مقالات

الإعلام المقاوم يجب أن لا يُهجَّر، والمنطق يرفض تعيين من يضعف الكلمة ويحارب الإعلاميين. 

كَتَبَ إسماعيل النجار

 

الإعلام المقاوم يجب أن لا يُهجَّر، والمنطق يرفض تعيين من يضعف الكلمة ويحارب الإعلاميين.

 

في لحظةٍ تحوُّلٍ حاسم في ساحة الصراع، لا مكان لمن يتبنّى سياسةٍ إدارية تُشبه منطق العدو! بمحاربة الإعلامي مادياً ومعنوياً وتهجيره، من هلال تجويعه، وإضعاف مؤسساته.

.{إنّ تعيين مسؤول إعلامي في صفوف المقاومة بقرارٍ يشرعن ويُمكّن ممارساتٍ من هذا النوع ليس فقط خطأً إداريًا، بل قرارٌ استراتيجي يعيد توزيع أدوات القوّة إلى جهة الخصم إعلاميًا، وأخلاقيًا، ومجتمعياً.

.{الإعلام المقاوم تقوم عليه عصارةُ تاريخٍ من المعاناة والكرامة من مراسلون ومحررون ومدراء مواقع ومحللون سياسيون ومنتجون جميعهم في مواجهة آلة تضليلٍ عالميةٍ يواجهونها بلغة الحق والإنصاف،

.{مثل هؤلاء فتحوا نوافذ الحقيقة حين كانت المغلقات كثيرة. هؤلاء ليسوا موظفين ولا مرتزقه إنما أصحاب موقف وعقيدة، م حماة ذاكرةٍ وجسور تواصلٍ مع الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي. إن مسؤولٌ يتبنّى منطق «التطهير المالي والإعلامي» لا يقتلع أشجارًا متعبةً فقط، بل يقطع جذوراً ترتبط بالمجتمع وتقطّع أوصال التمثيل الإعلامي للمقاومة نفسها.

 

.{أولًا: إن استدعاء آليات الطرد والخصخصة الإدارية في وجه الإعلامي المقاوم يفضي إلى انكماش المساحة النقدية والإبداعية. من يخيّر الإعلامي بين الكرامة المهنية والرزق، أو يضعه تحت طائلة الملاحقة المالية، يكون قد حرّف فعل المقاومة إلى معركة داخلية تهدر طاقاتها. وبدل أن تُوجَّه الموارد لرفع الصوت، تُستنزف العلاقة بين المؤسسة والإعلامي حيث العلاقة يُفترض أن تبنىَ على الثقة والبعث الرسالي.

 

.{ثانيًا: مثل هذا المنطق يغذي روايةَ العدو الذي لطالما سعى إلى تصوير المشروع المقاوم كأداة قمعداخلي!.

إعلاميًا، لا شيء يفرح الخصم أكثر من مشاهد تشظِّي الخطاب الداخلي وظهور ممارساتٍ تبدو استبدادية أو انتقامية. فالتناقضات الداخلية تُغذّي حملاتٍ تضليلية تُسوّق للغربَ ولِتل أبيب أن المقاومة «لا تقبل المعارضة»، بينما الحقيقة هي أن المقاومة لا تستطيع أن تزدهر إلا عبر تشجيع الصوت الحر المسؤول والقادر على النقد البنّاء.

 

.{ثالثًا: إعلاميًّا وبراغماتيًا، إضعاف الإعلاميين يساوي إضعاف شبكة التوثيق والانتشار. الصحفي الذي يجابه مخاطر ميدانية أو سياسية ثم يُترك وحيدًا أمام آلةٍ إداريةٍ تُصادر حقوقه، لن يستمر في العمل بنفس الوتيرة، ولن تكون له الشجاعة نفسها في الميدان. وهذا يؤدي إلى تصدّع المنظومة الإعلامية وفقدان مبادرات التحقيق، ويؤدي إلى تناقص المحتوى النوعي، وتراجع القدرة على مواجهة السرديات الغربية على منصاتها الكبيرة.

.{لذلك، يجب أن تكون قاعدةُ العمل واضحة لا لبس فيها من ينتهج سياساتٍ تقمع الإعلامي، يضعف الإعلام المقاوم ويُقدّم خدمةً مجانية للعدو. المطلوب عكس ذلك تمامًا، حماية مهنية للإعلامي، ضمانات مالية وإدارية تُمكنه من العمل بحرية ومسؤولية، وهياكل تُعزّز الشفافية بدلاً من أن تُستخدم كأداة تكميم.

 

.{لكن الحماية وحدها ليست كافية؛ لا بد من بناء ثقافة مؤسساتية تُدرك أن النقد الداخلي ليس خيانة بل وقاية. مسؤول الإعلام الحقيقي هو من يفتح قنوات تواصل واستماع، يعالج الشكاوى بعدالة، ويوفّر بيئة تُمكّن الإعلام من القيام بدوره التوثيقي والتحليلي. عليه أن يكون قائدًا لا سيّدًا، مديرًا يَصغي ولا يمارس الإقصاء، ومعلّمًا يُنمّي قدرات الفرق بدل تحجيمها.

 

.{أخيرًا، رسالة مباشرة إلى القائمين على القرار: إذا كان الهدف حماية المشروع والمضي قدمًا في معركة الوعي، فلا تُبرَّر أي سياسات تُحرم الصوت الحر من أبسط حقوقه في العيش وقول كلمة الحق.

 

.{إن المقاومة تحتاج إلى إعلامٍ متماسك، حرّ ومحمٍ، ليس إعلامًا مُذعنًا أو مُخضعًا لإجراءاتٍ تصادر استقلاليته. وأنتم اليوم أمام خيار ،إما أن تُعزّزوا قاعدة الكلمة فتمنحون المقاومة مزيدًا من الشرعية والقوة والفاعلية، أو أن تُضعفوا الظهير الشعبي والإقليمي عبر ممارساتٍ تُبرر خصومكم في الخارج.

 

.{ يجب أن يعلم الجميع أن الإعلام المقاوم لا يُهجّر ولا يُستبدل بمنطق الإدارة القمعية. لأن حمايته مسؤولية استراتيجية وأخلاقية، ومن يخاطر بها يراهن على انتصارِ عدوٍ لا يرتاح للنزاعات الداخلية أكثر مما يرتاح لضعف الخصم. نصيحتي لكم تصرفوا بحكمة، لأن الكلمة القوية تُصنع من كرامة إعلاميِّها، لا من إذلالهم.

 

بيروت في،، 10/11/2025

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى