التسامح من منظور أسري: رؤية مجلس الأسرة العربية للتنمية في اليوم العالمي للتسامح 2025

كتبت د _ أمال إبراهيم
وبينما يرفع العالم هذا العام شعار “لنتحرك الآن من أجل عالم يسوده السلام”، يرى مجلس الأسرة العربية للتنمية أن البداية الحقيقية لأي سلام لا تُصنع في المؤتمرات ولا على طاولات السياسة، بل تُولد في أقرب دائرة إلى الإنسان: الأسرة.فالبيت هو أول مدرسة يتعلّم فيها الطفل معنى الاختلاف، وكيف يعبّر عن رأيه دون أن يحوّله إلى صراع. وهو المكان الذي يرى فيه—بشكل عملي—كيف يعتذر الكبير قبل الصغير، وكيف تُحل الخلافات باحترام، وكيف يتقدّم الحب خطوة إلى الأمام كلما تراجع الغضب خطوة إلى الخلف.
التسامح… قيمة تُمارَس قبل أن تُعلَن
التسامح ليس شعارًا يرفع ولا خطابًا يُلقى؛ هو فعل يومي يبدأ من تفاصيل صغيرة:كلمة طيبة في لحظة توتر،خطوة للصلح قبل أن يتسع الشرخ، تجاوز هفوة دون تضخيم،والقدرة على احتواء من نحب قبل أن نحاسبه.وفي ظل عالم يموج بالخلافات، يصبح ترسيخ هذه القيم داخل الأسرة بمثابة تحصين مبكر ضد العنف والانقسام في المجتمع كله.
لماذا نبدأ من الأسرة؟
لأن الأسرة هي البيئة التي تتشكل فيها شخصية الإنسان ، المكان الذي يتعلم فيه ضبط مشاعره، النموذج الأول الذي يقلده في حياته كلها وعندما ينشأ طفل يرى التسامح يمارس أمامه، سيحمله معه في المدرسة والعمل والزواج والمجتمع. أما إذا نشأ على العناد والحدة والتجريح، فسيمدّ هذا الأسلوب إلى الخارج بنفس السهولة التي تنفعل بها الكلمات داخل البيت.
رؤية مجلس الأسرة العربية للتنمية
من منظور المجلس، فإن دعم ثقافة التسامح داخل الأسرة هو استثمار مباشر في الأمن الاجتماعي العربي.فالأسرة التي تعرف كيف تدير خلافاتها، وتتصالح، وتسامح، هي أسرة تساهم في:تقليل العنف الأسري، خفض معدلات التفكك، حماية الأطفال نفسيًا وبناء مجتمع قادر على مواجهة الأزمات دون أن ينقسم.خطوات عملية لتعزيز التسامح داخل الأسرة التواصل الهادئ: تخصيص وقت يومي للحوار بعيدًا عن الشاشات والضغوط.
تعليم الأطفال الاعتذار بكرامة: أن يفهم الطفل أن الاعتذار لا يُنقص من قيمته.إدارة الغضب بوعي: التوقف لحظة قبل الرد، خاصة بين الزوجين وتوقيع “ميثاق الاحترام الأسري”: اتفاق بسيط داخل البيت يلتزم فيه الجميع بعدم الإهانة أو السخرية وممارسة التسامح أمام الأبناء: فالطفل يتربّى بالقدوة أكثر مما يتربّى بالكلام.الأسرة… الخط الأول للسلام إذا أردنا أن يتحرك العالم نحو سلام حقيقي، فيجب أن تتحرك الأسر أولًا.
وإذا كان الشعار الأممي يدعو إلى العمل العاجل، فإن أسرنا العربية تمتلك اليوم فرصة ذهبية لتكون نموذجًا للتسامح، يبدأ من البيت… ويمتد إلى المجتمع… ثم ينعكس على الوطن والعالم. السلام الذي نتمناه لأوطاننا يبدأ من كلمة طيبة، من قلب يتسامح، ومن بيت يعرف كيف يحوّل الخلاف إلى مساحة لفهمٍ أعمق أن القيم التي نوعها في أبناءنا هي الثمرة التي تجنيها لمجتمع يسود فيه الحب والسلام .










