الأخبار

التقدير الشعبي اهم و ابقى من التجاهل الرسمي

 لم اكن افكر لحظة في ان اكتب عن الشاذلي القليبي اياما قليلة بعد وفاته لايماني بان ما قدمه لتونس و للامة العربية و للانسانية يحتاج الى تفكير في سبل ابرازه للاجيال الشابة و توثيقه للمستقبل . و لكن التجاهل الذي تعاطت به مؤسسات الدولة و الطبقة السياسية مع وفاته دفعني لذلك خاصة و اني قد وجدت نفسي مدعوا لمقارنة لا اريدها في كيفية تعامل السلط مع حالات اخرى لم يقدم فيها الذين احتفت الدولة برحيلهم عشر ما قدمه الشاذلي القليبي و هو ما يعني ان لهذا التجاهل خفايا سياسية يتعين الوقوف عندها . و ما اعلمه في هذا الصدد ان الشاذلي القليبي ليس من “رموز النظام السابق ” كما يحلو لبعض ادعياء الثورية القول لعدم ايفاء رجال خدموا الدولة و المجتمع حقهم في التقدير و الاعتراف بالمكانة بعد رحيلهم بل ان ما انجزه الشاذلي القليبي يجعل منه رمزا من رموز الثورة باعتبار الثورة فعلا في الواقع اكثر مما هي رفع لشعارات متشنجة و انجازا قبل ان تكون صراخا و تشنجا . و هذا يعني في تقديري ان تجاهل الشاذلي القليبي كان مقصودا و متعمدا لان الراحل يقدم نموذجا ايجابيا و ناصعا لما عليه المناضل الدستوري و رجل الدولة في ظل الدولة الوطنية . فقد ولد الشاذلي القليبي في عائلة دستورية و تكفي الاشارة هنا الى ان عمه ليس الا الشيخ محيي الدين القليبي احد مؤسسي الحزب الدستوري التونسي او الحزب القديم كما اخذ يعرف في اربعينات القرن الفارط . و الشاذلي القليبي لم يتوقف طويلا عند الخلافات الجزئية بين الحزب القديم و الحزب الدستوري الحر الذي اصبح يعرف باسم الحزب الجديد لانه ادرك ان الهدف واحد فالتحق بمعركة النضال ضد الاستعمار في محيط الحزب الجديد و الاتحاد العام التونسي للشغل اذ كان صحبة محمود المسعدي و شريفة المسعدي و احمد بن صالح من المثقفين الذين احاطوا بالزعيم النقابي و الوطني الشهيد فرحات حشاد و ساهموا في حياة الاتحاد العام التونسي للشغل . و كان الشاذلي القليبي متمكنا بشكل جيد من اللغة العربية و اللغة الفرنسية و هو ما انعكس على رؤيته و على تكوينه المعرفي و السياسي و ساهم في تاسيس جريدة “الصباح ” و كان احد اهم كتابها . و لعب الشاذلي القليبي دورا هاما و اساسيا في بناء الدولة الوطنية  و خاصة في الجانب الثقافي . فقد تولى سنة 1957 تونسة الاذاعة الوطنية و لم تكن المهمة بالامر اليسير و لكن قدرة الراحل على ادارة الطاقات البشرية بصرامة لا يغيب عنها الاحترام جعلته ينجح في تحويل اهتمام التونسيين و التونسيات الى ما تبثه اذاعتهم رغم المنافسة الشرسة من اذاعات لها امكانيات اكبر و تبث من القاهرة و لندن و مونتي كارلو . الامتياز الاكبر للشاذلي القليبي يبقى و لا شك تاسيس وزارة الشؤون الثقافية و الاشراف عليها لسنوات و ما تسير عليه هذه الوزارات لحد الان في مستوى الهيكلة هو من تخطيك الشاذلي القليبي الذي انشا المهرجانات الثقافية الدولية برؤية لا مركزية وتكفي الاشارة هنا الى مهرجانات دوز و قرطاج و الحمامات و دقة  و كيف تحولت هذه المهرجانات الى نواة للسياجة الثقافية . و هو الذي طور المتاحف و دفع الى تاسيس المعهد الوطني للتراث و اطلق حملات التنقيب عن الاثار و حماية المواقع الاثرية و هو الذي كان وراء ارساء 300 مكتبة عمومية في مختلف ارجاء الجمهورية الى جانب المكتبات المتجولة و ساهم في تاسيس ايام قرطاج السينمائية و شركة “الساتباك ” للانتاج السينمائي . الشاذلي القليبي لعب دورا رئيسيا في تسجيل مدينة قرطاج على لائحة التراث الانساني العالمي لليونسكو و هو ما ساهم في انقاذ اثارها من الاندثار . و يبقى الشاذلي القليبي العربي غير المصري الوحيد الذي تولى الامانة العامة لجامعة الدول العربية ( 1979- 1990) و عمل خلال توليه هذه المهمة على خلق تكامل عربي افقي من خلال التركيز على الثقافة و الاقتصاد و لعب صحبة حمادي الصيد دورا في التعريف بعدالة القضية الفلسطينية و الحد من الغطرسة الاسرائيلية و استقال في سبتمبر 1990 رفضا منه لاستعمال الجامعة العربية غطاءا لضرب التضامن العربي و تبرير التدخل الاجنبي و تدمير العراق . ما لقيه الشاذلي القليبي من تقدير شعبي عند رحيله دليل على ان التجاهل الرسمي لا يكتب التاريخ من ناحية و على ان التاريخ سيضع كل شخص في الموقع الذي هو اهل له و ان الانجاز هو المعيار الحقيقي لان ما ينفع الناس هو ما يبقى في الارض عبد الرؤوف الخماسي 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى