلاس رسالة على ملك الغير لا بنية تملكها و إنما مجرد الإطلاع عليها . مثال سرقة الإستعمال أو ما يعبر عنه بالفرنسية vol d’usage التي مثلت محل جدلا فقهي فهل يعتبر مرتكب ذلك الفعل سارقا أم لا ؟
    هنالك شق أول إتجه لإعتبارها جريمة لا يمكن معاقبة مرتكبها عليها خاصة إذا تعلقت بالإستعمال فقط و ذلك بعلة إنعدام نية التملك فغاية الجاني لم تكن تملكها و إنما فقط إستعمالها لفترة ثم إرجاعها لصاحبها الأصلي و هذا ما أكدته عديد الأحكام القضائية بالبراءة في خصوص القضايا المتعلقة بسرقة الإستعمال لكن بالرغم من ذلك فإنه من جهة أخرى نجد أن المحاكم قد جرمت أفعال و قضت بالإدانة في حق سارقي بنزين السيارات و هذا ما أدى إلى ظهور شق أخر من الفقهاء و من أهمهم الفقيه Rolland الذي كتب مقالا بعنوان “le vol d’usage  ” ميز من خلاله بين مسألتين الأولى انه إذا إستعمل المتهم السيارة ثم تخلى عنها و الثانية إذا إستعملها ثم أرجعها لصاحبها فإنه غير مسؤول و لا تقع معاقبته .
    و لكن هذا الرأي تم إنتقاده من فقه القضاء الذي إستقر أخير على إعتبار سرقة الإستعمال سرقة كاملة موجبة للعقاب , و قد صدر في هذا الخصوص قرار تعقيبي فرنسي ” تتوفر السرقة عندما يتم اخذ الشيء في ظروف تكشف عن نية الجاني في التصرف في الشيء تصرف المالك و لو مؤقتا ” و لقد تبنى فقه القضاء التونسي ذلك في أحد قراراته ” إن إختلاس سيارة للغير يعتبر من باب السرقة و لو أن مختلسها إستعملها مدة وجيزة و أرجعها إلى المكان الذي سرقة منه “.
    و بالتالي نخلص إلى بيان أنه بتوفر عنصري القصد الجنائي العام و الخاص و المتمثلان في العلم بملكية الشيء المختلس للغير و نية تملكه يكون قد إكتمل الركن المعنوي للجريمة .

الجزء الثاني : عقوبة السرقة
السرقة في الإسلام من جرائم الحدود التي تستوجب عقوبات حدية تطبق بلا زيادة أو نقصان و لا يجوز تغيرها أو التقليل من عقوبتها أو عفو ولي الأمر عنها.
فأما النوع الأول وهو السرقة المجردة فقد ثبت الحد وهى عرفت في بقوله القرآن تعالى في سورة المائدة :” و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم، فمن تاب من بعد ظلمه و أصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم”.
و أما النوع الثاني فهي جريمة السرقة المركبة و هي تعرف في القرآن بالحرابة أو قطع الطريق و تعني خروج الجاني أو الجناة على المارة لأخذ المال على سبيل المغالبة أي بالإكراه أو التهديد أو القتل .
يقول تعالى في سورة المائدة “إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورا رحيم “. فالعقوبات هنا أربع إما القتل، والقتل مع الصُّلْب و إما القطع أو النفي.
فالقتل عقوبة تجب على قاطع الطريق عندما يقتل أحد المارة، والقتل مع الصُّلْب يجب عندما يقتل و يأخذ المال و القطع وحده يجب إذا اقتصر قاطع الطريق على أخذ المال و لم يقتل و النفي وحده يجب على قاطع الطريق إذا أخاف الناس دون أن يقتل أو ينهب مالا. من طريق ما جاء بهذه الآيات أمكننا تقسيم جريمة السرقة إلى صنفين و توقيع عقوبة جريمة السرقة في القانون التونسي مناسبة لكل منهما تناسب مع الأفعال المتزامنة أو اللاحقة لجريمة السرقة.
وتختلف عقوبة السرقة بحسب ما اذا كان كانت السرقة مجردة )أ ( او موصوفة )ب(

أ- عقوبة السرقة المجردة:
هذا النوع تتوفر فيه جميع أركان جريمة السرقة والمتمثلة في اختلاس منقول مملوك للغير دون موافقته و بنية امتلاكه دون أن يضاف لتلك الأركان أحد العناصر القانونية التي يعلق عليها القانون أثرا على توفرها.
وجاء بصريح الفصل 264 م ج، على أن عقوبة جريمة السرقة في القانون التونسي بالسجن لمدة 5 أعوام و بخطية قدراها مائة وعشرون دينارا بالنسبة إلى كل أنواع السرقات و الاختلاسات الواقعة في غير الصور المبينة في الفصول من 260 إلى 263  من المجلة الجزائية.
ب- عقوبة السرقة الموصوفة:
وهي الجريمة التي تتوفر فيها كل أركان السرقة البسيطة إلا أن هاته السرقة قد تقترن بعنصر من العناصر التي علق عليها القانون أثرا معينا، وتلك العناصر التي اقترنت بها جريمة السرقة الموصوفة لها خصوصية معينة.
فلقد جاء بالفصل 260 م ج: “يعاقب بالسجن بقية العمر مرتكب السرقة الواقعة مع توفر الأمور الخمسة الآتية:
أولا: استعمال العنف الشديد أو التهديد بالعنف الشديد للواقعة له السرقة أو لأقاربه،
ثانيا : استعمال التسور أو جعل منافذ تحت الأرض أو خلع أو استعمال مفاتيح مفتعلة أو كسر الأختام وذلك بمحل مسكون أو بالتلبس بلقب أو بزي موظف عمومي أو بادعاء إذن من السلطة العامة زورا،
ثالثا : وقوعها ليلا،
رابعا : من عدة أفراد،
خامسا : حمل المجرمين أو واحد منهم سلاحا ظاهرا أو خفيا”.
و نص الفصل 261 م ج “يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب السرقة الواقعة باستعمال أحد الأمرين الأولين من الأمور المقرّرة بالفصل المتقدم”.
و نص الفصل 262 م ج “يعاقب بالسجن مدة اثني عشر عاما مرتكب السرقة الواقعة بتوافر الأمور الثلاثة الأخيرة المقرّرة بالفصل 260”.
و بهذا الشكل يكون الفصل 260 من م.ج قد عدد حالات ظروف التشديد بصفة حصرية في خمس حالات و يكفي توفر أحدها حتى تتحول السرقة المجردة إلى سرقة موصوفة من ذلك مثلا الحالة الأولى المتمثلة في إستعمال العنف الشديد فإن المشرع قد ذهب لأبعد من ذلك ليدخل مجرد التهديد بإستعمال العنف الشديد من ضمن الحالات التي تكسب جريمة السرقة المجردة الصبغة المركبة .
على الرغم من أن المشرع التونسي قد خص فعل الإعتداء بالعنف الشديد بعقوبة مستقلة تجد لها سندا في الفصل 218  من نفس المجلة فإن فقه القضاء التونسي قد إعتبر بصفة  مستقرة أن العنف المستعمل  قصد السرقة لا تتكون منه جريمة مستقلة مهما كانت نتيجته   و إنما هو بالإضافة لعنصر الإختلاس يكونان عنصر موحد لإضفاء الصبغة الجنائية لجريمة السرقة.
و بإعتبار أن المشرع الجزائي التونسي سكت عن إعطاء مفهوم واضح للعنف الشديد فإنه يتجه الرجوع لما ورد على لسان بعض الفقهاء بأنه إستعمال القوة تجاه شخصا توصلا إلى إرتكاب السرقة و ذلك بالجرح أو الضرب أو غير ذلك من أنواع العنف في حين إعتبره المشرع المصري بأنه إكراه و ذلك بدليل قوله ” أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من يرتكب سرقة بالإكراه ” و بهذا الشكل يكون قد وسع من مفهوم العنف الشديد على إعتبار ان كلمة ” الإكراه ” هي عبارة أشمل تفيد إستعمال وسيلة قسرية تساهم في تعطيل إمكانية مقاومة المجني عليه بشكل كلي أو جزئي .
هذا وقد سعى المشرع التونسي لتجنب الخلافات الفقهية فيما يخص الإكراه أساسا الإكراه المادي و المعنوي فقد أقر بأن الإكراه المعنوي لا يقل خطورة أو أهمية عن الإكراه المعنوي و سوا بينهما كظرف من ظروف التشديد و لعل ترتيبهما في أولى حالات التشديد يعود إلى خطورتهما .
أما فيما يخص العنف كظرف من ظروف التشديد فإنه يجب أولا أن يتسلط على مالك المال أو أحد أقربائه و ثانيا أن تكون الإستعانة بالعنف سابقة في الزمن أو متزامنة مع جريمة السرقة و يكون سابقا في الزمن في صورة أن يتم إستعمال العنف لترهيب المسلوب و دفعه على تقديم ما لديه دون مقاومة و يكون متزامن زمنيا في صورة ما إن أبدا صاحب المال مقاومة في الدفاع على ما يملكه لذلك يلجأ الجاني لإستعمال العنف توصلا لمقصد هو في المقابل فإذا تم إستعمال العنف بعد عملية السرقة أو السلب فإنه في هذه الصورة لا يمكن الإعتماد على العنف الشديد كظرف من ظروف التشديد لأنه لم يسهل عملية السرقة بالتالي يقع النظر إليه كونه جريمة أخرى مستقلة عن جريمة السرقة .
أما في الحالة الثانية وهي التسور أو الخلع أو جعل منافذ و غيرها من الوسائل التي تساهم في دخول المكان الواقعة به جريمة السرقة سواء أكان محلا معدا للسكنى أو لتعاطي نشاط تجاري أو غيره فإنه ينظر إليه كظرف لتحويل الطبيعة القانونية لجريمة السرقة من بسيطة إلى مركبة أي من مجردة إلى موصوفة بالتالي من جنحة إلى جناية و هو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب و التي جاء في نصها ” يكفي لتوفر السرقة الموصوفة أن يكون مرتكبها قد إستعمل إما التسور أو الخلع ولا لزوم للجمع بينهما و يكفي لذلك إبراز أحدهما بالحكم طبق الفصلين 260 و 261 جنائي “.
في الحقيقة يمكن الجمع بين ثلاثة الحالات المتبقية و القول بأن جريمة السرقة التي تنطبق عليها ظروف التشديد هي تلك الني يتم إرتكابها ليلا من قبل مجموعة من الأشخاص يكون أحدهم أو جميعهم حاملين لسلاح ظاهر أو خفي.
تأسيسا على ما وقع بسطه فإن جريمة السرقة المجردة تختلف عن جريمة السرقة الموصوفة فهي التي لا ترتكب من قبل مجموعة من الأشخاص ليلا من خلال التسور أو الخلف بالإستعانة بسلاح يكون الهدف منه حمل الشخص تقديم ماله دون مقاومة لذلك فإنه لا يمكن المساواة بين جريمتي السرقة المجردة و الموصوفة و لو أن القصد من كليهما هو إمتلاك شيء لملك الغير بصفة غير شرعية أي منافية للقانون .
كما نص الفصل 263 م ج على ظروف أخرى للتشديد تكون عقوبة السرقة السجن مدة عشرة أعوام و هي:
أوّلا : أثناء حريق أو بعد انفجار أو فيضان أو غرق أو حادث حلّ بالسكة الحديدية أو عصيان أو هيجان أو غير ذلك من أنواع الهرج،
ثانيا: من أصحاب النزل وغيرها من المحلات المتعاطية لهذا النشاط وأصحاب المقاهي أو المحلات المفتوحة للعموم،
ثالثا : من مستخدم أو خادم لمخدومه أو لشخص موجود بدار مخدومه،
رابعا : ممن يخدم عادة بالمسكن الذي ارتكب به السرقة.
و قد أقرت محكمة التعقيب ذلك في العديد من قراراتها
كما نص الفصل 263 مكرر م ج على انه” يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام كل من يرتكب سرقة :
الآلات والمعدات الفلاحية، تعددت أو انفردت، وتعد آلات ومعدات فلاحية على معنى هذا الفصل الجرارات والمجرورات والمحاريث والشاحنات المخصصة لنقل المنتوج وآلات الجني وآلات الحصاد وآلات وتجهيزات الري ومحركات ومضخات المياه.
المحاصيل الفلاحية، وتعد محاصيل فلاحية على معنى هذا الفصل الخضر والثمار والحبوب قبل الجني أو بعده والسعف في نخيله.
المواشي، تعددت أو انفردت، وتعد مواشي على معنى هذا الفصل الخيل والإبل والأبقار والأغنام والماعز”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى