
يلاحظ المهتم بشان القضاء التونسي التغيير الكبير الحاصل لنظام القضاء الجزائي بعد صدور القانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 الذي اضاف الفصل 13 مكرر لمجلة الاجراءات الجزائية ونقح الفصل 57 منها واعترف بالاحتفاظ .
الفصل 13 مكرر
” في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث لا يمكن لمأموري الضابطة العدلية المبينين بالعددين 3 و4 من الفصل 10 ولو في حالة التلبس بالجناية وبالجنحة ولا لمأموري الضابطة العدلية من أعوان القمارق في نطاق ما تخوله لهم المجلة القمرقية الاحتفاظ بذي الشبهة لمدة تتجاوز اربعة أيام وعليهم اعلام وكيل الجمهورية بذلك .
ويمكن لوكيل الجمهورية الاذن بالتمديد كتابيا في هذا الاجل مرة أولى لنفس المدة وعند الضرورة القصوى مرة ثانية لمدة يومين اثنين فقط . “
الفصل 57
” اذا تعذر على قاضي التحقيق اجراء بعض الأبحاث بنفسه امكن له ان ينيب قضاة التحقيق المنتصبين في غير دائرته او ماموري الضابطة العدلية المنتصبين في دائرته كل فيما يخصه باجراء الاعمال التي هي من خصائص وظيفه ما عدا اصدار البطاقات القضائية ويصدر في ذلك قرارا يوجهه الى وكيل الجمهورية بقصد تنفيذه ” .
لا شك ان تنفيذ هذه الاحكام فيه اعتداء صارخ على الحرية الشخصية لكن لا بد من الاعتراف ان لإضافة الفصل 13 مكرر وتنقيح الفصل 57 تاريخ سياسي تقع العناية به في غير هذا الموطن علما وان هذا القانون صدر بعد اعلان السابع من نوفمبر وفي الشهر الذي ازاح فيه زين العابدين بن علي الرئيس الحبيب بورقيبة عن الحكم سنة 1987 واستولى على رئاسة الدولة مصرحا للشعب ان لا ظلم بعد اليوم ومعربا في بيان السابع من نوفمبرعن عزمه ترسيخ الديمقراطية في البلاد .
وقد حقق ما طلب منه فأصدر قانونا يضيف الفصل 13 مكرر لمجلة الإجراءات الجزائية وينقح فصلها 57 وتولى لاحقا تحوير الدستور في نفس المعنى .
ان المتأمل سواء في نصّ الفصلين 13 مكرر و 57 من مجلة الإجراءات الجزائية او في الفقرة الأولى من الفصل الثاني عشر المضاف لدستور 1959 بالقانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في اول جوان 2002 القاضي بأن:
“يخضع الإحتفاظ للرقابة القضائية ولا يتم الإيقاف التحفظي إلا بإذن قضائي ويحجر تعريض أي كان لإحتفاظ أو لإيقاف تعسفي.” يلاحظ أن الإيقاف المسموح به من الدستور ومن القانون العادي هو الايقاف غير التعسفي وهو نوعان هما :
ـ الإحتفاظ أولا والايقاف التحفظي ثانيا .
ـ وإن الفرق بينها وقتها يتجسم في أن الأول يخضع لسلطة القاضي ورقابته والثاني لا يتمّ إلا بإذن قضائي قطعي وعلى هذا الأساس فأنه لا يحجر تعريض أي كان للإيقاف الا اذا كان تعسفيا .
والمعلوم أن الإحتفاظ وقت صدور احكامه هو من إعمال مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس الوطني وأعوان الديوانة ويقضى بالأماكن التابعة لمراكز البحث .
أما الإيقاف التحفظي فإنه من إختصاص السلطة القضائية ويقضى بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع .
ان حرص رئيس الجمهورية وقتها على تحوير الدستور وسن القوانين المتعلقة بالاحتفاظ والايقاف التحفظي يبدو سعيا صادقا مبناه حسن النية خاصة اذا علمنا ان التعبير المتوخى من الفصل 13 مكرر حين نص انه
” لا يمكن … الاحتفاظ بذي الشبهة لمدة تتجاوز … ” يفيد أولا ان الاحتفاظ بذي الشبهة ليس بالشيء الجديد وهو معروف ومعمول به دون نص قانوني يجيزه وان الفصل 13 مكرر عندما اضيف لمجلة الإجراءات الجزائية فان القصد منه اضفاء الشرعية مستقبلا على عملية الاحتفاظ التي تكون مدتها في حدود المدة التي يضبطها القانون .
ان مسؤولية سن هذه الاحكام سواء بالدستور او بالقانون الداخلي يتحملها اساسا أناس معروفون يدعون وقتها انهم حقوقيون ينتمون الى منظمات حقوقية كانوا يطلبون بإسمها من وزير الداخلية السعي لبعث نصوص قانونية تشرع للظاهرة المتفشية والمتعلقة بايقاف المشتبه فيه عند البحث من ماموري الضابطة العدلية وتنظمها فاستجاب لطلبهم عندما صار رئيسا للجمهورية مقتنعا ان ما يقدم عليه هو عمل ديمقراطي قناعة بريئة متاتية من جهل مخاطبيه ان التشريع الجزائي التونسي به من الاحكام ما يكفي لتسليط العقاب على من يعمد الى إيقاف الانسان تعسفيا ودون موجب شرعي ولو كان قاضيا وان في وضع القوانين المجيزة للاحتفاظ وتطوير الإيقاف التحفظي اعتداء على حرية المواطن .
عقوبة ايقاف الانسان بدون حق ولا موجب
ان الاعتداءات التي قد يمارسها بعض القضاة وأعوان الضابطة العدلية على المتهم والمتمثلة بالخصوص في إيقافه بصفة تعسفية علاجها موجود في المجلة الجزائية التي لم تهمل تجريم تجاوز حد السلطة الواقع خاصة من الموظفين الذين لهم سلطة العقاب وحفظ النظام العام الذين يعمدون الى مسك الشخص وحرمانه من التنقل او حبسه او سجنه وتجريده من حريته مدة من الزمن .
ان عقاب من يعمد الى ايقاف ذي الشبهة تعسفيا لم تهمله المجلة الجزائية وهو يكمن في تطبيق مقتضيات احكام الفصل 103 من المجلة الجزائية على القاضي او مامور الضابطة العدلية الذي يعمد الى إيقاف المتهم وابقائه على ذمته مدة غير معقولة كي يتولى بحثه متى شاء وبالطريقة التي ترضيه ..
وان نص الفصل 103 من المجلة الجزائية يقضي ان
” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار الموظف العمومي الذي يعتدي على حرية غيره الذاتية بدون موجب قانوني او يباشر بنفسه او بواسطة غيره ما فيه عنف او سوء معاملة ضد متهم او شاهد او عريف للحصول منهم على الإقرار او التصريح اما اذا لم يقع التهديد بالعنف اوبسوء معاملة فالعقاب ينحط الى ستة اشهر ” .
ان الجرائم التي يتعرض لها هدا الفصل هي
أولا اعتداء الموظف العمومي على الحرية الذاتية.
ثانيا الاعتداء بالعنف مباشرة او غير مباشرة او إساءة معاملة موظف لمتهم او شاهد او خبير .
ثالثا التهديد بالعنف او بسوء المعاملة .
لا شك ان سبب الإيقاف التعسفي كثيرا ما يكون لغاية تخويف الشخص الموقوف وحمله على الاعتراف بما ينسب اليه .
وللحد من إيقاف المتهم ظلما يمكن أيضا تفعيل احكام الفصل 250 من المجلة الجزائية رغم الخلاف الحاصل بخصوص موضوعها .
كان الفصل 250 من المجلة الجزائية ينص وقت صدور القانون عدد لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 والمتعاق بالاحتفاظ تحت عنوان في التعدي على الحرية الذاتية على ما يلي
” يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها الف دينار
أولا الأشخاص الذين بدون اذن من الحكومة العمومية وفي غير الصور التي امر القانون فيها بالقبض على المتهمين أوقفوا او حبسوا او حصروا أي انسان كان .
ثانيا الاشخاص الذين اعاروا محلا لاتمام الحبس او الحبس بالفعل ” .
من المسلم به ان هذا النص ينطبق دون أي شك على القاضي او مامور الظابطة العدلية الذي يوقف المتهم ويحجزه لو لم تعطى الشرعية لهذا الفعل ويصير الإيقاف التحفظي منظما والاحتفاظ معترفا به من الدستور ومن القانون العادي .
على كل حال يبقى لهذا النص مفعول وهو يطبق اليوم على القاضي ومامور الضابطة العدلية عندما يوقف الشخص بغير حق وخلافا لما يقتضيه القانون كان يتجاوز الزمن المحدد قانونا للايقاف الماذون به كما يطبق هدا النص على المسؤول الذي يبقي بالسجن المحكوم عليه بعد انقضاء مدة العقاب المحكوم بها .
لا شك ان وجود الاحكام الجزائية المانعة من اجراء الايقاف التعسفي والعقاب عليه يبرر الغاء الاحتفاظ وان في الغائه اعفاء للسلطة القضائية من الاذن به دون ان تعلم هل يقتضيه البحث ام لا واعفاء للنيابة العمومية من المراقبة الازمة لسجل الاحتفاظ ولظروفه وحال المحتفظ به وظروفه كل ذلك يحدث في مقرات تابعة لوزارة الداخلية.
الأستاذ الهادي كرو